ثمن الكتابة
إهداء
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
ثمن الكتابة
إهداء
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
إيزيس
إيزيس
تأليف
نوال السعداوي
ثمن الكتابة
مقدمة قصيرة
لا أجيد كتابة المقدمات، يمكن أن أكتب قصة من ألف صفحة، ولا أستطيع كتابة مقدمة من نصف صفحة، أما رفيقة عمري فهي شخصية عصية على الفهم، تكتب في النوم كما تكتب وهي صاحية، لا تهتم بدورة الأرض حول نفسها، أو دورتها حول الشمس.
تضحك وتقول: نحن أحرار، ندور كما نشاء؛ حول أنفسنا، أو حول غيرنا، أو لا ندور.
لكن عقلي يدور، رغم مشيئتي، في النوم كما في اليقظة.
أصحو من النوم كل صباح على رنين الجرس، صوتها يأتيني من حيث تكون، في أي مكان فوق كوكب الأرض، هي تعشق السفر منذ كانت طفلة، لا تعود إلى الوطن حتى ترحل، مهما ابتعدت وطال الغياب، أراها أمام باب بيتي، بحقيبتها العتيقة بلون النبيذ الأحمر، حرقتها الشمس وأغرقتها الأمطار في الجنوب والشمال، أصبحت أقل حمرة مما كانت، وإن ظلت حمراء اللون، متينة العجلات قوية العضلات، أقل قوة بمرور الزمن، تجرها من خلفها وهي تجتاز المطارات والمحطات، تنزلق وراءها بخفة فوق الشوارع المرصوفة الناعمة، وتغوص بثقلها في الأزقة حيث الحفر والمطبات، مليئة بالكتب وملابسها وأوراقها، مقبضها متين لا ينخلع، يحمل اسمها، داخل قطعة من البلاستيك الأبيض بحجم كف اليد.
اسمها الثلاثي كان مسجلا في أقسام وزارة الداخلية والشئون الاجتماعية ومصلحة السجون وإدارات الرقابة على النشر والكتابة والمصنفات الفنية.
يحملق ضابط الشرطة بمطار القاهرة في اسمها الثلاثي، يتأمل صورتها في جواز سفرها، يبتسم في وجهها: حمد الله ع السلامة يا أستاذة. يدق بالمطرقة على جواز سفرها فتدخل. وإن وصلت القائمة السوداء إليه قبل عودتها، يعتذر لها برقة ورثها عن أمه، يناولها كرسيا لتستريح وكوب ماء: آسف يا أستاذة، عندي أوامر لازم أنفذها. وإن كان عضوا بحزب الجهاد أو داعش أو حزب الحكومة، يكشر عن أنيابه مبرطما بصوت غليظ، ويحجزها مع حقيبتها في غرفة الحجر الصحي؛ حيث تلتقي بأنواع مختلفة من البشر، بعضهم مرضى بالجذام وإنفلونزا الخنازير، وبعضهم مصاب بالجنون أو الكفر، منهم الكوافير سوسو، كان شهيرا في الحي الراقي بجاردن سيتي، اكتسب ثقافة نادرة من الحلاقة للنساء والرجال، أصابعه ماهرة تدرك أفكارا مدهشة في الرءوس التي تغوص فيها، يأتي سكان الحي الراقي إلى محله الأنيق بشارع التنهدات، نساء ورجال من المثقفين أو الطبقة العليا، يؤمنون أن الإنسان تطور عبر ملايين السنين من فصيلة الثدييات على رأسها الشمبانزي الأم الكبرى، وأن الأرض كروية تدور حول الشمس وليس العكس، وأن الكون نشأ بالصدفة البحتة حين حدث الانفجار الكبير وانتشرت في الفضاء ذرات، تناثرت وتجمع بعضها لتكوين أول مادة أو أول كتلة مادية في الوجود.
وكان من زبائن الكوافير سوسو، أيضا، البوابون والطباخون في قصور الباشوات القدامى والجدد في جاردن سيتي، منهم الحاج منصور الشهير باسم طباخ الباشا؛ رجل سمين مملوء بالسمن البلدي والطعام الفاخر الذي يبتلعه سرا.
وبينما هو يترك رأسه بين يدي الكوافير سوسو، يحكي الحكايات القديمة عن المماليك والأتراك، كيف عاشوا في الأناضول، ولا بد أن يذكر الأسلاف من أجداده وعلى رأسهم جده الكبير، الذي حكى له وهو صغير أن الله خلق للثور قرنين؛ لأنه يحمل الأرض فوق قرن، وإن تعب من ثقلها حرك رأسه ونقلها إلى قرنه الثاني.
ويضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو، أمال الزلازل والبراكين والبرق والرعد بييجوا منين؟ - منين يا حاج منصور؟ - لما الثور يحرك الأرض على راسه من قرن لقرن يحدث البرق والرعد، والزلازل تهز الأرض.
يضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو. - الكلام ده كان زمان قبل جاليليو. - جاليليو خواجة يهودي نصراني ما يعرفش ربنا. - لازم تعرف حاجة عن جاليليو يا حاج، اسمعني. - سامعك يا خويا. - جاليليو أمه ولدته في إيطاليا بعد العدرا مريم ما ولدت المسيح بألف وخمسميت سنة أو أكتر، وكانت إيطاليا وأوروبا كلها محكومة بالكنيسة وعايشة في الجهل والظلام، درس جاليليو الطب والهندسة والفلك، واكتشف أخطاء العلماء اللي قبله في اليونان، منهم أرسطو. - أرسطو كان مؤمن بربنا يا سوسو؟ - أرسطو كان مؤمن بالكنيسة يا حاج منصور وبينشر أفكارها في كتبه، واعتبرته الكنيسة الفيلسوف الأعظم وأغدقت عليه الأموال والمناصب، لكن جاليليو عمل منظار جديد واكتشف خطأ أرسطو، وإن الأرض بتدور حول نفسها وحول الشمس، غضبت منه الكنيسة واتهمته بالكفر والإلحاد والخيانة؛ لأنه بيعارض الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة ونظرية أرسطو عن إن الأرض ثابتة لا تتزعزع ولا تتحرك أبد الدهر، قدموا جاليليو للمحاكمة وأدانوه، ومات فقير مسكين معزول في بيته. - مين قال لك الكلام ده؟ - الباشا اللي باحلق له شنبه ودقنه. - الباشا بنفسه يا سوسو؟ - أيوة يا حاج منصور. - لازم كلامه صح مية المية، لكن أنا مش حاسس إن الأرض بتدور يا سوسو! - لأنها بتدور بسرعة كبيرة يا حاج، وانت جزء منها وبتدور معاها. - مش معقول يا سوسو. - مثلا وانت راكب جوة القطر يا حاج، لا يمكن تحس إنه بيجري بسرعة. - لكن القطر غير الأرض يا سوسو، ولا إيه؟ - إيه يا حاج!
وينفجر الكوافير والحاج منصور في الضحك.
تخرج هي، رفيقة العمر، تجر حقيبتها الحمراء ذات العجلات، من غرفة الحجر الصحي بالمطار بعد عدة ساعات، أو عدة أيام حسب مزاج الحكومة والمخابرات، ثوبها مكرمش وشعرها منكوش، نامت على الكرسي وإلى جوارها الحقيبة، تلمسها بيدها إن أفاقت في الظلمة فجأة، تخشى أن يسرقها أحد وهي غارقة في النوم، أو غائبة عن الوعي من شدة التعب، وفي أحد الصباحات، دون سابق إنذار، يأتي الضابط مبتسما، ويقول: مبروك يا أستاذة، صدر العفو الرئاسي عن بعض المعتقلين والمعتقلات بمناسبة العيد. - أي عيد؟
الأضحى الكبير، أو العبور العظيم، أو شم النسيم في بداية الربيع، يصحو الناس في الصباح الباكر ليشموا البصل والرنجة والفسيخ، يتمشون على شاطئ النيل، الأغنياء منهم يشمون النسيم في المنتجعات الجديدة على شاطئ البحر الأبيض بالساحل الشمالي، أو في الغردقة وسواحل البحر الأحمر.
لكن يظل الفسيخ اللذيذ من نبروه، مع أصناف الطعام الفاخر ومعه البصل الأخضر والملانة والرنجة من ضرورات العيد، لإعادة الذاكرة الطفولية والخصوصية الثقافية وتاريخ الأجداد.
كنت أحب الفسيخ وهي لا تطيق رائحته، لا تزورني أبدا في المواسم، لا تحتفل بالأعياد، وعيد ميلادها لا تذكره، إن ذكرتها به تمط شفتها السفلى وتنهمك في الكتابة. - كم عمرك؟ - مش فاكرة. - مش معقولة انتي. - انتي اللي مش معقولة. - ازاي؟ - إيه يهمك من عمري؟ - عاوزة أعرف انتي عشتي كام سنة. - ليه؟ - مش عارفة. (انتهت المقدمة)
1
نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
إهداء
لا أوصي ابنتي التي ستلي العرش من بعدي أن تكون إلهة لشعبها تستمد سلطتها من قداسة الألوهية، بل أوصيها أن تكون حاكمة رحيمة عادلة.
