L'Islam et la civilisation arabe
الإسلام والحضارة العربية
Genres
الكردينال كسيمنس - أعدى عدو للإسلام والمدنية - في سنة 1511 بعد أن أحرق في ساحات غرناطة كمية من كتب العرب، ولا سيما المصاحف المخطوطة، أن تباد كتب العرب من بلاد إسبانيا عامة، فتم ذلك بغيرة عمياء مدة نصف قرن، ولولا تلك المترجمات إلى العربية واللاتينية لقضي على الحضارة العربية بجملتها، وكاد ديوان التحقيق الديني الذي أخذ على نفسه إبادة كل أثر للعرب أن يجعل طعاما للنار تلك المخطوطات العربية التي حفظت في خزائن كتب الأسكوريال، لولا أن تلطف المركيز فيلادا وحال دون إحراقها.
قام العرب بصنيعهم من تمدين إسبانيا قرونا طويلة، ونقلوا المدنية إلى الممالك الأخرى ، فكان جزاؤهم يوم ضعفت سياستهم، أن يقتلوا شر قتلة، وتباد آثارهم أي إبادة، ولم يستفد قطر من أقطار الغرب ما استفادته إسبانيا من العرب، ولما جلوا عنها نعق فيها غراب الدمار وفقدت صنائعها وزراعاتها وعلومها، وأصبحت إسبانيا بعد مدة من خروج العرب أحط بلاد الغرب. قال ستانلي لانبول: «إن فضل مسلمي الأندلس يتجلى في همجية الإسبان وتراجعهم في مراقي النجاح، بعد أن خلت أرضهم من الإسلام.» وقال لبون: «ظن الكاردينال كسيمنس لما أحرق في غرناطة كل ما طالت يده إليه من مخطوطات العرب وكانت ثمانين ألفا - عدا ما أحرق في المدن الأخرى - أنه يحذف إلى الأبد من كتاب التاريخ ذكرى أعداء دينه، ولكن الأعمال التي قامت على أيديهم في تلك الأرض تكفي لتخليد ذكرهم على الدهر، وإن نفدت آثارهم المكتوبة.»
مدنية العرب في جزيرة صقلية
العرب في حوض البحر المتوسط وغزو صقلية
قلنا: إن البحر المتوسط غدا لغزوات العرب بحرا عربيا منذ أوائل الفتح كبحر فارس وبحر الظلمات والمحيط الهندي، وغلب المسلمون كما قال ابن خلدون على هذا البحر (يعني بحر الروم أو البحر المتوسط) من جميع جوانبه: «وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه، فلم يكن للأمم النصرانية قبل بأساطيلهم بشيء من جوانبه، وامتطوا ظهره للفتح سائر أيامهم، فكانت لهم المقامات المعلومات من الفتح والغنائم، وملكوا سائر الجزائر المنقطعة عن السواحل فيه مثل ميورقة ومنورقة ويابسة وسردانية وصقلية وقوصرة ومالطة وإقريطش وقبرص وسائر ممالك الروم والإفرنج.» قال: «والمسلمون خلال ذلك كله قد تغلبوا على الأكثر من لجة هذا البحر، وسارت أساطيلهم فيه جائية ذاهبة، والعساكر الإسلامية تجيز البحر في أساطيلهم من صقلية إلى البر الكبير المقابل لها من العدوة الشمالية، فتوقع بملوك الإفرنج وتثخن في ممالكهم، كما وقع في أيام بني أبي الحسين ملوك صقلية القائمين بدعوة العبيديين، وانحازت أمم النصرانية بأساطيلهم إلى الجانب الشمالي الشرقي من سواحل الإفرنجة والصقالبة وجزائر الرومانية لا يعدونها، وأساطيل المسلمين قد ضريت عليهم ضراء الأسد بفريسته، وقد ملأت الأكثر من بسيط هذا البحر عدة وعددا، واختلفت في طرقه سلما وحربا، فلم تسبح فيه للنصرانية ألواح.»
وهذا أجمل وصف لحال البحر المتوسط وما آل إليه في الإسلام، وقد غزا العرب جزيرة صقلية أكبر جزائر هذا البحر في خلافة عثمان يوم قضى أسطول معاوية بن أبي سفيان على الأسطول الرومي في لجة الإسكندرية (654م) وهي غزوة الصواري (34ه)، وكان قسطنطين بن هرقل في ألف مركب ويقال في سبعمائة والمسلمون في مائتي مركب ونحوها فانهزم الروم، وغزاها عبد الله بن قيس الفزاري
1
من قبل معاوية بن حديج الكندي ففتح وسبى وغنم وذهب إليها عبد الله بن قيس لكشف حالها سنة 45 للهجرة (665-666م)، ثم وافاها لهذا الغرض غير واحد من القواد في أوقات مختلفة، وكان مما غنم عبد الله بن قيس من صقلية أصنام من ذهب وفضة مكللة بالجواهر، فحملها معاوية بن أبي سفيان من دمشق، وأنفذها إلى البصرة ومنها إلى الهند لتباع فيها؛ لأنه رأى بيعها قائمة أكثر لثمنها، ولم يبال انتقاد المنتقدين له من المسلمين،
2
وأخرج معاوية الخمس من الغنائم ووجهه إلى عثمان وكتب إليه بسلامة المسلمين، وبما كان من أمر صقلية، ففرح الخليفة بذلك، ولم تزل صقلية تغزي في أوقات مختلفة، ويكون المتعهد لغزوها صاحب تونس، غزاها عياش بن أخيل من جماعة موسى بن نصير أواخر المائة الأولى، ومحمد بن يزيد الأنصاري أوائل المائة الثانية، وغزاها وسردانية بعد الثلاثين ومائة عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وغزاها ابن الأغلب إلى أن استقر فيها المسلمون سنة 212ه على يد أسد بن الفرات، أرسله إليها زيادة الله بن الأغلب من تونس في عشرة آلاف مقاتل ومائة سفينة ثم عززها بعشرين ألف مقاتل وأسطول ضخم مؤلف من ثلاثمائة سفينة، ولما تم الفتح كتب زيادة الله إلى المأمون العباسي في بغداد يبشره به، ودام حصار بلرم عاصمة الجزيرة خمس سنين (215-222ه) وغزاها ابن الأغلب في سنة 244، وغزاها الواثق العباسي وافتتح مدينة مسينة سنة 229 وعبد الله المهدي سنة 304؛ لأن أهلها خالفوه فهدم سورها، وفتحها المعز سنة 345، وافتتح بعض مدنها علي بن يوسف بن تاشفين بعد سنة 515.
Page inconnue