L'Islam et la civilisation arabe
الإسلام والحضارة العربية
Genres
شعوبيان مخرفان شامي ومصري
ومن هؤلاء الشعوبيين في الشام هزاء خيالي، دعا الشاميين في جملة الآراء التي جاهر بها إلى أن تصفوا نياتهم فينسوا الأجداد الذين يشيدون أبدا بمفاخرهم، وينسوا الدول الإسلامية التي يتغنون على الدوام بمجدها، وما عهدنا عاقلا يدعو أمة إلى تناسي تاريخها، بل رأينا كل أمة تدرس تاريخها، مهما كان من اسوداد صفحاته؛ لأنه مهمازها إلى العمل، وتتمة ما بدأ به أجدادها: تتوقى شرهم وتقتبس خيرهم، ورأينا من الأمم كبعض جمهوريات أميركا الجنوبية من يصطنع لأمته تاريخا تتغنى به فيعينها على نهوضها، وأنت لو أردت هذا المتفلسف أن يأتيك برجل يصح لنا أن ننسج على منواله لعجز واكتفى بأن قال لك: إن الإسلام لم يأت فيه رجل يذكر، ولاختلق الأكاذيب على من أجمعت الأمة بل الأمم على صلاحه أمثال صلاح الدين يوسف، ولشوقي في هذا المعنى:
مثل القوم نسوا تاريخهم
كلقيط عي في الناس انتسابا
أو كمغلوب على ذاكرة
يشتكي من صلة الماضي انقضابا
ومن هؤلاء الشعوبيين في مصر رجل، يزعم أن الإسلام دين بدوي يتسم بكراهة الترف، وبشدة الإيمان بالوحدانية، وأن الوهابيين اليوم يمثلون روحه أصدق تمثيل، وأن العرب تقيدوا لأول أمرهم بالقرآن، فلم ينقلوا شيئا من الأدب الإغريقي، ثم كان الروح البدوي سائدا أيضا، فقوطعت الفنون الجميلة؛ لأن البدوي يكره بطبيعته جميع ضروب الترف والحضارة، وهو نفسه يعيش في صحراء لا يحتاج معها إلى فنون الحضارة من عمارة وتصوير ونقش؛ ولذلك حرم التصوير كما حرم صناعة التماثيل، وصار الغناء والموسيقى يتلهى بهما السكارى، وأن من الرسم تستفيد الأمة رأيها وذوقها في الجمال، ومن الدرامة تكتسب سليقة النقد الاجتماعي، فتبقى جذوة الإصلاح حية متقدة، وتنزع الأمة نزعة رقي وتقدم، وأن تعصبنا للشرق تعصب للقديم أكثر مما هو للشرق، نستمسك بالشرق لكي نتعلل به في كراهة الغرب، ونستمسك بالقديم كبرياء وأنفة من أن يقال: إن حضارتنا قد أفلست أمام حضارة أوروبا.
قال: وليس علينا للعرب أي ولاء وإدمان الدرس لثقافتهم مضعف للشباب ومبعثر لقواهم، فيجب أن نعودهم الكتابة بالأسلوب المصري الحديث، لا بالأسلوب العربي القديم، ويجب أن يعرفوا أننا أرقى من العرب، وأن ندرس العربية الفصحى كما ندرس الأشورية والبابلية، وأن ننظر إلى لغة النابغة والمتنبي كما ننظر إلى اللغة الروسية أو الإيطالية ، وأن العربية ليست لغتنا ولا نستفيد منها، وأن لنا من العرب ألفاظهم فقط لا لغتهم بل بعض ألفاظهم، قال: وكل من اختبر هذه اللغة يعرف أن قاسم أمين ولطفي السيد كانا على حق عندما نصحا باستعمال العامية المصرية بدلا منها، وقال: إن الرابطة الشرقية سخافة والرابطة الدينية وقاحة، وأن الرابطة الحقيقية أن نفنى في مدنية أوروبا، ونتطور بأطوارها، ونتزوج من بناتها، ونزوجهم بناتنا، ونأخذ عنهم كل شيء، وأن الأصلح لمصر إذا أرادت التخلص من آسيا والشرق والتاريخ العربي، أن تعود إلى وطنية فرعونية مقصورة على مصر وتاريخ مصر، ودرس مدنية الفراعنة أفيد من درس العرب، وأن تدرس آثار العرب والفراعنة كما تدرس الفينيقية، وقال: إن من تأمل أحوال الأمم الناهضة يعرف أنه ليست أمة تنهض في العالم الآن إلا وتنسلخ من قديمها سواء أكان هذا القديم آسيويا أم غير آسيوي، هذه خلاصة آراء المتفلسف الشعوبي ولو أردناه وصاحبه معا أن ينزل عن مشخصاته ومقدساته التي يتظاهر بالبعد عنها وهي أعلق بقلبه من شعرات قصه
20
لاستكبر وأبى.
Page inconnue