من نوت إلهة السماء
لابنتها إيزيس
4988ق.م (مصر القديمة)
مقدمة
كتب كثيرون من المؤلفين عن إيزيس الإلهة المصرية القديمة، لكن أحدا منهم لم يعطها حقها كشخصية تاريخية لها أبعاد متعددة، ولها فلسفة ومبادئ وديانة انتشرت في مصر وانتقلت إلى أوروبا وظلت باقية حتى القرن السادس الميلادي رغم حروب الإبادة التي وجهت ضدها على مر القرون.
لكن معظم المؤلفين تجاهلوا هذه الحقيقة أو جهلوها، ولم يذكروا شيئا عن إيزيس سوى أنها زوجة أوزوريس، وأن الصورة الوحيدة المميزة لها هي صورة الزوجة الوفية، كأنما لم يكن لإيزيس قيمة في حد ذاتها مستقلة عن كونها زوجة أوزوريس أو أم حوريس.
وتعتبر مسرحية إيزيس التي كتبها «توفيق الحكيم»
1
خير مثل على ذلك. وفي بيانه الأخير في نهاية المسرحية المنشورة يؤكد توفيق الحكيم على أن الصورة المميزة لإيزيس هي الوفاء الزوجي، وأن بين شهرزاد وإيزيس وشائج الشبه في علاقة كل منهما بزوجها؛ «كلتاهما قد فعلت شيئا مجيدا لزوجها.» وكذلك أيضا «بنيلوب» اليونانية. لكن الوفاء الزوجي عند بنيلوب كان في رأيه وفاء سلبيا؛ لأنها اكتفت بالجلوس في بيتها تنتظر عودة زوجها وتنسج ثوبها المشهور، لكن وفاء إيزيس كان (في رأيه) إيجابيا.
وبالرغم من أن توفيق الحكيم جعل عنوان مسرحيته «إيزيس»، إلا أن الصراع الرئيسي في المسرحية لم يكن له علاقة بإيزيس سوى أن «سيت» (سماه توفيق الحكيم «طوفيون» كالأسطورة اليونانية) قتل زوجها أوزوريس.
لو لم تكن إيزيس متزوجة من أوزوريس لما كان لها دور في الحياة الفكرية والسياسية، مع أن التاريخ يؤكد دور إيزيس الفكري والفلسفي أكثر من دور زوجها أوزوريس، بل هي التي علمته الفلسفة والطب والزراعة والكتابة والفنون.
وتدور المسرحية حول مفهوم توفيق الحكيم لمعنى المثالية والواقعية، وكيف يمكن للرجل المفكر أن يعادل بينهما. يدور الصراع الرئيسي في المسرحية بين الرجال، وتظل إيزيس صامتة حين يحتدم الصراع بين «نوت» و«مسطاط» كما فعل «مسطاط» ولا يفصل بين الغاية والوسيلة، ولم يلتزم بالغاية وحدها كما فعل نوت ولا تهمه الوسيلة؟!
ولم يكن لإيزيس رأي أو فكر في هذه القضية الأساسية التي بنى عليها توفيق الحكيم مسرحيته، إنها ليست كاتبة ولا مفكرة ولا فيلسوفة مثل نوت ومسطاط، ولكنها مجرد زوجة أوزوريس أو أرملته، ودورها الأساسي هو الوفاء لزوجها، ومن أجل زوجها هي مستعدة لعمل أي شيء حتى الرشوة وانتهاك المبادئ المثالية.
إنها في نظر توفيق الحكيم مجرد امرأة فقدت زوجها وليس لها هم في الحياة إلا استرداده. ولم تكن الإلهة إيزيس في تاريخنا المصري القديم بهذه السطحية، إلا أن رؤية توفيق الحكيم المحدودة للمرأة حجبت عنه شخصية إيزيس بأبعادها المتعددة، ومنها أنها كانت إلهة الحكمة والمعرفة والحركة السريعة، اكتشفت الزراعة وعلمت المصريين الزراعة والكتابة وصناعة الخبز من الحنطة والشعير.
ولم تكن إيزيس تحب العدل فحسب، ولكنها كانت تسعى لتحقيق العدل، وكانت تحب الإنسان الطيب؛ ولذلك أحبت أوزوريس ولم تحب «سيت»، مع أن «سيت» كان أخاها أيضا مثل أوزوريس ابن أمها نوت وأبيها جيب، لكنها لم تحبه لأنه كان ظالما. إن الفيصل في علاقتها بالرجل هو مدى حبه للعدل، الرجل الفاضل عندها كان هو الرجل العادل، والعدل هو الشرف، والشرف هو الجمال.
وقد استطاعت «إيزيس» أن تحارب «سيت» حتى هزمته، وكان يمكن لها أن تحكم عليه بالموت وتقتله كما قتل أوزوريس، لكنها ارتفعت فوق الانتقام وعفت عنه رغم غضب ابنها حوريس؛ العفو عند المقدرة كان من مبادئها أيضا.
لكن أين هذه الإيزيس الإلهة الحكيمة ذات العلم والفلسفة والمبادئ من تلك الإيزيس الأخرى التي لم تكن إلا ظلا لزوجها في حياته ومماته، ومن بعده أصبحت ظلا لابنها حوريس؟
إن هذه المسرحية التي أقدمها الآن هي إيزيس المصرية كما فهمتها من التاريخ، ومن حق كل مؤلفة أو مؤلف أن يفسر التاريخ بعقله ويعيد قراءته من جديد، إن القصص والأساطير التاريخية ليست ملكا لأحد وليس لها تفسير واحد، وهي أحد المنابع الخصبة أمام كل عقل يفكر. التاريخ ملك لكل من يمتلك الخيال والعقل والإخلاص لمعرفة الحقيقة، وتملك الكاتبة أو الكاتب حرية تفسير الأساطير في إطار الحقائق المعروفة.
ومن حقائق التاريخ المصري القديم أن الآلهة والحكام والملوك لم يكونوا ذكورا فحسب، وأن المرأة المصرية شاركت الرجل مناصب الألوهية العليا، بل إن أهم هذه المناصب شغلتها المرأة. كانت «نوت» أم إيزيس إلهة السماء، وكانت «معات» هي إلهة العدل، وإيزيس إلهة الحكمة والعقل والإرادة، بل إن «حواء» زوجة «آدم» كانت إلهة للمعرفة، ألم تكن هي أول من تحدى الإله ومدت يدها إلى شجرة المعرفة؟
وهل هناك في حياة الدول والشعوب أهم من مناصب العدل والمعرفة والحكمة وعرش السماء؟ وكلها مناصب فكرية وسياسية تتعلق بالقدرة العقلية والقدرة السياسية والاجتماعية، بخلاف منصب إلهة الخصوبة والولادة الذي فرض على المرأة فيما بعد واقتصر دورها على القدرة البيولوجية والإنجاب، وارتبطت المرأة بالجسد والجنس، ثم انحدر الجسد بانحدار المرأة وأصبح يرمز إلى الدنس والإثم بعد أن كان رمز الخصوبة والخير.
كيف تحولت إيزيس ونوت ومعات وغيرهن من إلهات السماء والحكمة والعدل والعقل إلى «حواء» رمز الخطيئة وحليفة الشيطان؟! لقد ارتبط هذا التحول في التاريخ بنشوء العبودية واحتكار الرجل لمنصب الألوهية وحده دون المرأة، واحتكاره السلطة في السماء وفوق الأرض، في الدولة وفي العائلة، وطرده للمرأة من جميع مجالات الفكر والفلسفة والدين واعتبارها جسدا مدنسا.
أصبحت هذه هي الصورة للمرأة في الدين اليهودي. وهو أول دين سماوي يعكس الفلسفة العبودية. وأصبحت المرأة جسدا بغير رأس، ورأسها هو زوجها. أصبحت «حواء» هي التي عصت الإله وأكلت من شجرة المعرفة وتسببت في سقوط آدم من الجنة، فكأنما الجنة هي الجهل، ومن يأكل من شجرة المعرفة يسقط من السماء إلى الأرض. أو كأنما الإله كان يفرض على الإنسان الجهل، وجاءت حواء وأعلنت العصيان والثورة على الإله وحررت البشرية من ظلام الجهل إلى نور المعرفة.
ولا تزال قصة «حواء» في التاريخ مثل قصة «إيزيس» ومثل قصة «مريم العذراء» في حاجة إلى رؤية خلاقة جديدة تعيد إلى هذه الشخصيات التاريخية النسائية قدراتها العظيمة التي أهدرها مؤرخو العبودية ثم الإقطاع ثم الرأسمالية، وكلها أنظمة أبوية طبقية قائمة على الفلسفة العبودية التي تفرق بين الإله والإنسان والسيد والعبد والرجل والمرأة.
وفي مثل هذه الفلسفة العنصرية العبودية أصبح للمرأة صورتان لا ثالث لهما، الجسد الآثم بلا عقل مثل حواء الشيطانية، أو الروح الطاهرة بلا جنس مثل مريم العذراء الملائكية.
