يتعقّب قول متقدّم وتالٍ يعتبر على ماضٍ، وأوْجَب على كلّ من علم شيئًا من الحق أنْ يظهره وينشره. وجعل ذلك زكاة العِلْم، كما جَعَل الصَّدَقةَ زكاة المال.
وقد قيل لنا: "اتَّقُوا زَلَّة العالم" (*). وزلَّةُ العالم لا تُعْرف حتى تُكشَف، وإنْ لم تُعْرَف هلك بها المقلِّدون، لأنَّهم يتلقونها من العالمِ بالقَبول ولا يرجعون إلّا بالإِظْهار لها وإقامة الدّلائل عليها وإحْضار البراهين.
وقد يظنّ من لا يعلم من الناس ولا يضع الأمور مواضِعَها أنَّ هذا اغْتيابٌ للعلماء وطَعْنٌ على السَّلَف وذكْرٌ للموتى. وكان يقال: "اعفُ عن ذي قَبْر". وليس ذلك كما ظَنّوا، لأنَّ الغِيبةَ سَبُّ الناس بلئيم الأخْلاق وذِكْرهم بالفَواحش والشَّائنات. وهذا هو الأمر العظيم المشبه بأَكْل (١) اللحوم الميتة (٢)، فأمَّا هَفْوة في حرف أو زلّة في معنى أو إغْفال أو [٢٤/ ب] وَهْم ونسيان، فمعاذَ الله أنْ يكون هذا من ذلك الباب، أو أنْ يكون له مُشاكلًا أو مقاربًا، أو يكون [المنبّه عليه آثِمًا، بل يكون] (٣) مأجورًا عند الله مشكورًا عند عباده الصَّالحين الذين لا يميل بهم هوىً ولا تدخلهم عصبيَّة. ولا يجمعهم على الباطل تحزُّب ولا يلفتهم عن اسْتبَانة الحق حَسَد.
وقد كنا زمانًا (٤) نعتَذِرُ من الجَهْل، فقد صِرنْا الآن نحتاج إلى
_________
(*) هو حديث ضعيف، ينظر عنه: مختصر المقاصد الحسنة ص/ ٤٥، والمقاصد الحسنة ص/ ١٩، وضعيف الجامع الصغير رقم/ ١٢٥.
(١) سقطت من: ظ.
(٢) اشارة إلى الآية الكريمة: "ولا يغتب بعضكم بعضًا، أيحب أحدكم أنْ يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه". الآية/ ١٢، من سورة: الحجرات.
(٣) بين معقوفين سقط من: ظ.
(٤) سقطت من: ظ.
1 / 46