وكم هي الإنسانية بحاجة إلى عطاء القيم والأخلاق النبوية المتجسدة في شخص إسماعيل وفي هديه ونبوته وإنسانيته العليا .. فأزمة الإنسان على مر العصور ، هي أزمة قيم وأخلاق وروح .. فالإنسانية لا تشكو من نقص في عناصر الطبيعة والثروة .. ولا تعاني من نقص قدرة عقلية ومادية في اكتشاف قوانين المادة والحياة ، وتسخيرها لصالح الإنسان ، فقد قطع الإنسان على مر العصور مراحل عليا في التطور والتقدم المادي والمدني ، ولكنه كلما تقدم في هذا الجانب كلما تخلف في الجانب الإنساني (الحضاري) بعد أن ضيع القيم والأخلاق والمبادئ الربانية التي تمنح الحياة روح السعادة .
فأزمته في حقيقتها وجوهرها هي أزمة قيم وأخلاق وروحانية ، ومرتكز هذه المحنة في كثير من الاحيان هو الانانية وعبادة الشهوات واحتباس الوعي والتفكير الإنساني في إطار العالم
المادي ، ولذلك حرص القرآن على عرض إسماعيل (الذبيح) كمثل أعلى يسمو على الحياة المادية ويرضى بالانسحاب من الحياة والاستسلام لشفتي السكين التي تحمل سبحات الحب الالهي ، فهو يضرب أعلى مراتب التعالي والرفض للحياة؛ وبأغلى الأثمان وأصعب الطرق والمسالك ، فقد اختار مسلك السير إلى الله على شفرة السكين فحق للقرآن أن ينادي :
(واذكر في الكتاب إسماعيل ) .
ليحطم الاسوار والسجن الكبير (سجن الانانية والتسلط الشهواني) لينطلق الإنسان ويسمو ، فتتكامل انسانيته ، فيعود ذلك الإنسان الصادق الوفي الصابر الصالح الخير المهتدي ، الذي يقتدي بالنبيين ، ويتمثل شخصية إسماعيل في وفائها وصدقها وحبها للخير وفنائها في ذات الله وانتصارها على الذات .
ذلك هو إسماعيل ، وتلك هي قبسات من حياته الخالدة ، فلنتخذه مثلا أعلى ومنارا للهداية ، وقدوة في السلوك والعمل .
وتحدث القرآن عن إسماعيل في مواقع اخرى فوصفه بقوله :
Page 48