لقد أصبحت «مريم العذراء» هي المرأة المثلى في عصرنا الحديث؛ فهي امرأة تحمل وتلد دون أن يلمسها رجل ... ويتخذها كثير من الناس رمزا للطهارة والعفة، لكنها في الحقيقة ترمز إلى القوة الخارقة للطبيعة؛ فهي قادرة على الإنجاب دون حاجة إلى رجل، وكأنما المرأة قادرة على إخصاب نفسها بنفسها، وهي قدرة خلاقة مثل قدرة الآلهة تكسر بها القيود المفروضة حولها.
وربما بسبب هذه القدرة الخلاقة لا تزال مريم العذراء حتى يومنا هذا تتراءى لكثير من الناس، وما زال طيفها حتى شهر أبريل 1986 يطل على منارات كنيسة دميانة في شبرا بالقاهرة، وآلاف الناس يتجمعون ينشدون لديها القدرة الخارقة على إنقاذهم من مشاكلهم وأمراضهم المستعصية.
وحسب منطق الدين المسيحي، فإن المسيح هو الذي كان يملك القدرة الإلهية على شفاء الأمراض المستعصية، وكان من الطبيعي أن يتراءى طيف «المسيح» للناس فوق منارات الكنائس، لكن هذا لا يحدث أبدا، ولا يتراءى للناس في أعماقهم. يؤمنون شعوريا أو لا شعوريا بأن المرأة تملك القدرة الإلهية أكثر من الرجل؟!
ولا تزال «مريم العذراء» مثل «إيزيس» مثل «حواء» شخصية تبحث عن المؤلف أو المؤلفة التي يمكن أن تكشف عن جوانب شخصيتها المتعددة التي طمسها مؤرخو العبودية وكتابها .
وقد قرأت مسرحية توفيق الحكيم «إيزيس» المنشورة (مكتبة الآداب 1976)، وشاهدت المسرحية من إخراج كرم مطاوع (عام 1986)، وفي كلتا الحالتين (القراءة والمشاهدة) لم أعثر على إيزيس التي قرأت عنها في التاريخ.
ومن المفروض أن تكون رؤية الفنان للشخصية التاريخية أكثر عمقا وأوسع أفقا من رؤية المؤرخ، لكن فلسفة توفيق الحكيم الأبوية والتي لا مكان فيها للمرأة إلا كظل لزوجها لم تساعده على رؤية الجوانب المتعددة في شخصية إيزيس.
ويشبه توفيق الحكيم في هذه الحالة الكاتب المسرحي السويسري فريدريك دورنيمات، الذي حاول أيضا أن يعيد قراءة الأساطير القديمة بعقل متحرر من الفلسفة العبودية الطبقية، ونجح في ذلك إلى حد كبير، لكنه عجز كتوفيق الحكيم عن التحرر من الفلسفة الأبوية التي لا تزال تؤمن بسمو عقل الرجل وأخلاقه ومبادئه.
وأذكر بهذا الصدد مسرحية «زيارة السيدة العجوز»، وهي من أهم أعمال دورنيمات وأكثرها تحررا من الفكر الطبقي، لكن رؤيته للسيدة «كلارا» ظلت محدودة في حدود فهمه لحواء، وعجز عن أن يرى جوانب شخصيتها المتعددة، ونسي خطيئة الرجال في القصة وعلى رأسهم «ألفريد» (آدم البريء)، وتصور أن خطيئة «كلارا» هي أصل البلاء مثل خطيئة «حواء»، مع أن المسرحية في بدايتها تثبت أن الذي بدأ الإثم والاعتداء هو الرجل.
2
وبالمثل صور توفيق الحكيم «إيزيس» كأنما هي أسرع للخطأ والخطيئة من الرجال في المسرحية أمثال نوت ومسطاط؛ فهي تلجأ للرشوة والوسائل الفاسدة من أجل ما تريد، وإذا حدث وتذكرت أحد المبادئ أو المثل العليا فهي ليست مبادئها هي، إنما مبادئ زوجها أوزوريس، وهي مجرد ناقلة لمبادئه، وحافظة وحامية لأفكاره، حاملة لابنه هو وليس ابن رجل آخر.
وحينما يتهمها «سيت» بالزنا، وبأن «حوريس» ليس ابن أوزوريس الشرعي، لا تعرف كيف ترد سوى أن تطلب من «سيت» أن يحترم زوجة أخيه. حتى الاحترام لم يجده توفيق الحكيم جديرا بإيزيس إلا لكونها زوجة الأخ، وفرض عليها الوقوف صامتة عاجزة عن الرد سوى أن تؤكد أن حوريس هو ابن أوزوريس الشرعي وأنها امرأة شريفة، مع أن مفهوم الشرف في فلسفة وديانة إيزيس كان مختلفا عن مفهوم الشرف الأبوي الذي يؤمن به توفيق الحكيم.
كان الشرف عند إيزيس هو العدل وتحقيق العدالة، وكان شرف المرأة مثل شرف الرجل، والمقياس هو العدالة والحق والصدق، يسري على الجميع دون تفرقة. لكن مفهوم الشرف تغير بنشوء العبودية واستبداد الآلهة من الرجال، وأصبح للرجل شرف إخصاب ما يشاء من النساء والعبيد، أما المرأة فهي تقتل إذا ما نظرت لرجل آخر غير زوجها، أصبح قانون الشرف مزدوجا، وأصبح من حق الرجل أن يفرض على المرأة الإخلاص الزوجي، أما المرأة فلا يحق لها أن تطالب زوجها بالإخلاص.
لهذا لم يهدد الشرف والأخلاق في مسرحية الحكيم إلا عدم إخلاص إيزيس لزوجها وإنجابها حوريس من رجل آخر، وهي تدافع عن نفسها بالمنطق ذاته، تنفي التهمة وتؤكد شرفها وإخلاصها لزوجها.
ومن هو الذي يتهم إيزيس بعدم الشرف؟ إنه سيت، الذي يجسد عدم الشرف بمعناه الحقيقي في فلسفة إيزيس. «سيت» الرجل القاتل الفاسد الظالم، الذي لا يعرف شيئا عن المبادئ الإنسانية العليا وأولها العدل والرحمة. هذا هو «سيت» الذي يتهم «إيزيس» بفقدان الشرف لأنها أنجبت ابنها حوريس من غير أوزوريس، وينسى تماما أنها إلهة المعرفة والعدل والحق والحكمة، ينسى تماما أنها صاحبة الفلسفة الإنسانية القائمة على المبادئ والمثل العليا وأولها العدل والرحمة.
ومن حقائق التاريخ المصري القديم أن العرش كان يورث عن طريق النساء وليس الرجال؛ ولذلك كان الأخ يتزوج أخته ليحصل على العرش. لكن توفيق الحكيم تجاهل هذه الحقيقة التاريخية تماما، وتجاهل أيضا أن إيزيس كانت تشارك أوزوريس الحكم كما ورد في التاريخ.
وفي مصر القديمة كان الطب وعلاج الأمراض مجالا برزت فيه النساء. وكبيرة الأطباء في مصر القديمة كانت امرأة، وإيزيس هي التي علمت أوزوريس الطب وعلاج سم العقرب ضمن ما علمته من علوم وفنون وفلسفة، لكن مسرحية توفيق الحكيم تقلب هذه الحقائق التاريخية رأسا على عقب، وتجعل من أوزوريس معلما لإيزيس، يلقنها كل شيء حتى علاج ابنها حوريس من سم العقرب.
ولم تكن إيزيس تعلم أوزوريس فحسب، ولكنها كانت تعيد خلقه من جديد بعد أن يقتله «سيت»، وتصنع له رأسا جديدا وعقلا جديدا وعضوا تناسليا جديدا بدل الذي أكله سمك النيل.
وكان هيكل إيزيس يسمى «زونة» ومعناها إدراك الحقيقة، ولم يكن عابد إيزيس الحقيقي هو الذي يرتدي الأثواب المقدسة وتتدلى لحيته فوق ذقنه، ولكنه كان الذي يبحث بغير كلل أو ملل عن الحق والعدل والحكمة والمعنى العميق للأشياء.
كانت إيزيس ترمز إلى العمل والعقل والخلق، كانت تعيد خلق وبناء كل ما يهدمه «سيت»، بما في ذلك أوزوريس نفسه. كان «أوزوريس» الصورة أو الشكل الذي يتجسد به عمل «إيزيس».
كانت هي الفاعلة والخالقة، وأوزوريس هو ناتج فعلها، وهو ناتج طيب خير (كلمة أوزوريس تعني التقي أو الطيب)، وكما أنتجت أوزوريس أنتجت أيضا ابنها حوريس، وعلمته المبادئ الإنسانية العليا والفلسفة والحكمة.
ولم يكن وفاء إيزيس لزوجها مجرد الوفاء لرجل كما صوره توفيق الحكيم في مسرحيته، بدليل أن زوجها مات لسنين طويلة ثم أنجبت حوريس.
لم يكن الوفاء الزوجي عند الإلهة إيزيس هو الوفاء لشخص أو رجل معين، وإنما كان الوفاء لمبادئها الإنسانية العليا وأهمها العدل.
