L'Islam et la civilisation humaine

Abbas Mahmoud El Akkad d. 1383 AH
44

L'Islam et la civilisation humaine

الإسلام والحضارة الإنسانية

Genres

إن صدق هذا الرجل يدمغ المذهب الشيوعي في أساس تكوينه؛ لأنه يرينا أن الحكم الشيوعي يخول الحاكم المستبد طغيانا لم يخوله أعتى القياصرة في أظلم عصور الظلم والاستغلال.

وأشد من ذلك أن يكون كاذبا على زعيم وعلى أمة وعلى حكومة كاملة ولا يفتضح له كذب ولا يمتنع عليه بعد ذلك أن يتمادى في السياسة التي أنكرها كاذبا على جميع هؤلاء.

وعلى أي وجه من الوجوه لا مفر من الجزم بأن الشيوعية أفلست في سياسة مجتمعها غاية الإفلاس الذي يصاب به مذهب مجعول لسياسة المجتمعات، وأن الشيوعيين في بلاد كلها شيوعيون لا يقدرون بعد أربعين سنة أن يجدوا للحكم إلا باغيا كاذبا سفاحا، بين قائم منهم بالأمر أو معزول، وأن نظام الشيوعية من أساسه شر من كل نظام عرف في ظل الاستبداد ورأس المال؛ لأنه لا يأبى أن تتولاه أداة حكومية قائمة على الإرهاب والتضليل، يتأتى فيها للحاكم الفرد ما ليس يتأتى من قبل لأمثال نيرون وجنكيزخان.

هذا هو الواقع الذي تبديه لنا أعمال الحاكمين في روسيا وأقوالهم، ولا حاجة به إلى رأي يقول به عدو أو ناقد من بعيد.

مذهب قامت على قواعده أمة كاملة من الرضيع إلى الشيخ الذي جاوز الخمسين، ولم يزل حكامه بين خونة وظلمة، ولم يزل في وسع الإرهاب والتضليل أن يتيح لحاكمه المطلق أن يجني على الأرواح والأعراض والأرزاق كما يشاء.

ومن الواضح أن التضليل هنا يستند إلى الإرهاب ولا يقوم على براعة الحيلة التي تجوز على غير المضطر للخضوع. فإن دعواهم - ظالمين ومظلومين - على السواء أظهر من أن يقبلها سامع بريء من الخوف أو التغفيل.

وليس هذا هو الواقع الذي تنكشف عنه نتائج الحكم في صميم البلاد الروسية وحدها، بل هو الواقع في كل مكان بسطت عليه روسيا شيئا من نفوذها وحسبته بين ملحقاتها. ونظرة عاجلة على المستعمرات الروسية، وأشباه المستعمرات الروسية ترينا أنهم لا يبسطون نفوذهم على بلد يفصلهم منه حاجز من الحواجز الجغرافية. فكل مستعمراتهم وأشباه مستعمراتهم؛ آسيا وأوروبا، تقع من بلادهم على مد الذراع من قوة الإرهاب المسلح، ولم يستطيعوا بالتضليل وحده أن يستغنوا عن الإرهاب المسلح أو الجاسوسية المسلحة؛ ولهذا تمكن «تيتو» في يوغسلافيا من الخروج عليهم والاستخفاف بأنظمتهم وتعليماتهم، فتحداهم وأفلح في تحديهم، وهو يدين مع هذا بمذهب من المذاهب الاشتراكية!

وكلما استطاع هؤلاء الشيوعيون أعداء الاستعمار والاستغلال - كما يقولون - أن يخضعوا بلدا غريبا بقوة السلاح، حكموا فيه القمع والإرهاب تحكيما لا يستبيحه شر المستعمرين في القرون الغابرة ولا في هذا القرن العشرين، فالبلاد التي دخلها المستعمرون تعاني من عسفهم ما يثيرها عليهم للمقاومة والانتقاض، ولكنها على أية حال تقاوم ويسمع لها صوت وتذاع لها في العالم قضية. أما حيث نزل الروس فلا بقية بعد السيف للمقاومة والانتقاض، وخطتهم هنالك للمحق والإبادة لن تكون أرحم من خطتهم في صميم بلادهم. أين بلجانين؟ أين بريا؟ أين ملنكوف؟ أين مولوتوف؟ أين قبل هؤلاء مئات ومئات من الأنداد والنظراء، وممن تخشى محاسبتهم أو مقاومتهم في وقت من الأوقات؟ إن الحاكم الذي يزيل هؤلاء عن طريقه في وضح النهار لن يترك في بلاد المغلوبين رأسا يرتفع للحساب والمقاومة، ولن يدع فيها أحدا يهم بالحركة أو يقدر عليها إن هم بها.

غول من الوحشية والشيطانية تبلى به الأمم في هذا الزمن، ولا سلامة لها منه إلا بالقضاء عليه، وتلك هي «تصفية الختام» للمذهب الذي ملك أمة فلم يقدر على حكمها بغير الإرهاب والتضليل، ويريد أن يحكم الأمم جميعا - والعياذ بالله - على هذا المنوال.

الفصل العاشر

Page inconnue