L'Islam et la civilisation humaine

Abbas Mahmoud El Akkad d. 1383 AH
68

L'Islam et la civilisation humaine

الإسلام والحضارة الإنسانية

Genres

ومن علوم النجوم «علم الفلك» الذي يبحث في حركات الكواكب ومواقيت طلوعها واحتجابها.

ومنها علم الملاحة لاعتماد السفن على رصد الكواكب واختلاط الأمر يومئذ بين دراسة الفلك ودراسة الظواهر الجوية على إطلاقها.

ولقد كان علم الزراعة يرتبط بعلم الفلك لاعتقاد الزراع قديما أن المحاصيل الزراعية تنمو بفضل البروج والمنازل السماوية التي تشرف عليها وتقترن أحيانا بمواعيد الأمطار والفيضانات.

وأما العلم الذي كان في الواقع يغطي على علوم الفلك جميعا فهو «علم التنجيم» أو علم الطوالع وما تنطوي عليه من أرصاد السعود والنحوس. فقد كانت كلمة التنجيم إذا أطلقت تعني في عرف الأكثرين علم النظر في الغيب واستطلاع السعود والنحوس، وتدبير أسباب الوقاية التي يزعم المنجمون بطلاسمهم وأباطيلهم أنها تنفع في هذه الأمور.

ولقد مضى الزمن، وتقدم الناس أو تقدم المتمدنون منهم، فتركوا عبادة النجوم وعرفوا الحقائق عن علوم الملاحة والزراعة، وعرفوا ما لم يعرفوه قط - من قبل - عن حركات الأفلاك ومنازل الفضاء، فأصبح للفلك علم مستقل غير علوم اللاهوت وعلوم الملاحة والزراعة، وانقطعت الصلة تماما بين هذا العلم الواسع وتلك الخزعبلات التي كانت تسمى بعلم التنجيم، واضطر علماء الغرب أن يفصلوا بينهما في لغاتهم، أصبح علم «الأسترونومي»؛ أي علم الفلك، غير علم «الأسترولوچي» الذي يطلق على التنجيم.

وكان المظنون أن أبناء الغرب المتمدنين قد فرغوا من أمر التنجيم وخرافاته، وقد عرفوا من حقائق الأفلاك في هذا الزمن ما يعرفونه عن تلك الخرافات التي صدقها أسلافهم، لجهلهم بأقرب الكواكب إليهم وخلطهم بين مواقع النجوم التي ترى بالعين المجردة، وهم لا يعرفون أبعادها ولا يدركون آفاتها.

أما اليوم والأرصاد الفلكية تكشف الآفاق إلى مدى الملايين من السنين الضوئية وعلماء الفلك يعرفون عن تكوين الكواكب مثل ما يعرفون عن تكوين هذه الكرة الأرضية، ويتحدثون عن السفر إلى تلك الكواكب كما يتحدثون عن الممكنات أو عن الصعوبات التي تقبل التذليل، فلا ندري كيف يعقل الإنسان المتمدن أن أسرار السماء والأرض في الحاضر والمستقبل، يكشفها المنجمون الجهلاء وينبئ عنها من غاب عنه كل كشف جديد من كشوف السماء، ولكن الواقع العجيب أن المصدقين بالتنجيم اليوم بين المتمدنين في الغرب يزيدون كلما ازدادت كشوف الفلك الحديث، وأننا لا نزال نتلقى من المطبوعات الأوروبية والأمريكية أشتاتا من التقاويم والمجلات وجداول الأرصاد والطوالع، مخصصة كلها لمسائل التنجيم ونبوءات الحاضر والمستقبل، ودلالات الأفلاك على مصائر العظماء ومقادير الدول والحكومات، وفي كل لغة من اللغات الحية تصدر التقاويم السنوية، وتصدر المجلات الدورية، وتصدر الكتب والمصنفات وتصدر دوائر المعارف ومراجع التاريخ، وينتظم صدورها كما ينتظم صدور أمثالها من المطبوعات المخصصة لمباحث العلوم والآداب والفنون، ويشتريها طلاب الطوالع بالأثمان الغالية التي تزيد أحيانا على أثمان كتب العلم والصناعة ودراسات الفنون والصناعات.

وقد عنيت إحدى المجلات السيارة بإحصاء هذه الظاهرة العجيبة، فتبين لها أن الاهتمام بالتنجيم في ازدياد، وأن الأمم الأوروبية والأمريكية لا تقل عن أبناء القارات الأخرى في إقبالها على قراءة كتب التنجيم، وعلى استشارة المنجمين في أخطر الشئون، ومنها مشروعات التجارة والاقتصاد، واختيار الشركاء والأزواج.

وإذا صح الإحصاء الذي اعتمدته المجلة فقد ازداد عدد المقبلين على استشارة المنجمين في الولايات المتحدة - بعد الحرب العظمى - من ثلاثة ملايين إلى عشرة ملايين، وأصبح عدد المكاتب المفتوحة لقراءة الطوالع يقارب خمسة آلاف، ويقدر عدد المؤمنين بالطوالع الفلكية في ألمانيا بنسبة سبعة وعشرين في المائة من مجموعة سكانها، وأن رجال السياسة في إيطاليا كثيرا ما يزورون مكاتب المنجمين تحت جنح الظلام ليسألوهم عن طوالع الأحزاب والحكومات، وأن دور الملاحة في اليابان لا يندر أن تستشير المنجمين لاختيار الساعة الملائمة لإنزال السفن الجديدة إلى الماء، وأن الناشرين اليابانيين وزعوا في سنة واحدة ثمانية ملايين نسخة من خرائط الطوالع التي تسمى بالأصطرلاب، وأن في إيطاليا عشرين مجلة منتظمة لا تنشر شيئا غير النبوءات وما يتعلق بها من أسئلة القراء وأجوبة المنجمين، وأن طائفة غير قليلة من أصحاب الأعمال يتذاكرون إلى اليوم مقدرة المنجمة إيفانجلين آدمز

Evangelin Adams

Page inconnue