وكان غريبا ومخالفا للتاريخ وقوف إيزيس على خشبة المسرح وقوفا صامتا وراء نوت ومسطاط حين كان يحتدم الصراع الفكري حول المبادئ والفلسفة، أو ظهورها بمظهر الأرملة الباكية الضعيفة التي تقبل الرشوة أو الخطيئة، على حين يظل مسطاط قويا صامدا كالإله العظيم.
وتظهر فلسفة توفيق الحكيم القائمة على عدائه للمرأة واضحة في سطور مسرحيته حين يقول الملاح لإيزيس ساخرا إنها تعوق مركبه عن الملاحة، وإن الملاحة لا يعطلها إلا شيئان: «سكوت الهواء، وانطلاق لسان امرأة.»
مع أن إيزيس كانت حسب القصة التاريخية هي «إلهة الملاحة» أيضا، وكان المصريون يلجئون إليها حين تسوء أحوال البحر لتحمي الملاحين من الغرق.
إن إيزيس توفيق الحكيم ليست هي إيزيس المصرية القديمة، ليست هي الإلهة إيزيس التي انتشرت فلسفتها وعبادتها في مصر، واجتازت البحار والقارات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وظلت قائمة حتى بعد ولادة المسيح بأربعة قرون تقريبا (حتى عام 394 ميلادية) حين جاء الإمبراطور تيودور وحطم تماثيل إيزيس ومعابدها في الإمبراطورية الرومانية. ولا يزال في مدينة «كولونيا» بألمانيا الغربية بقايا تمثال إيزيس المصرية، وعلى قاعدته حفرت هذه الكلمات: «إيزيس التي لا تقهر.»
إن هذه المسرحية ليست إلا محاولة لإعادة بعض الحق وبعض العدل لإلهة الحق والعدل «إيزيس».
د. نوال السعداوي
القاهرة. أبريل 1986
الفصل الأول
المشهد الأول (الإله رع إله الشمس جالس فوق عرشه في السماء، وقد استدعى للحضور أمامه «سيت» بعد انتصاره في المعركة.) (سيت واقف أمام الإله «رع» ممتطيا خنجره.)
الإله رع :
ثبت لي من هذه المعركة الأخيرة أنك فارس شجاع قوي، تجمع إلى جانب الشجاعة والقوة الإيمان بي، بالإله «رع» إله الشمس، يملك السماء والشمس وليس له شريك الآن بعد هذه المعركة الأخيرة. أنا متأكد أن قلبك عامر بالإيمان إلى جانب كفاءتك في الحرب وقوتك.
إن النصر لا يتحقق بغير الإيمان والقوة، ونحن الآن في عصر الرجال الأقوياء، عصر الرجولة، عصر الأسياد من الرجال، انتهى عصر النساء وضعاف الرجال.
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم «رع».
رع :
انتهى العصر الذي تساوى فيه الضعفاء مع الأقوياء، وأبناء الآلهة مع أبناء الشعب، والرجال مع النساء، كنا نعيش عصر البدائية والظلام، عصر تعدد الآلهة في السماء وتعدد السلطات فوق الأرض. منذ الآن لا يوجد في السماء إلا إله واحد هو الإله «رع» إله الشمس، ولا يوجد فوق الأرض إلا حاكم واحد هو «جيب» إله الأرض.
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم رع، كسبنا المعركة بقوة الإيمان وقوة السلاح وتضامن الرجال. ودانت لك مملكة السماء، ودانت لأبي «جيب» مملكة الأرض.
رع :
أريد أن تقرعوا الأجراس وتعلنوا في الأبواق والمزامير أنني أنا الإله «رع» قد انتصرت على «نوت» إلهة السماء، وأنها انهزمت شر هزيمة، ولم يعد لها مكان فوق عرش السماء أو عرش الأرض. انتهى عصر سلطة الأم «نوت»، وبدأ عصر الأب المقدس الإله الأعظم «رع».
سيت :
أعلنا ذلك في الأبواق والمزامير.
رع :
وكيف استقبل الناس الخبر؟
سيت :
بالفرح والسعادة والترحيب.
رع :
إلا النساء بالطبع.
سيت :
وبعض الرجال من ذوي الشك والإيمان الضعيف.
رع (في غضب) :
عقابهم الموت حرقا أو إلقاؤهم أمام الوحوش لتنهش أجسادهم. فليعلم الجميع أنني أنا الإله «رع» قد أغفر كل الخطايا، إلا خطيئة الشك وعدم الإيمان بي.
هل أعلنتم ذلك؟
سيت :
نعم.
رع :
ومن هم هؤلاء من ذوي الشك؟
سيت :
سنتولى أمرهم ولا داعي أن تغضب وتعكر صفوك أيها الإله الأعظم رع.
رع :
إن غضبي شديد جامح لا يحده شيء.
سيت :
هذا أمر معروف وطبيعي من الإله الأعظم.
رع :
لكن من هؤلاء؟ هل تعرف أسماءهم؟ (سيت يظل صامتا.)
رع :
لماذا تسكت؟ أتخفي عني شيئا يا سيت؟
سيت :
أبدا أيها الإله الأعظم رع، ولكني سأمنحهم فرصة أخرى للتوبة والعودة إلى الصواب والحق.
رع :
لم أعهدك من قبل شفوقا بهذه الدرجة، هل منهم أحد تخاف عليه من بطشي؟ (سيت صامتا.)
رع :
أخوك أوزوريس وأختك إيزيس؟ لا تظن أنني لا أعرف ماذا يحدث فوق الأرض، صحيح أن عرشي فوق قرص الشمس في السماء، لكني أتابع ما يحدث فوق الأرض، وأعرف أن أختك إيزيس وأخوك أوزوريس من الحفنة المتمردة، وأنا قادر على البطش بهما لولاك.
سيت :
إن ولائي لك أيها الإله الأعظم فوق علاقتي بأختي وأخي وروابط الدم. لقد حاربت في صفك ضد أمي نوت، وليس في روابط الدم ما هو أقوى من الأم، لكني ضحيت بأمي من أجل الإله الأعظم «رع».
رع :
هذا دليل على قوة إيمانك يا ست، وسوف يكون لك أجر عظيم على هذا الإيمان.
سيت :
وما هو أجري أيها الإله الأعظم؟
رع :
ماذا تريد؟ اطلب وأنا أحقق طلبك على الفور.
سيت :
أريد أن أرث عرش الأرض بعد أبي «جيب».
رع :
ليكن. ستكون إله الأرض بعد أبيك «جيب». أتريد أن أعلن ذلك من اليوم؟ أم نؤجل ذلك حتى ... (يسكت لحظة) ...
حتى موت أبيك؟ إنه مريض وفي أواخر أيامه، ومن الحكمة أن ننتظر والإنسانية أيضا ... ما رأيك يا سيت؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم، يمكنني الانتظار حتى موت أبي، لكنه انتظار قد يطول، وأنا بطبيعتي ... كرجل حرب ... رجل الحرب عادة قلق لا يحتمل الانتظار الطويل ... لا أريد أن أبدو كمن ينتظر موت أبيه ليحصل على العرش ... وأنا أحب أبي رغم كل شيء، رغم أنه لا يحبني، ويفضل علي أبناءه الآخرين.
رع :
أتعني إيزيس وأوزوريس؟
سيت :
بل نفتيس أيضا يفضلها علي، إنه لا يعلن ذلك، بل العكس هو الصحيح، إنه يعلن أنني أفضل أبنائه، لكني أحس العكس.
رع :
أتعني أنه يكذب عليك؟
سيت :
لا أظن أنه يكذب أيها الإله الأعظم رع، لكنه منذ وفاة أمي نوت وهو يعاني حالة أشبه بالانفصام بين عقله وقلبه؛ فهو يدرك بعقله أنني أفضل أبنائه، وأنني يده اليمنى وساعده القوي، لكن قلبه أو شعوره ليس معي. لا أدري لماذا، مع أنني أطيع أوامره ولا أعصي له أمرا؟ بعكس إيزيس وأوزوريس اللذين لا يكفان عن مناقشته في كل شيء، حتى المقدسات!
رع (غاضبا) :
حتى المقدسات؟
سيت :
سمعتهما يقولان له إن كل شيء قابل للنقاش والجدل.
رع (غاضبا) :
ألا يؤمنان بقدسية الإله «رع» وأن شريعتي فوق النقاش والجدل.
سيت :
إنهما يحبان الجدل والفلسفة، وكل شيء عندهما خاضع للعقل والنقاش.
رع (غاضبا) :
أكانا يناقشان شريعة أمك نوت حين كانت إلهة السماء؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم رع، لكن الخطأ ليس خطأهما؛ إنها أمي، هي التي عودتهم على الجدل والمناقشة، وأن لا شيء فوق العقل والعدل، بما في ذلك قدسية الألوهية.
رع :
لقد صعدت أمك نوت إلى منصب إلهة السماء في غفلة من الزمن، فالمرأة ناقصة العقل، ولا يمكن لعقلها أن يدرك قدسية الألوهية، وكان ذلك السبب الرئيسي في هزيمتها وسقوطها من فوق العرش.
