L'Islam au XXe siècle : son présent et son futur
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Genres
بعداوتهم فقال: «ليس في وسعي أن أغمض عيني عن اليقين بأن هذا العنصر الإسلامي عدو أصيل العداوة لنا، وأن سياستنا الحقة ينبغي أن تتجه إلى تقريب الهنديين» وجهر لورد إلفنستون
Elphinstone
في سنة 1858 بوجوب التفرقة بين المسلمين والهنديين في إدارة البلاد، وهي الخطة التي نادى بها كاتب المجلة الآسيوية قبل ذلك بنيف وثلاثين سنة. «وكان المسلمون في إبان دولتهم قانعين من الحياة العامة بالوظيفة الحكومية، وذادهم عن الاشتغال بالصيرفة أنهم يحرمون الربا، وعن ملك الأرض أن الأرض لم تكن مملوكة لأحد ولكنها كانت متروكة للزراع والجباة الذين يؤدون للحكومة حصتها من الضرائب، وكان أكثر هؤلاء الجباة من البرهميين المشتغلين ببيع الغلال وتصريفها، فلما أصدر الإنجليز قانونا لتسوية مسائل الأرض الزراعية جعلوا هؤلاء الجباة ملاكا، وجعلوا الزراع أجراء في أرضهم، واعتمدوا على هذا النظام زمنا لتحصيل الضرائب ومحاسبة الجباة عليها، فاجتمع الحرمان من الوظائف والحرمان من الأرض على إقامة العزلة بين المسلمين وغيرهم في الحياة الاجتماعية.»
1
ثم زاد المسلمين ضعفا: أنهم حرموا وسائل التعليم الحديث؛ لأن المدارس الحديثة كانت في أيدي المبشرين، وأن البراهمة بالغوا في عزلة الطوائف والطبقات بعد انتشار الإسلام بين صفوفهم، وشرح ذلك أحدهم الأستاذ لونيا مدرس التاريخ وعلم السياسة بكلية هولكار فقال: «إن المسلمين أول قوم أغاروا على الهند، ولم تستوعبهم حياة القارة الهندية المرنة التي لا تني تمتد وتنطوي على المغيرين، وقد أغار قبلهم كثيرون كالإغريق والسيثيين والمغول والمجوس وغيرهم، وانطووا في الغمار بعد أجيال قليلة انطواء تاما بأسمائهم ولغاتهم وعاداتهم وعقائدهم وأزيائهم وآرائهم، وفنيت جموعهم في الواقع خلال المجتمعات الهندية إلا المسلمين؛ فإنهم لم يزالوا في الهند طائفة منفصلة، ورفضت نياتهم المتشددة في الوحدانية كل هوادة في قبول الشرك والأرباب المتعددة، ومن ثم عاش المسلون والبرهميون في أرض واحدة دون أن يمتزجوا، ولم تفلح محاولة من المحاولات في وضع القنطرة على الفجوة، وما برح المسلمون خلال القرون التالية يولون وجوههم شطر الكعبة بمكة، وينفردون بشريعتهم ونظام إدارتهم ولغتهم وأدبهم وأضرحتهم وأوليائهم.»
وشهد المؤلف بفضل المسلمين في تعليم أهل الهند مبادئ المساواة، ولكنه قرن هذه الشهادة بقوله: «إن إحدى النتائج التي نجمت من حكم المسلمين في الهند أن المجتمع قد انقسم في عهدهم قسمة رأسية، وكان قبل القرن الثالث عشر ينقسم ولكن قسمة غير رأسية، ولم تستطع البوذية ولا الجينية أن تحدثا مثل هذا الانقسام؛ لأنهما ما عتمتا أن اندمجتا في المجموع بسهولة وسرعة، على حين أن الإسلام قد شق المجتمع من الأسفل إلى الأعلى شطرين متقابلين: براهمة ومسلمين. فنشأ في أرض واحدة مجتمعان متوازيان متغايران في جميع طبقاتهما قل أن تصل بينهما علاقة في المعيشة أو معاشرة، واشتدت محافظة البرهميين أمام غيرة الإسلام في نشر دعوتهم الدينية، فاندفعوا مع خوفهم وحرصهم على حماية مجتمعهم، والمبالغة في قيود الطبقات والطوائف وما إليها من القيود الاجتماعية.»
