L'Islam et la civilisation arabe
الإسلام والحضارة العربية
Genres
فإذا كان في القبيلة الشاعر الماهر، المصيب المعاني، المخير الكلام، أحضروه في أسواقهم التي كانت تقوم لهم في السنة، ومواسمهم عند حج البيت، حتى تقف وتجتمع القبائل والعشائر فتسمع شعره ، ويجعلون ذلك فخرا من فخرهم، وشرفا من شرفهم، ولم يكن لهم شيء يرجعون إليه من أحكامهم وأفعالهم إلا الشعر، فيه كانوا يختصمون، وبه يتمثلون، وبه يتفاضلون، وبه يتقاسمون، وبه يتناضلون، وبه يمدحون ويعابون. قال ابن سلام: إن أشعر شعراء القرى العربية - وهي خمس: المدينة ومكة والطائف واليمامة والبحرين - شعراء قرية المدينة، وعرفت للعرب ذاكرة قوية في حفظ الشعر بحيث يروي العربي عشرات القصائد ومئات الأبيات على أيسر وجه، وذلك لاعتمادهم أبدا على حافظتهم، وقلما حفظوا شيئا من خطبهم؛ ولذلك كان المنقول عن الجاهلية من الشعر العربي أوفر كثيرا من المنقول من خطبهم.
قال الجاحظ: لم يكن العرب تجارا ولا صناعا ولا أطباء ولا حسابا، ولا أصحاب فلاحة فيكونوا مهنة، ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغار الجزية، ولم يكونوا أصحاب جمع وكسب، ولا أصحاب احتكار لما في أيديهم وطلب ما عند غيرهم، ولا طلبوا المعاش من ألسنة الموازين ورءوس المكاييل، ولا عرفوا الدوانيق والقراريط، ولم يفتقروا الفقر المدقع الذي يشغل عن المعرفة، ولم يستغنوا الغناء الذي يورث البلادة، والثروة التي تحدث الغرة، ولم يحتملوا ذلا قط فيميت قلوبهم، أو تصغر عنده نفوسهم، وكانوا سكان فياف وتربية عراء لا يعرفون الغمق ولا اللثق،
36
ولا البخار ولا الغلظ ولا العفن ولا التخم: أذهان حداد، ونفوس مفكرة، فحين جلوا حدهم، ووجهوا قواهم إلى قول الشعر وبلاغة المنطق، وتثقيف اللغة وتصاريف الكلام، وقيافة البشر بعد قيافة الأثر، وحفظ النسب والاهتداء بالنجوم، والاستدلال بالآثار وتعرف الأنواء، والبصر بالخيل والسلاح وآلة الحرب، والحفظ لكل مسموع، والاعتبار بكل محسوس، وإحكام شأن المناقب والمثالب بلغوا في ذلك الغاية وحازوا كل أمنية، وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر، وهممهم أرفع، وهم من جميع الأمم أفخر، ولأيامهم أذكر. ا.ه.
الزواج عند العرب وبعض عاداتهم
جاء الإسلام وبعض العرب يئدون بناتهم، أي يقبرونها ويهيلون عليها التراب مخافة العار والحاجة، وفي التنزيل:
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ،
ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا .
37
وكانوا يجمعون بين الأختين ويخلف الرجل على امرأة أبيه إذا مات، ويطلقون النساء حتى إذا قرب انقضاء عدتهن راجعوهن لا عن حاجة ولا لمحبة، ولكن تطويلا للعدة ولتوسيع مدة الانتظار ضرارا، وكان الرجل يطلق امرأته أو يتزوج أو يعتق ويقول: كنت لاعبا، ويمنعون النساء أن يتزوجن من أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن حمية جاهلية، وإذا مات الرجل منهم كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء أن يتزوجها بعضهم، وإن شاء زوجوها أو عضلوها فهم أحق بها من أهلها، وإذا مات الرجل قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض إخوته بمهر جديد، وهذا نكاح المقت، فأنزل تعالى:
Page inconnue