L'Islam et la civilisation humaine
الإسلام والحضارة الإنسانية
Genres
وكتب عن الصلاة في فصل من فصول «الإسلام عقيدة وشريعة»، فقال عنها: «إنها العنصر الثاني من عناصر الشخصية الإيمانية.»
وعلى هذه الوتيرة كانت كلمة «الشخصية» تتردد في أحاديثه للدلالة على قوام كل «وجود» حق يتميز به عقل الإنسان وضميره في حياته الروحية، وهي لمحة من لمحات التعبير الباطني تدل على معناها، وتدل مع هذا المعنى على مقدار شعوره بكرامة الشخصية واقترانها بحق الإنسان وواجبه وبالتبعة التي تناط بها الحقوق والواجبات، وتقرر له موقفه من الشخصيات الإنسانية الأخرى في إبداء الرأي والاضطلاع بأعباء الدعوة والإقناع.
هذه واحدة من خصال العقل المجتهد، بل هي أولى تلك الخصال في كل ترتيب لكفايات المجتهدين. من كان له رأي وعلم ولم يكن له نصيبه الأوفى من هذه الخصلة فلا سبيل له إلى الاجتهاد؛ لأنه يلقى العائق الأول عن أداء وظيفة الاجتهاد من قبل نفسه، ويحجم عن العمل في سبيله قبل أن يصده غيره عن تلك السبيل.
وتلك هي الخصلة التي توافرت للأئمة الأسبقين من أصحاب الرأي والقياس في الشريعة، وبفضل الثقة التي كانت تملأ نفوسهم من هذه الخصلة كانوا يقولون لمن يستكثر عليهم التعقيب على أهل العلم من الصحابة والتابعين: إنهم رجال ونحن رجال.
وإذا اجتمع الاجتهاد في كلمات معدودات صح أن يقال إنه هو القدرة على الرجوع إلى روح القرآن الكريم، أو إنه بعبارة أخرى تفسير المذاهب بمعاني القرآن الكريم، وليس هو تفسير القرآن الكريم بمعاني المذاهب أو بنصوصها أو بأقوال الرواة فيها.
ولقد كان هذا هو إيمان الإمام الفقيد بالكتاب المبين، وكان هذا هو منهجه في الاحتكام بالمذاهب إلى آياته وأحكامه، مستقلة عما يضاف إليها من شروح المختلفين وتأويلات أصحاب الرأي وأصحاب اللغة من المفسرين.
وقد لخص العالم الفاضل الدكتور محمد البهي هذا المنهج في تقديمه لتفسير الإمام الفقيد، فقال: «التفسير الذي نقدمه اليوم للمسلمين هو تفسير للمسلمين أجمعين، لا لمذهب معين من المذاهب الفقهية، ولا للون من ألوان العقيدة الكلامية، ولا لاتجاه خاص من اتجاهات أهل الظاهر أو أهل الباطن.»
ثم تعرض للمنهج الذي اختاره الأستاذ المفسر واقتدى فيه بالمعلم المصلح العظيم محمد عبده، فقال: إنه منهج «جعل السورة وحدة واحدة، يوضح مراميها وأهدافها وما فيها من عبر ومبادئ إنسانية عامة»، وإنه لا يقحم فيه على القرآن من رأي خارج عنه، أو مصطلح انتزع من مصدر آخر، فجعل كلمات القرآن يفسر بعضها بعضا، كما أطلق الحرية للقرآن في أن يدلي بما يريد دون أن يحمل على ما يراد.
وبهذه المثابة يصبح تفسير القرآن للمسلمين جميعا، وعليه يقام أساس التوفيق بين المسلمين أجمعين، وهي أمانة لا يضطلع بها غير أهلها من القادرين على الاستقلال بالفهم وعلى مواجهة الخلاف بما ينبغي للمجتهد من الشجاعة الصادقة ووسائل الإقناع بإحسان، وما ينبغي للمجتهد المعلم خاصة من الصمود إلى غاية التعليم، وغاية المعهد العلمي الذي يتولاه.
وصف الإمام الفقيد رسالة الجامع الأزهر معهد العلم الإسلامي الأكبر فقال في بضع كلمات: «إنه معهد الدين وحصن اللغة المكين.»
Page inconnue