سيت :
ولم تكن أمي تؤمن أن إله السماء يحتاج إلى قوة السيف والخنجر مثل إله الأرض.
رع :
كانت تقول إن الحق فوق القوة، والسلام فوق الحرب.
إنها الفلسفة النسائية القائمة على الضعف وعدم القدرة على المبارزة واستخدام السلاح. كانت أمك نوت تبرر ضعفها في القتال بالكلام عن السلام، وقد انهزمت شر هزيمة وانهزمت معها فلسفتها، وانتهى عصر الآلهة الضعيفة. إذا لم يكن الإله رمز القوة والجبروت، فمن يكون؟ إذا لم يكن للإله رهبة كبيرة في نفوس الناس وخوف عظيم، فكيف يخضعون؟ كيف يخشعون؟ كيف يطيعون؟ الطاعة لا تكون بغير الخوف، والخوف لا يكون بغير السلطة القوية والرهبة العظيمة. وأمك «نوت»، أكان أحد يرهبها؟ كانت تمشي بين الناس في الأسواق بغير رهبة وبغير حاشية وبغير جيش، وكأنما هي واحدة من البشر، انتهى هذا العهد، عهد الآلهة البشر، وبدأ عهد الإله اللابشر، الذي لا يمشي بين الناس في الأسواق، والذي لا يراه الناس بعيونهم إلا على شكل النور السماوي الذي يتجلى في قرص الشمس، إله الشمس هذا هو الإله الأعظم رع، هل أعلنتم ذلك على الناس؟
سيت :
نعم نعم، كل ذلك أعلناه في الأبواق أيها الإله الأعظم.
رع :
والمزامير؟
سيت :
والمزامير أيضا، وكلفنا الكاتب «توت» بكتابته أيضا ليسجل على الورق.
سيت :
نعم، أوامري وشريعتي لا بد أن تكون مكتوبة، تقتضي الرهبة ألا يقف الإله أمام الناس ويلقي الخطب؛ إن صوتي مقدس لا تسمعه آذان البشر، كما أن الكلمة المكتوبة لها رهبة عند الناس، وقدسية. أريد لكلماتي أن تكون مقدسة فوق الجدل والمناقشة وفوق العقل البشري، هل كتب «توت» كل ذلك؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم، كل ذلك مكتوب ومسجل داخل غلاف من الورق المصقول.
رع :
هذا هو كتابكم المقدس، وكل عبارة تبدأ باسمي الإله الأعظم رع، وأمام الاسم رسم على شكل قرص الشمس.
سيت :
هذا هو بالضبط ما فعلناه.
رع :
وشريعتي لها ثلاثة أركان: أنني أنا الإله رع إله الشمس، قد ملكت السماء كلها، وليس هناك إله غيري يتربع على عرش السماء.
سيت :
هذا مكتوب أيها الإله الأعظم.
رع :
والركن الثاني: من يتشكك في قدسية الإله رع عقابه الموت حرقا، أو أن يلقى أمام الوحوش الضارية لتأكله.
سيت :
وهذا أيضا مسجل.
رع :
والركن الثالث: أنا وحدي الذي أحدد من يرث عرش السماء من بعدي من أبنائي الذكور، والابن الذكر هو الذي يرث فقط والبنت ليس لها نصيب.
سيت :
نعم، هذا هو الركن الثالث .
رع :
هذه هي الأركان الأساسية في شريعتي، أليس كذلك؟
سيت :
نعم.
رع :
إذا كنت قد نسيت شيئا يمكنك أن تذكرني، جل من لا ينسى!
سيت :
لم يبق إلا عرش الأرض.
رع :
عرش الأرض هو من نصيب أبيك جيب، وقد منحته لقب إله الأرض، ألا يكفيه ذلك؟ لم يكن أبوك جيب معنا في المعركة بكل قلبه.
سيت :
نعم، كان أبي ممزقا بين الولاء لك والولاء لأمي نوت، وكانت أمي تسيطر على قلبه.
لكن عقله كان معنا.
رع :
لحسن حظي أنك لم ترث الضعف عن أبيك، لا يضعف الرجل إلا عواطفه. والرجل القوي هو الذي يتغلب على عواطفه ويهزمها، أما الإله القوي فلا عواطف له، وهذا هو سر جبروت الآلهة.
ست :
كان أبي ضعيفا أمام أمي نوت، وهو الآن ضعيف أمام بناته وأبنائه، وعلى الأخص إيزيس، إنه يحبها ويفضلها علينا جميعا، ولو كان الأمر بيده لأورثها العرش.
رع :
الأمر بيدي أنا وليس بيد أبيك جيب، لا بد أن يعرف ذلك بوضوح. عرش السماء والأرض أنا الذي أعين من هو الوريث، والوريث لا بد أن يكون ذكرا، رجلا، وليس امرأة أو أنثى. انتهى عهد النساء وبدأ عصر الرجولة والبأس والقوة والرهبة. لا بد أن تدرك أختك إيزيس هذه الحقيقة وتنسى الماضي والعهد القديم، أما أنت يا سيت فسوف ترث عرش الأرض بعد أبيك «جيب».
سيت :
وأوزوريس؟
رع :
لا نصيب له في العرش؛ إنه لم يحارب في صفي وظل مؤيدا لأمه نوت.
سيت :
قد يطالب بحقه كوريث مثلي.
رع :
الوريث هو أنت، وهو وريث واحد لا اثنان ولا ثلاثة، انتهى عهد تعدد الحكام والسلطات فوق الأرض أو في السماء. أبوك «جيب» هو إله الأرض الوحيد الآن، ولا شريك له في الأرض، ومن بعده أنت «سيت». أنا مؤمن بالوحدة في الأرض، وفي السماء أيضا.
سيت :
لن يقتنع أوزوريس بذلك ولا إيزيس، وأخشى ...
رع (يقاطعه) :
ماذا تخشى؟! وهل الفارس الشجاع مثلك يخشى شيئا؟ هل تخشى أحدا وأنا معك؛ الإله رع؟ ألا تثق في قوتي وإرادتي؟!
سيت :
عفوك أيها الإله الأعظم، أنا لا أخشى أحدا، لكن المشكلة معقدة ولن تكون سهلة ...
رع :
هل أوزوريس هو من تخشاه؟
سيت :
ليس أوزوريس أيها الإله الأعظم، أوزوريس ليس مبارزا ولا مقاتلا، لم يتدرب على الإمساك بالخنجر مثلي، إن هزيمته أمامي أكيدة لا شك فيها، لكن المشكلة ليس أوزوريس، المشكلة «إيزيس» يا أيها الإله الأعظم!
رع :
ماذا؟ أتخشى امرأة يا سيت؟
سيت :
إيزيس ليست امرأة يا أيها الإله العظيم.
رع :
إذا لم تكن امرأة، فماذا تكون؟
سيت :
إنها إلهة، تضع فوق رأسها تاج الألوهية، ولا يقنعها شيء، وتتحدى الجميع.
رع :
كان ذلك في العهد البائد، أما الآن فلا أحد يرتدي تاج الألوهية في السماء أو فوق الأرض إلا بإرادتي أنا الإله رع، ومن يخالف إرادتي عقابه الموت؛ الموت بهذا الخنجر! (ويشير الإله رع إلى الخنجر في يد «سيت».) (سيت يطرق إلى الأرض صامتا.)
رع :
لماذا سكت؟ أليست هذه هي شريعتي؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم، لكن ...
رع (يقاطعه) :
كلمة الإله الأعظم «رع» هي كلمة الحق لا يعلوها شيء، أتؤمن بذلك؟
سيت :
نعم! بالطبع.
رع :
والحق يحتاج دائما إلى القوة لتحميه، الحق بغير قوة يضيع، أليس كذلك؟
سيت :
نعم.
رع :
والإله القوي الجبار مثلي يحتاج إلى جانبه مقاتلا شجاعا مثلك، أليس كذلك؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم.
رع :
كلمتي مقدسة، لكن الكلمة المقدسة وحدها لا تكفي؛ فالحرب، الحرب المقدسة هي التي تنصر الإله الحق على الإله الباطل والإلهات المزيفات. أنا في حاجة إلى الكتاب المقدس والخنجر معا، لا غنى للإله عن أحدهما، أليس كذلك؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم.
رع :
ماذا تخشى إذن ومعك كتابي وخنجري؟! (سيت صامت مطرق إلى الأرض.)
رع :
أعرف أن أوزوريس هو أخوك، وقد تتردد في إزالته من أمامك إذا أصبح عقبة في طريقك إلى العرش، اترك لي أوزوريس، سأتولى أمره إذا خالف إرادتي.
سيت :
المشكلة ليست أوزوريس؟
رع :
إيزيس؟!
سيت :
نعم.
رع :
اتركها لي أيضا.
سيت (في خوف) :
لا، أيها الإله الأعظم رع ... إلا إيزيس، لو حكمت بالموت على أخي أوزوريس فإني أحتمل ذلك، لكن إيزيس ... (سيت في تأثر وألم)
لا أستطيع أن أحتمل (رع ينظر إليها في دهشة صامتا. سيت مطرق إلى الأرض.)
