Ismail Asim dans le cortège de la vie et de la littérature
إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب
Genres
اسكن أنت وزوجك الجنة
علمت أنهما سيخرجان منها؛ فإنه لا بد للساكن من مبارحة السكن، وقد صدق ظني وهبطا إلى الأرض لأمور اقتضتها الحكمة الأزلية وتناسلا فيها وانتشرت ذريتهما في بقاعها.
فأخذت الأرض في النضارة والعمران بما جاءوا به من الاتحاد والاجتهاد، فأخذ مني السرور بهم كل مأخذ، وهبطت إليهم لأساعدهم على عملهم الصالح، خائفا عليهم من الشماتة بهم حتى إذا حصل ما حصل بين قابيل وهابيل من الحسد والقتل، وهما أخوان توأمان داخلني من سوء المصير الوسواس، وقلت: لا خير في كثير من الناس وصعدت إلى مركزي.
وما زال الصلاح يخبو والفساد في الأرض يربو إلى أن أرسل الله نوحا بالطوفان، وأغرق الظالمين، وحمل في السفينة المصطفين، فتوقعت حصول الخير في هذه الدار، وهبطت إلى السفينة لأكون مع الأخيار، فسمعت نوحا يدعو ولده إلى الهداية المبينة والركوب معه في السفينة، وهو مجيب بالسلب والرد ويعامل والده بالعقوق والصد.
فقلت: بالأمس قتل الأخ أخاه، واليوم عصى الولد أباه، فأي خير من الدنيا أتمناه، وصعدت إلى مركزي مستعيذا بالله، ثم تقلبت الأيام وتبدلت الأنام، وأرسل الله سليمان بالنبوة والسلطان، وملك الدنيا غربا وشرقا، وصارت مكانته وقومه من السماء أرقا ، فتخيل لي أن لا فساد بعد هذا الإصلاح، ولا تحاسد بعد هذا الفلاح، وهبطت إلى الأرض لأحظى باتباعه وأكون من أتباعه، حتى أتاه الأجل المحدود، وفاجأه الموت الموعود، فريثما حملوه على النعش رأيت ثريا جموعه تبدلت ببنات نعش.
وكنا كالثريا في اجتماع
فصيرنا الزمان بنات نعش
فدعوتهم للاجتماع وعدم الضلال عن سبيل الإجماع، ولكن غلب عليهم الهوى وما رأيت أحدا منهم ارعوى فقلت لا خير في الدنيا، وسارعت إلى مركز الأدوار العليا.
قال الهدهد: فقلت له وما سبب هبوطك الآن ونحن في أي زمن من الأزمان؟ فقال: إني كان لي صاحب حميم وصديق حكيم اسمه نسر الأدهار وقد فقدته عدة أحقاب فبحثت عليه بين الأفلاك وسألت عنه الإنس والأملاك ولم أهتد له على أثر، وكان عهدي به التردد على وادي سبأ وآونة على الوادي المقدس؛ ليمرح في غياه بها ويتروح بزهر رياضها، فهبطت إليها لعلي أجتمع به فيها، ولما وصلتها أنكرتها وأنساني مرآها الحاقل ما أتيت إليها من أجله، فإني حمت حول أكنافها فوجدتها مندرسة المعالم بالية الأطلال، ولم أر فيها غير رويضة صغيرة وغويضة حقيرة قد استبدلت أزهارها بالقتاد وأنهارها بالسراب وهزارها بالبوم، ولسان حالها يقول:
تأمل سطور الكائنات فإنها
Page inconnue