البيت على قواعد إبراهيم، وقال لعائشة: "لولا أن قومك حديثو العهد بجاهلية لنقضت الكعبة، ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه" والحديث في الصحيحين. فترك النبي ﷺ هذا الأمر الذي كان عنده أفضل الأمرين للمعارض الراجح وهو حدثان عهد قريش بالإسلام لما في ذلك من التنفير لهم فكانت المفسدة راجحة على المصلحة ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين، مثل أن يكون عنده فصل القنوت١ فضل بأن يسلم في الشفع ثم يصلي ركعة الوتر وهو يؤم قومًا لا يرون إلا وصل الوتر، فإذا لم يمكنه أن ينقلهم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه. وكذلك لو كان ممن يرى المخافتة بالبسملة أفضل أو الجهر بها وكان المأمون على خلاف رأيه ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة كان هذا جائزًا حسنًا. وكذلك لو فعل خلاف الأفضل لأجل بيان السنة وتعليمها لمن لم يعلمها كان حسنًا مثل أن يجهر بالاستفتاح أو التعوذ أو البسملة ليعرف الناس أن فعل ذلك حسن مشروع في الصلاة كما ثبت في الصحيح٢ "أن عمر بن الخطاب جهر بالاستفتاح فكان يكبر ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. قال الأسود بن يزيد: صليت خلف عمر أكثر من سبعين صلاة فكان يكبر ثم يقول ذلك. رواه مسلم في صحيحه٣
_________
١ كذا ولعل الأصل: الوتر.
٢ يعني "صحيح مسلم"، وإسناده منقطع، لكن قد صح موصولا عند غيره كما حققته في "إرواء الغليل" رقم "٣٤٠" يسر الله طبعه.
٣ هذا العزو خطأ، تابعه عليه صاحب "منار السبيل"، فلم يخرجه مسلم من طريق الأسود بن يزيد، وإنما أخرجه "٢: ١٢" عن عبدة أن عمر ... وهذا منقطع كما تقدم، وإنما أخرجه عن الأسود ابن أبي شيبة وغيره نحوه. كما خرجته في المصدر السابق.
1 / 25