رع :
لماذا لا تحتمل؟
سيت :
إيزيس أختي.
رع :
وأوزوريس، أليس هو أخاك أيضا؟
سيت :
نعم، لكن ... (سيت يصمت ولا يكمل كلامه.)
رع :
لكن ماذا؟
سيت :
لا أعرف ماذا أقول لك أيها الإله الأعظم، لكن لن أحتمل أن أرى أختي إيزيس تتعرض للأذى أو الموت، لا أريد أن أخالف إرادتك أيها الإله الأعظم ... لا أستطيع أن أخالفك، فلتحكم علي بالموت قبل أن أفعل ذلك، لكن أيضا لا أستطيع أن أفقد أختي إيزيس ... إنها ليست أختي فقط أيها الإله الأعظم ...أنا ... (يسكت ويتلعثم) ... أنا ... أنا أحبها! (سيت يطرق إلى الأرض ويمسح عرقه بمنديله، الإله رع صامت ينظر إليه ويتأمله بشيء من الدهشة.)
رع :
يبدو أنك ورثت ضعف أبيك يا سيت.
سيت :
عفوك أيها الإله الأعظم، لم أرث ضعف أبي، إن نساء العالم مجتمعات لا يستطعن أن يحركن شعرة واحدة في رأسي، لكن إيزيس ليست مثل نساء العالم ... إنها شيء آخر أيها الإله الأعظم ... إنها ساحرة!
رع :
ساحرة؟! أتؤمن بالسحر مثل عامة الناس الجهلاء.
سيت :
لا أيها الإله الأعظم، لكن ...
رع (يقاطعه) :
لن نواصل الحديث في هذا الموضوع الآن، أمامي مشاغل كثيرة في مملكة السماء ونزاعات لا تنتهي بين الكواكب. يكفيني هموم السماء الآن، ثم ماذا يفعل إله الأرض «جيب»؟ لا بد له أن يباشر أعماله، وإذا كان مريضا وغير قادر على مباشرة أمور الحكم، فليعلن تنازله لك عن العرش، نعم لك أنت وليس لأحد غيرك، هذا أمر إلهي من الإله الأعظم رع، ومن يخالفه عقابه الموت.
والآن يا سيت، انصرف الآن ... عندي أمور سماوية عاجلة ... (سيت يتحرك نحو باب الخروج مترددا ثم يعود بخطوات بطيئة وجلة.)
سيت :
لي رجاء أخير أيها الإله الأعظم.
رع :
اطلب ما تشاء يا سيت؛ فأنت رئيس جيشي ولا يمكن أن أرفض طلبك.
سيت :
أعطني وعدا أيها الإله الأعظم أنك لن تؤدي أختي إيزيس ... يمكنك أن تفعل ما تريد بأوزوريس، لكن إيزيس ... أرجوك لا تقتلها ... إنها مهما تمردت عليك فليست إلا امرأة بمفردها وليس منها خطر ...
رع :
إنها مبارزة من الطراز الأول تستخدم السلاح بمهارة، وهي أيضا لها عقل خطير ... إنها في رأيي أخطر من أوزوريس عليك وعلي ...
سيت :
لا يا مولاي ... إيزيس لن تكون خطرة، خاصة إذا أصبحت وحدها بدون أوزوريس، إنه يستولي على قلبها، وإذا اختفى أوزوريس ربما يمكنني أن أحل مكانه في قلبها وبالتالي نكسبها لصفوفنا، إيزيس لها شعبية بين الناس، وما زال منهم من يؤمن بها، وإذا نجحت في ضمها إلينا يكون ذلك مكسبا كبيرا.
رع :
على أي حال، عليك أنت مثل هذه الأمور ولا تجرني معك إلى المشاكل الصغيرة.
سيت :
قد أحتاج إليك فقط أيها الإله الأعظم في القضاء على أوزوريس.
رع :
ألا تستطيع أن تفعل ذلك وحدك بدوني.
سيت :
إني أحتاج إليك أيها الإله الأعظم، لأقول للناس حين يموت إنه مات موتة طبيعية بإرادة الإله الأعظم رع، وليس بيدي أنا أو خنجري.
رع :
هذه حقيقة، لن يموت أوزوريس إلا بإرادتي، وأنت يا «سيت» لست إلا وسيلتي في تنفيذ إرادتي، لا بد أن يدرك الناس أنني أنا الإله الأعظم «رع» إله الشمس، وأنا الوحيد الذي أحكم على الناس بالموت أو بالحياة. هل أعلنتم ذلك؟
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم، لا أحد يشك في قدرتك.
رع :
الآن انصرف بسرعة. (يتحرك سيت نحو باب الخروج، لكن الإله رع يناديه مرة أخرى.)
رع :
قبل أن تنصرف، هناك شيء أخير. لا أريد لأحد أن يعرف أنك تلتقي بي، لا بد أن يعرف الناس أنني لا أعيش فوق الأرض، وإنما مكاني الوحيد هو قرص الشمس، هل أعلنتم ذلك؟
سيت :
نعم بالطبع.
رع :
إن هذه اللقاءات بيني وبينك سرية للغاية، لا يعرف بها أحد، ولا تهمس بها حتى لنفسك وأنت نائم، قد أزورك في المنام أحيانا وأبلغك رسائلي للناس، وقد تحلق روحي في أي وقت وأي مكان فأعرف ما يدور فوق الأرض ، لا بد أن تعرف أن شيئا لا يمكن أن يخفى علي ... دقات قلبك أعرفها، وأعرف متى يدق قلبك بعنف، ومتى تزيد الضربات ... (يضحك الإله رع ويلقي برأسه إلى الوراء) ... نعم، لا تظن أنني لم أكن أعرف أنك تحب إيزيس وأنها تتربع على عرش قلبك، لكن لا بأس من استيلائها على عرش قلبك ... لا ضرر في ذلك ما دامت لا تتدخل في أمور السماء أو الأرض. (سيت يبتسم ويبدو عليه الرضا والسعادة.)
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم «رع»، إنها تملك قلبي، لكني لم أملك قلبها بعد، قد أحتاج لقدرتك الإلهية لأملك قلبها.
رع :
ليس عندي وقت للمشاكل العاطفية الخاصة، حاول أن تحل مشكلتك بنفسك، لا تدخل الإله الأعظم «رع» في كل كبيرة وصغيرة فوق الأرض؛ فلن يكون لديه وقت ولا جهد إلا لجلائل الأمور في السماء. انصرف الآن ولا تعطلني أكثر من ذلك. (سيت يؤدي التحية العسكرية محركا خنجره إلى أعلى ثم إلى أسفل وينصرف مسرعا.) (رع وحده على المسرح، ينظر إلى السماء، إلى قرص الشمس، ويكلم نفسه.)
رع :
نعم أيتها الشمس، أنا «رع» إله الشمس، أنا الإله الوحيد الذي انتصر وامتلك السماء، الوحيد أيتها الشمس. لا أحد ... إلا أنا ... أنا ... أنا ... (يدوي صوته في الأفق ويتوهج قرص الشمس ويملأ السماء، ويرى «رع» وجهه منعكسا على قرص الشمس، يضحك ويقهقه وهو يردد مع صدى الصوت):
أنا ... أنا ... الوحيد ... الوحيد ...
المشهد الثاني (المسرح مظلم تماما ... أصوات متفرقة مبهمة، أقدام كثيرة تجري فوق الأرض، ثم صمت كامل. يدوي صوت بوق يعلن): مات إله الأرض «جيب»، وترك وصيته فوق ورقة مطوية داخل مظروف. (أبناؤه وبناته الخمسة جالسون من حوله يفتحون المظروف.) (صمت كامل.) (يدوي الصوت مرة أخرى): بعد دقائق نقرأ وصية «جيب» إله الأرض. (ما زال أبناؤه وبناته الخمسة يفتحون المظروف ... إيزيس وأوزوريس وسيت ونفيتاس وحوريس ... ما زالوا يفتحون المظروف.) (صمت كامل.) (ثم يدوي الصوت مرة أخرى): سنقرأ عليكم وصية جيب إله الأرض.
هذه هي وصيته:
بعد موتي أنا جيب إله الأرض، يرث العرش من بعدي ابني أوزوريس. (أصوات الناس تهتف بالغناء):
أوزوريس.
يا قلب إيزيس ...
أوزوريس.
يا إله الخير.
يا إله الحب ...
يا إله الطيبة.
غن يا وادي النيل.
أوزوريس.
يا مليكنا.
أوزوريس.
يا حبيبنا.
أوزوريس.
يا مليكنا.
يا إله الخير والطيبة.