وهذه القيود الاجتماعية تشمل الطعام والشراب والأعراس والمآتم بما فيها من مباحات عند قوم محرمات عند آخرين.
وازدادت هذه العزلة بعد شيوع المقاومة الوطنية بين الهنديين؛ لأن زعيمها الأكبر طيلاق بنى دعوته صراحة على تخليص الهند من الغرباء، وإلغاء اللغة الأردية، وإبطال القوانين التي تحترم شعائر المسلمين، ونظر إلى المسلمين نظرته إلى الإنجليز، ثم نهجت على سنته جماعة الغلاة الذين جهروا بضرورة القضاء على كل أثر للإسلام في الهند، وندبوا أحدهم لقتل غاندي؛ لأنه كان يوصي بغير هذه الخطة في معاملة المسلمين.
إن الأستاذ لونيا الذي اقتبسنا ما تقدم من كلامه لم يعلل نجاح الإسلام حيث أخفقت البوذية والجينية، ولو أنه علل هذا النجاح بعلته الصحيحة لأظهر الخطأ البين في قول القائلين: إن الإسلام قد شاع بين المنبوذين؛ لأنه خولهم حقوق المساواة بينهم وبين سائر الطبقات؛ فإن البوذية كانت خليقة أن تنجح مثل هذا النجاح لو كان مرجعه إلى معاملة المنبوذين، وإنما يتجلى هنا سر نجاح الإسلام الذي أجملنا بيانه فيما تقدم من هذه الرسالة؛ وهو شمول العقيدة الإسلامية وعلاجها النفس الإنسانية من داء الفصام الذي يقلقها، ولا يريحها إلا باعتزال الدنيا، وحل المشكلات بتجاهلها والخروج منها، فهذا الشمول هو مصدر القوة الغالبة والقوة الصامدة في المسلمين، وهو هو البقية التي بقيت لهم في الهند بعد زوال الدولة، وزوال المناصب الكبرى والوظائف الصغرى، والحرمان من ثروة الأرض والمال، ومن زاد العلم الحديث والخبرة العملية، والعزلة أمام الحكومة المسيطرة وأمام الكثرة التي تربو على ثلاثة أضعاف، ومن أعماق هذه العقيدة الشاملة نجمت لهم عدة الخلاص حين لم يبق للهندي المسلم من عدة غير أنه مسلم وكفى، وتحركت بينهم أقدر دعوة للإصلاح برعاية السيد أحمد خان، ويرجع مبدؤها إلى إنشاء جماعته العلمية في عليجرة (سنة 1861) ثم إنشاء صحيفته «تهذيب الأخلاق» وكلية عليجرة بعد رحلته إلى إنجلترا (سنة 1870).
وتشعبت حركات الدعاة الإسلاميين في الهند خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر على حسب اتساع الأقاليم والمشارب، فظهر فيها من اتخذ من ابتداء القرن الرابع عشر للهجرة حجة للظهور بدعوة الإصلاح، ثم دعوة المهدية على قول من قال: إنه يظهر على رأس كل مائة سنة داع يجدد شباب الدين، ومن هؤلاء غلام أحمد خان القادياني الذي نشر في أوائل القرن الهجري كتابه «براهين الأحمدية» ثم ادعى أنه المسيح المنتظر بعد بضع سنوات، ثم ادعى (سنة 1904) أنه أقنوم كرشنا وأقنوح الروح الإلهي كله؛ فاتبعه في أول الأمر طائفة من المصدقين، ثم انقسم أتباعه فريقين؛ فريق يدين بنبوته، وفريق يحسبه من المصلحين ويرفض ما يروى عنه من دعوى النبوة والحلول، وقد أحيط ظهور القادياني بالشبهات؛ لأنه لقي من تشجيع الحكام البريطانيين ما لم يكن مألوفا منهم في معاملة أمثاله، ثم جاءت فتواه بقبول الحكم الأجنبي وتفسير أمر الجهاد على هوى الحكومة مرجحة عند الأكثرين لتلك الشبهات، وإنما استحق الخلاف عليه أن يقوى؛ لأن هذه الفتوى حملت على محمل التقية، وهي مقبولة في اعتقاد بعض الفرق من الشيعة منذ لقي الدعاة إلى أهل البيت ما لقوا من عسف الأمويين والعباسيين.
Page inconnue