L'Islam au XXe siècle : son présent et son futur
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Genres
وكانت بينهما صحراء جرداء تحفل الدولتان بما حولها، ولا تكترثان لما يجري في داخلها، وامتد سلطان كل منهما إلى الجانب الذي يليه؛ فاتخذت فيه أتباعا يطيعونها، ويحتمون بها، ويلوذون بجوارها: فارس تسيطر على الحيرة واليمن، وبيزنطة تسيطر على أرض غسان والبتراء، وتهم أن تنصب لها أميرا على الحجاز يدين لها بالولاء، ويحرس لها طريق الشام من أوله في الجزيرة العربية، ثم لا يعنيها الأمر عناية جد تنتهي فيه إلى عمل فاصل تجاوز به التردد والشروع، فليس الأمر من الخطر عندها بحيث تفرغ منه على قرار.
أما الخطر الذي فرغت له كلتا الدولتين : فهو الخطر من إحداهما على الأخرى، والخطر من قبل النهرين في العراق، ومن قبل النهر الكبير في وادي النيل. فلم تكن بقعة من هذه البقاع قد خلت طويلا من جنود الدولتين منتصرين أو منهزمين، ولم تزل الحرب بينهما سجالا في هذه الأودية وما جاورها، ولم تزل كل منهما على أمان من قبل الجزيرة الجرداء.
نعم، كان جيش من الفرس قد انهزم في وقعة «ذي قار» على طرف من أطراف تلك الجزيرة، ولكنها هزيمة حرس في ولاية كما تخيلوها، وليست هزيمة دولة تنازل قرنا لها من دولة أخرى جديرة بالخوف منها وحفز الهمم للتغلب عليها، ومثلها في عصورها الحديثة كمثل الهزائم التي أصيبت بها الدولة البريطانية يوم كانت تدعى سيدة البحار أو يوم كان القائلون عنها يقولون: إن الشمس لا تغيب عن أملاكها؛ هزائم تارة في حدود الأفغان أو عند أعالي النيل أو على طرف القارة السوداء في الجنوب، ولكنها تنهزم فيها وتبقى بعدها سيدة البحار أو غالبة على كرة الأرض بين مشارقها ومغاربها.
وكذلك كانت فارس بعد وقعة ذي قار، فلم تتبع هزيمتها بحذر أو احتراس من تلك الجهة، وظلت على عهدها من الحذر حيث تخشى الخطر، فلا ترفع عينها عن بيزنطة وأتباعها في أودية الأنهار أو بين أرجاء الهلال الخصيب، ولا تحسب هي ولا صاحبتها بيزنطة أن ثمة خطرا عليهما قط متوقعا من جهة الجنوب.
فلما جاء كسرى رسول من قبل هذا الجنوب، وسأل عن شأن هذا الرسول، فقيل له: إنه نبي في العرب يدعوه إلى دينه، ضحك غاضبا أو غضب ضاحكا، وأمر من يذهب إلى ذلك النبي الجسور فيأتيه به حيا أو ميتا، ليلقى جزاءه على هذه الجسارة التي اجترأ بها على الشاهنشاه ملك الملوك.
ولما تسامع القوم في الجزيرة العربية أن ذلك النبي يهم أن يحارب القيصر في عقر داره سخروا وقالوا فيما بينهم: عساه يحسبها غزوة من غزوات البادية.
لا بل قيل ذلك، أو شبيه ذلك، وبعد ثلاثة عشر قرنا من القرن السادس الذي استعظموا فيه ما استعظموا من جرأة النبي العربي على عروش الأكاسرة والقياصرة، فكان من المؤرخين المحدثين من كتب تاريخ الوقائع التي دارت بين أتباع ذلك النبي وبين جبابرة الفرس والروم، ومن كتب في تاريخه هزيمة أولئك الجبابرة أمام أولئك الأتباع، ولكنه حين روى النبأ عن رسل النبي إلى كسرى وقيصر رواه وهو يتعجب، ويقول شبيها لما قيل يومئذ قبل النصر والهزيمة: عساه يحسبها غزوة من غزوات البادية، أو عساه قد زهاه النصر في مكة والمدينة فلم يدر ما المدائن وما القسطنطينية وراء الرمال والبحار.
إن أعجب العجائب لما ينقضي على وقوعه مئات السنين، ثم يتعاظم من يرويه حتى ليوشك أن يرتاب فيه.
وكان ما جرى للدولتين - الفرس والروم - يومئذ أعجب العجائب في تواريخ الدول من قديم وحديث؛ فقد هزمت الدولتان معا في بضع سنوات، ولم يأت الخطر عليهما من مكان تتوقعان خطره إحداهما أو كلتاهما، بل جاء من المكان الذي هان شأنه حتى لم يحسب له حساب.
جاءت القوة التي هزمت الدولتين في وقت واحد من وراء الرمال، أو قل من وراء المجهول، أو من وراء الغيب، ولا تعدو الحق فيما تقول.
Page inconnue