L'Islam et la civilisation arabe
الإسلام والحضارة العربية
Genres
البيعة، أما القصور المصورة في الأندلس فيطول ذكرها، ومنها الزهراء أو مدينة الزهراء التي بناها عبد الرحمن الناصر على اسم جاريته، ونقش صورتها على بابها، وكان في كل دور من المألوف تصوير جدران الحمامات في بغداد ودمشق، وعمل خمارويه في القرن الثالث مجلسا في القاهرة
71
برواقه سماه بيت الذهب، طلى حيطانه كلها بالذهب المجال باللازورد المعمول في أحسن نقش وأظرف تفصيل، وجعل فيه على مقدار قامة ونصف صورا في حيطانه بارزة من خشب معمولة على صورته وصورة حظاياه، والمغنيات اللاتي يغنينه، بأحسن تصوير وأبهج تزويق، وجعل على رؤوسهن الأكاليل من الذهب الخالص الإبريز الرزين، والكوادن
72
المرصعة بأصناف الجواهر، وفي آذانها الأجراس الثقال الوزن المحكمة الصنعة وهي مسمرة في الحيطان ولونت أجسامها بأصناف أشباه الثياب من الأصباغ العجيبة.
ثم إننا لو رجعنا إلى تاريخ التصوير والنقش عند الغربيين أنفسهم لما رأيناهما بلغا في عصر من عصور الغرب الدرجة التي وصلا إليها الآن بعد أن ارتقى كل فرع من فروع الحضارة، ويعذر العقل الغربي إذا تعذر عليه أن يقبل كيف تقوم مدنية بغير تماثيل وتصاوير وتهاويل، وقد قبلت النصرانية بعض ما كان في الوثنية من العادات والأوضاع على نحو ما فعل الإسلام؛ فأقر أمورا بل أحكاما كانت من مألوف الجاهلية، لم ير فيها كبير ضرر فسكت عنها،
73
ولكن شدد الإسلام في القضاء على الأصنام؛ لأن التوحيد أول شرط في الهداية الإسلامية، ولا توحيد مع أصنام وأوثان، خصوصا في الصدر الأول.
ومن الإنصاف أن يعتبر القائلون بقصور العرب في هذا الشأن بارتقاء أصناف العلوم والفنون مع الزمن، وأن العقل البشري يرقى الجيل بعد الجيل، ويكتب له في آخر الأمر الإبداع، وهل من العدل أن نتطلب من مدنية قامت قبل ثلاثة عشر قرنا ما نتطلبه من حضارة قامت منذ أربعة قرون، تحمل معها مدنيات الأمم الغابرة بأسرها؟ ولعمري هل يضر المدنية العربية أن لا يعهد فيها الكهرباء والبخار، ولا التمثيل والسينما؟ وهل يسقط قدرها قصورها بعض الشيء في إقامة التماثيل واصطناع التصاوير والتزاويق؟ وهذه أمم الغرب على كثرتها نجد بينها لعهدنا تفاوتا في الغرام بالنحت والنقش والتصوير، مع أن كل واحدة منها تسير على ما سارت عليه جارتها، ولا تفتأ تقتبس مما عندها كل جديد؛ لاتحادهما كثيرا في الدين والبيئة.
إن العلم كما يقول ريشه:
Page inconnue