L'Islam et la civilisation arabe
الإسلام والحضارة العربية
Genres
ولا تزال براءات ملوك النورمانيين مكتوبة بالعربية واللاتينية واليونانية، وكانت العربية إحدى اللغات التي تضرب بها نقودهم، وعليها شارتا الإسلام والنصرانية، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل كان يوضع عليها أيضا «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، واستمر الأمراء الذين خلفوا النورمانيين على ضرب نقودهم بالعربية زمنا.
وما برح النورمانيون جارين على سنن روجر الأول صاحب صقلية في الاعتماد على العرب، ورعايتهم ظاهرا وباطنا، وكذلك كان العرب في إخلاصهم حتى إن القاضي جمال الدين بن واصل قاضي القضاة بحماة الفيلسوف المؤرخ، كان أرسله الظاهر بيبرس سفيرا إلى الإمبراطور صاحب صقلية في سنة 659ه، فقال فيه: إنه كان مصافيا للمسلمين ويحب العلماء، وإنه بالقرب من البلد الذي كان فيه مدينة تسمى لوجارة، أهلها كلهم مسلمون من أهل جزيرة صقلية، تقام فيها الجمعة ويعلن بشعار الإسلام، وكان أكثر أصحاب الإمبراطور مسلمين ويعلن بالآذان والصلاة في معسكره. وقال: إنه عند توجهه من عند الإمبراطور اتفق البابا خليفة الفرنج وريدا فرنس على قصد الإمبراطور وقتاله، بسبب ميله إلى المسلمين؛ ولذلك كان البابا قد حرمه، وقد غلبه الفرنج وذبحوه، وملكوا أخا ريدافرنس في سنة 663.
تنصير بقايا الصقليين
وعلى رواية ابن واصل تكون صقلية قد ظلت في حكم النورمانيين السعيد 179 سنة كان فيها المسلمون في راحة. ويقول رينالدي: إن التعصب الديني لم يتأخر لحظة واحدة عن الظهور بعد زوال ملك المسلمين من صقلية، فاضطر المسلمون أن ينتحلوا النصرانية فاختلطوا بطبقة الشعب، وهذا ما وقع أيضا لمدينة لوشيرا «الغالب هي لوجارة»، فقد سمح لهم شارل الثاني بالبقاء في ملكه على أن يتنصروا وعرف أولادهم بعدهم باسم مرانه
Marrani
وهي كلمة عربية أخذها الطليان عن الإسبان، وكانوا يلقبون بها المسلمين الذين دانوا بالنصرانية في الأندلس، وكذلك كانت مدينة لوشيرا مدينة إسلامية محضة حتى إن كلمة «سكان لوشيرا
Lucerini » كانت تؤدي معنى الشرقيين أو المسلمين. ولما استولى ملك سواب على الجزيرة (1194) بدأ اضطهاد المسلمين اضطهادا شديدا يذكر بما لقوه في إسبانيا، فهاجر ألوف إلى إفريقية ولا سيما إلى سواحلها، ومن تخلف منهم كان مستعبدا استعبادا حقيقيا: يزرع الأرض، ويرعى الماشية، ويعمل الأعمال الشاقة في أملاك الملك.
وعلى هذا، فقد تنصر بقايا المسلمين في الجزيرة، ولم يجلوا عنها على كل حال بفاجعة كفاجعة الأندلس التي مثلها القسس والأساقفة والكرادلة وديوان التحقيق الديني والملك والملكة والشعب، اتفقوا كلهم باطنا وظاهرا على إبادة المسلمين، والملك شارل هو الذي خلع الصقليون طاعته، وقتلوا الفرنسيس على بكرة أبيهم يوم 21 آذار سنة 1282م/682ه.
أثر العرب والعربية في اللغة الإيطالية
أبقى العرب في الجزيرة كثيرا من عاداتهم، وهي باقية إلى اليوم، وتركوا ألفاظا كثيرة من لغتهم في اللغة الصقلية والإيطالية، ولا تزال عدة أماكن بصقلية تحمل أسماء عربية، ولا سيما أسماء القلاع والمراسي والشوارع، وتبدأ أسماء القلاع بلفظ «قلتا» أي قلعة، ومنها ما أصبح اليوم مدنا، مثل: قلعة النساء وقلعة فيمي وقلعة الحسن وقلعة البلوط، وكذلك كلمة مرسى، ومرسى علي، مرسى المينا، منزل الأمير، منزل يوسف، رمل الموز، رمل السلطانة، القنطرة، وادي الطين، رأس القلب، رأس الخنزير، رأس القرن، والقصر من أعظم شوارع بلرم، وفي بلرم الآن قصران جليلان من مباني العرب: اسم أحدهما القبة واسم الآخر قلعة العزيزة، وكان تأثير العرب بعلمهم في هذه الجزيرة أكثر من تأثيرهم بمبانيهم. يقول رينالدي: إن الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في الإيطالية التي تفوق الحصر دخلت الإيطالية لا بطريق الاستعمار العربي بل بطريق المدنية التي كثيرا ما تؤلف بين مظاهر الحياة المختلفة، وقد عدد من هذه الكلمات جانبا ولا سيما في لغة العلم، ثم قال: إن جنوة اضطرت أن تؤسس سنة 1207م مدرسة لتعليم العربية، ويدل على ذلك وجود كلمات عربية في لغة هذه المدينة، وفي اللغات العامية في جميع المدن الإيطالية التي كانت تتجر مع الشرق وصقلية كلمات كثيرة من أصل عربي، دخلت إليها مع التجارة العربية، ولا تزال معاجم لغتهم تحفظ كثيرا منها. قال وما الهندسة الغوطية إذا أنعمنا النظر إلا الهندسة العربية تقريبا، ثم أورد أسماء الموازين والمكاييل والألفاظ البحرية التي سرت إلى الطليانية من العربية، وقال: إن آماري «المستشرق الصقلي» أثبت أن صقلية مدينة للعرب، وكذلك إيطاليا مدينة لصقلية، بابتكار الشعر الوطني، بمعنى أنه مذ قلد البلاط الصقلي البلاط الملكي الإسلامي، بدأت العناية بقرض الشعر، تلك العناية التي كانت السبب في نهوض الشعر الإيطالي، قال رينالدي: لم يساعد العرب فقط على إنهاض الشعر الصقلي والإيطالي بل إنهم أمدوا قصصنا بشكلها ومادتها، قلنا: وهذا يؤيد ما ذهب إليه وأثبته بالأدلة المعقولة آسين من رجال المشرقيات في إسبانيا من أن دانتي شاعر الطليان اقتبس موضوع روايته المهزلة الإلهية من رسالة الغفران للمعري.
Page inconnue