يا قلب إيزيس ... يا قلب إيزيس! (غناء الناس يتحول إلى موسيقى ورقص وإيقاع يرقص عليه جموع النساء والرجال. ثم فجأة يتوقف كل شيء. صمت كامل، ظلام كامل، أقدام جنود فوق الأرض، صوت صراع خافت مكتوم، ضربات في الظلام، ثم صرخة حادة مفزعة.) (صرخة أوزوريس قبل أن يموت ينادي في فزع): إيزيس! (ظلام دامس، أقدام تجري وتسرع، صوت ارتطام جسم بالأرض.) (لا صوت ولا حركة ولا شيء. ثم صمت كامل وظلام. ثم يدوي صوت البوق يعلن بصوت حزين): أيها الناس، مات إله الخير أوزوريس واعتلى العرش من بعده أخوه «سيت». (تدوي صرخة إيزيس في فزع): أوزوريس! (يتردد صدى صوتها في المسرح كله، ثم صمت كامل وظلام.) (يعود صوت البوق يعلن): عاش الملك «سيت»، يحيا الملك «سيت». (صمت كامل، لا أحد يرد، كأنما الكون نائم.) (يردد البوق): باسم الإله الأعظم «رع»، إله الشمس، نعلن أن إله الأرض الجديد هو الملك «سيت». «يحيا الملك سيت.» (قليل من الأصوات تردد بصوت خافت حزين): يحيا الملك «سيت». (يقوى الهتاف شيئا فشيئا، ويقل الحزن في الأصوات شيئا فشيئا، ويتحول الهتاف إلى غناء المجموعة بصوت ليس فيه فرح أو حماس):
ملك البلاد يا زين.
يا «سيت» يا نور العين.
يا مليكنا ... يا مليكنا ...
يا نور العين ... (يتحشرج الصوت، ثم يتوقف الغناء فجأة. ظلام كامل وصمت كامل.) (ثم يسمع صوت إيزيس تهتف بصوت عال قوي):
أوزوريس ... أوزوريس لم يمت!
أوزوريس يعيش ... يعيش! يعيش.
أوزوريس! (صدى صوتها يرن في الكون، تتلقفه آذان الناس.) (تردد الأصوات في فرح وحماس): أوزوريس يعيش ... أوزوريس يعيش. (وتبدأ الأغنية من جديد):
أوزوريس يا حبيب إيزيس.
يا إله الخير، يا إله الحب، يا إله الطيبة.
غن يا وادي النيل.
أوزوريس ...
يا حبيب إيزيس ... (يسمع صوت أقدام الجنود تصطك بالأرض تجري هنا وهناك، وأصوات خناجر وسيوف تضرب الناس.) (هرج ومرج وصراخ وفزع، والناس تجري هاربة خائفة.) (يخلو المسرح تماما ويهدأ الجو بعد أن سيطر الجنود على الموقف. لا يسمع إلا صوت أقدام حديدية تدب فوق الأرض ببطء وثبات وقوة، وصوت البوق يعلن): يعيش الملك سيت، يا يعيش! (يردد الهتاف أصوات الجنود كاللحن العسكري الجنائزي): يعيش الملك «سيت» يا يعيش! يا يعيش!
المشهد الثالث (السوق المصري القديم، يظهر الفلاحون والفلاحات بملامحهم المصرية الصميمة، ملامح ضامرة حادة، وجوه نحيلة طويلة، ملابسهم قديمة بلون التراب، فقر وإرهاق فيه الكثير من التحدي اليائس، يتبادلون ما لديهم من محاصيل وطيور ويتاجرون فيما ينتجون. حنطة وشعير، وبط ودجاج وغير ذلك.) (فرقة من الجنود وعلى رأسها رئيس الجيش يجولون في السوق للحفاظ على الأمن والنظام، بعضهم ينهب ويخطف تحت ستار المحافظة على الأمن، عيون الناس وهي ترمقهم تنم عن الخوف والذعر.) (رئيس الجيش يرمق فتاة حسناء صغيرة تجلس إلى جوار أمها تبيع الدجاج، يرمق الفتاة بشهوة وشبق، يرى أنها تعلق في صدرها صورة الإلهة إيزيس، يشد الصورة من عنقها بقوة ويصيح غاضبا، الفتاة وأمها ترتعدان في ذعر.)
رئيس الجيش :
إيزيس! ...
أتعلقين في صدرك صورة الإلهة إيزيس؟ ألا تعلمين أن الإله الأعظم «رع» أمر بحرق صورها؟ ألا تعلمين أنه حطم جميع معابدها وتماثيلها؟ ألا تعلمين أن إيزيس ليست إلهة وأنها هي وأمها «نوت» ملعونتان في السماء والأرض، في الدنيا والآخرة؟ ألا تعلمين ما معنى أن تعلقي صورتها في صدرك؟ معناه أنك لا تؤمنين بالإله الأعظم «رع»، معناه أنك تشركين مع الإله الأعظم «رع» آلهة آخرين، معناه أنك تخرقين القانون الإلهي ولا تتبعين شريعة «رع». ألم تقرئي كتاب الإله «رع» المقدس، وفيه يقول إن المرأة لا مكان لها في السماء والأرض؟! فكيف بعد كل ذلك تعلقين صورة إيزيس فوق صدرك؟! كيف؟ كيف؟ انطقي! (رئيس الجيش يشد الصورة من عنقها ويدس يده في صدرها ويضغط على ثديها خلسة، الفتاة ترتعد في ذعر، والأم تتوسل إليه أن يترك ابنتها .)
الأم (متوسلة) :
اغفر لها يا سيدي؛ فهي صغيرة لا تعرف شيئا، لا تقرأ ولا تكتب ولا تعرف شيئا عن كتاب الإله «رع» المقدس!
رئيس الجيش :
ولماذا تعلق هذه الصورة؟ لماذا لا تعلق صورة الإله الأعظم «رع»؟ ابنتك كافرة، ولا بد أن أسوقها معي إلى النقطة لتلقى جزاءها! اقبضوا عليها! اقبضوا عليها! (رئيس الجيش يأمر الجنود بالقبض على الفتاة. تهجم عليها فرقة من الجنود وتمسكها بشدة.)
الأم (متوسلة في ذعر) :
ارحمها يا سيدي؛ فهي لا تعرف شيئا، اقبض علي أنا بدلا منها.
هذه الصورة ليست صورتها، ولكنها صورتي أنا، كنت أعلقها في صدري وأنا طفلة، ورثتها عن المرحومة أمي.
رئيس الجيش :
لماذا لم تحرقيها؟! ألم يأمر الإله «رع» بحرق جميع صور إيزيس، وأمها نوت؟
الأم :
نعم يا سيدي، أنا المذنبة، لم أحرق الصورة، وكان يجب أن أحرقها، خلعتها من صدري لأحرقها، لكني يا سيدي تركتها فوق الأرض ونسيت. إنه ذنبي أنا؛ كان يجب أن أحرقها فورا لكني نسيت؛ لم أجد الكبريت ...
رئيس الجيش :
ولماذا علقتها ابنتك في صدرها؟!
الأم :
كانت تلعب في التراب؛ فهي صغيرة كما ترى، وعثرت على الصورة؟ ظنت أنها صورة الإله «رع»؛ فهي لا تعرف شيئا، إنها لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ولا تعرف صورة الإله «رع» من صورة الإلهة إيزيس أو الإلهة نوت؛ إنها صغيرة وجاهلة يا سيدي!
رئيس الجيش :
الجهل أقبح من الذنب، ويمكن لها أن تجهل لها أي شيء إلا وجه الإله الأعظم «رع» إله الشمس، يتبدى في الكون مثل قرص الشمس واضحا مثل الشمس.
كيف تجهل صورته؟ إنها تستحق العقاب الشديد؛ خذوها! (يأمر الجنود باقتياد الفتاة أمامه رغم توسلات الأم.) (رئيس الجيش يخرج من المسرح وأمامه الفتاة والجنود قابضين عليها، رئيس الجيش يردد في غضب مصطنع وهو يخرج):
رئيس الجيش :
أي شيء يمكن أن نغفره إلا هذه الجريمة! جريمة الكفر! (ظلام تام وصمت، المسرح خال، يسمع صوت رئيس الجيش وهو يهمس بصوت كالفحيح يحاول اغتصاب الفتاة، لكنها تقاوم وتصرخ في فزع، يقاومها بكل عنف وقسوة.) (لحظة الاغتصاب تتم في الظلمة فوق المسرح إلا من ضوء خافت يسقط أحيانا على وجه رئيس الجيش فيبدو كالوحش المفترس، وأحيانا يسقط على وجه الفتاة فتبدو كالطفلة المرعوبة اليائسة.) (ثم ظلام كامل وصمت يقطع أنين الفتاة الخافت، ثم يتوقف الأنين تماما.) (المسرح خال مظلم صامت.) (تظهر الأم الفلاحة وحدها في الظلمة فوق المسرح الخالي، تسير بخطوات بطيئة متعثرة حزينة تبكي.)
الأم (تبكي بصوت خافت) :
ابنتي الصغيرة ... ليس عندي غيرها ...
ابنتي الحبيبة ... قلب أمها ...
خطفوها مثلما خطفوا الماعزة الأسبوع الماضي ...
خطفوا ابنتي الوحيدة ولم يبق لي أحد ...
وخطفوا الماعزة التي كنت أشرب لبنها ...
