٧- أدب الخطب والخطباء:
قال بعض الفضلاء: ابلغ الخطب ما وافق الزمان والمكان والحال، ففي زمن صيام رمضان مثلا يبين الخطيب للناس حكمه وأحكامه والمقصود منه، وينهاهم عن البدع التي تحدث فيه مبينًا ضررها. وفي عيد الفطر يبين أحكام صدقة الفطر ولا يحسن به أن يستبدلها ببيان أحكام الأضحية أو غير ذلك ويتركها بتاتًا. وفي مكان تفرق أهله يخطب فيهم بالاتحاد، أو تكاسلوا عن طلب العلم حثهم عليه، أو أهملوا تربية أبنائهم حثهم أيضًا عليها.. إلى غير ذلك مما يوافق أحوالهم ويلائم مشاربهم ويناسب طباعهم، يخطب في كل مكان بحسبه، مراعيًا أحوال العالم، بصيرًا بمقترفاتهم الحاصلة في خلال الأسبوع، فينهاهم عنها، وينبههم عليها، متى رقي منبر الحطابة، عسى أن يهتدوا طريقًا قويمًا. ثم قال:
"كيف كانت الخطب في الصدر الأول؟ " كانت الخطب في الصدر الأول لها المكانة العالية والمقام الأسنى. كانت موضوع المفاخرة بين العرب كما يفتخرون في الشعر. كانوا ينتقون من جواهر الألفاظ أعذبها وأظرفها وأحلاها، ومن المعاني أرقها، وأدقها وأغلاها، ومع ذلك فكانوا يضمنونها آيات من كتاب الله تعالى لتزداد حلاوة وطلاوة حتى إنه ليعاب على خطبة ليس فيها آية من القرآن الكريم١. بلغت زمن الخلفاء الراشدين عنفوان شبابها فإن القرآن بما اشتمل عليه من أبدع الأساليب أعانهم على الخوض في عباب التفنن في دائرة الإرشادات الجاذبة بمغناطيسها الأفئدة. كانوا لا يتقيدون بوقت بل كلما دعت الحاجة اجتمعوا فألقيت عليهم استشارة أو وعظ أو تذكير أو إعلان أمر ... إلخ.
_________
١ انظر البيان والتبيين للجاحظ "١: ٦٥ سنة ١٣٣٢"، المطبعة.
1 / 67