ولم يبق لي شيء ...
يا إلهة السماء ... (الأم ترفع كفيها إلى السماء متوسلة، الضوء يسقط على وجهها الطويل النحيل ينم عن الفقر والحزن ...)
الأم (تبكي بصوت خافت) :
ابنتي الصغيرة خطفوها ... ابنتي الصغيرة ... ليس عندي غيرها، خطفوها مثلما خطفوا العنزة الأسبوع الماضي ... (بصوت خافت) : يا إلهة السماء «نوت»، ارحمينا من هذا العذاب ...
ارحمينا من عذاب الإله «رع»، وعذاب الملك «سيت» ... يا إيزيس يا إلهة العدل والرحمة أنقذينا ... أين أنت يا إيزيس ... يا إيزيس ... (صوت الأم يدوي في الظلمة وهي تنادي بصوت خافت): يا إيزيس ... يا إيزيس ... (صدى الصوت يرن في الصمت قويا متصلا كالصفير ... كصوت الريح من بعيد.)
المشهد الرابع (ببيت إيزيس ظلام الليل الطويل والصمت.) (ما زال صوت الأم يدوي كالريح الخافتة ينادي): إيزيس ... إيزيس. (يكشف الضوء شيئا فشيئا عن وجه إيزيس وهي جالسة أمام بيتها مرتدية الحداد، حزينة صامتة شامخة شاخصة إلى الأفق، على مقربة منها تجلس «معات» حزينة صامتة أيضا.) (إيزيس تحرك رأسها كأنما تتسمع صوت النداء.)
إيزيس :
أسمع صوتا يناديني، صوتا يشبه صوت أوزوريس ... نعم ... إنه صوته ... ما زال صوته في أذني يناديني ... أوزوريس لم يمت ... أوزوريس حي يعش.
معات (في ضعف ويأس) :
إنه صوت الريح، صوت الهواء يعصف من بعيد.
أوزوريس مات يا إيزيس ...
أوزوريس مات؛ قتله «سيت». لا بد أن نعترف بالحقيقة.
إيزيس :
أي حقيقة يا «معات» يا إلهة الحق والعدل ؟ أي حقيقة؟ ألا تسمعين صوته؟ ألا تسمعين؟ أنصتي! (يدوي صوت النداء كالريح الهادرة، تسمعه إيزيس لكن معات لا تسمعه.)
معات :
لا أسمع شيئا. إنه صوت الريح، أوزوريس مات يا إيزيس. إله الخير مات، ونوت إلهة السماء ماتت، و«معات» إلهة العدل ماتت. لم يبق إلا «معات» أنا ... امرأة ... مجرد امرأة ... لم أعد إلهة، لم أعد أملك حتى حريتي، وقلبي مكسور!
إيزيس (في ضيق) :
لا أحب أن أسمع هذا الصوت اليائس الضعيف، ما زلت إلهة العدل «معات»، وأمي «نوت» لا تزال إلهة السماء، أوزوريس لا يزال إله الخير والطيبة، وأنا «إيزيس» ما زلت «الإلهة إيزيس» ... ما من قوة في السماء أو الأرض تستطيع أن تهزمنا ما دمنا لا نريد أن ننهزم.
الإنسان يا معات لا ينهزم إلا من داخله، فما بال الآلهة؟!
معات (في يأس) :
لم تعد المرأة حتى إنسان ... حكم عليها الإله «رع» بالتبعية والخضوع، لم يبق لنا إلا تقشير البصل وولادة الأطفال كالأرانب والقطط.
إيزيس (في غضب) :
لا أحب أن أسمع هذا الصوت الضعيف اليائس. اليأس هو الموت؛ وهم يريدون لنا الموت.
معات :
لا أرى في الأفق أي أمل.
إيزيس :
ما دمنا نعيش نخلق الأمل، ما زلنا نعيش، وما دمنا نعيش، فالأمل يعيش.
معات :
نحن وحدنا؟ أنا وأنت؟ حتى زملائي وزميلاتي الكاتبات انصرفوا عنا؛ أغراهم «سيت» بالمال والمناصب، ولم يعد من أصحاب الضمائر الحية إلا القليل النادر، هؤلاء أيضا صامتون يخافون بطش «سيت»، ولا يفعلون شيئا إلا النفخ في مزامير القصب. لا بد أن نعترف بالواقع ولا نعيش في وهم. وأنت يا إيزيس يا إلهة العقل، لا يمكن أن تظلي هكذا تعيشين الوهم. لقد مات أوزوريس، هذه حقيقة. قتله «سيت» هذه حقيقة. لقد انتصر «سيت» علينا، انتصر بالسلاح والخنجر والبطش، انتصر بالظلم والرشوة والنهب، انتصر بجميع الوسائل الخسيسة، لكنه انتصر، لا بد أن نعترف بالهزيمة ونستسلم.
إيزيس :
الاعتراف بالهزيمة شيء، والاستسلام شيء آخر. لقد انهزمت أمي «نوت» إلهة السماء، لكنها لم تستسلم، ماتت أمي وهي تقاوم، ونحن أيضا يجب أن نقاوم حتى آخر نفس.
معات :
وهل يتركنا «سيت» لنقاوم؟ إنه يطاردنا في كل مكان، ويرهب من يتصل بنا، لم نعد نر أحدا يزورنا، لا أحد يقترب منا، حتى «نوت» و«مسطاط» لم نر أحدا منهما منذ مات أوزوريس، الكل خائف، والكل صامت.
إيزيس :
وأنت يا معات، أتصمتين؟ أتخافين؟!
معات :
لا أخاف، لكني صاحبة قلم وفكر، ولا شأن لي بما يفعله «سيت»، ولا شأن لي بالسياسة؛ سأكتب في أمور الفلسفة أو أكتب الشعر والقصص ...
إيزيس :
ولكنك إلهة الحق والعدل، ألا تؤمنين بالحق والعدل؟
معات :
الإيمان في قلبي، والإيمان يعني الحب. أنا أحب العدل، وهذا يكفيني.
الحب الذي لا يقود إلى فعل ليس إلا شعورا أجوف.
إيزيس :
والكاتب أو الكاتبة التي تسعى إلى العدل ليست إلا زمارة تنفخ الهواء في مزامير القصب.
معات :
أنا كاتبة محايدة، أكتفي بالتسجيل فقط.
إيزيس :
الكلمة إذا كتبتها لم تعد محايدة؛ فالكلمة موقف، أنت تظنين أنك محايدة لأنك لا تقفين مع سيت أو ضد سيت، لكن موقفك الحيادي هذا هو في نهاية الأمر مع سيت، لأنك تعرفين أنه يظلم ويقتل وتسكتين، وسكوتك يساعده على الاستمرار في الظلم والقتل؛ أنت لست محايدة كما تتصورين، أنت منحازة إلى سيت.
منحازة إليه بطريقة سلبية ضعيفة، لكنه انحياز وليس حيادا.
معات (في غضب) :
لا! لست مع سيت.
إيزيس :
ولست ضده أيضا.
معات :
أنا ضده في قلبي، كل ليلة أصلي وأدعو آلهة الخير أن يخلعوا الظالم عن عرشه.
إيزيس :
هذا موقف الضعفاء العاجزين عن فعل شيء.
معات :
أنا ضعيفة وعاجزة، وأنت أيضا ضعيفة وعاجزة. ولكنك تعيشين الوهم والخيال، وتظنين أنك قوية وقادرة على صنع المعجزات؛ تظنين أنك قارة على إحياء أوزوريس بعد أن مات. مزقي هذا الوهم وعيشي الواقع. لقد مات أوزوريس. نعم، مات!
إيزيس :
لا! لم يمت، أوزوريس إله الخير، والآلهة لا يموتون، والخير لا يمكن أن ينتهي من العالم.
أوزوريس إله الطيبة يعيش في قلبي وفي قلب كل إنسان طيب. أوزوريس هو النيل، خيره يفيض على الناس والأرض. أوزوريس يعيش في كل شجرة خضراء مثمرة، في كل قطرة ندى، في كل عقل، في كل بسمة طفل، في كل أغنية.
أوزوريس هو الحب، هو الجمال، هو الفضيلة، هو الطمأنينة ... (إيزيس تسكت، معات يبدو عليها الأمل، تمسح دموعها في صمت.)
معات (تجفف دموعها) :
أوزوريس كان الطيبة، والطمأنينة، منذ غاب لم يعرف قلبي الطمأنينة. (إيزيس صامتة حزينة.)
معات :
لن يكتفي «سيت» بما حدث يا إيزيس، لن يكف عن الشر، لن يهدأ حتى ينالك أنت أيضا، والطريق الوحيد أمامك الآن هو الهرب والاختفاء بعيدا عنه.
إيزيس :
لن أهرب، سأواجهه بتهمة القتل، سأواجهه وجها لوجه. (تتراجع)
لكني أكره وجهه، لا أحب أن أراه، لا أراه حتى يتبدد من كياني الخير، لم أحبه أبدا، لم يكن يثير في إلا مشاعر الكره والغضب، عكس أوزوريس.
أوزوريس كان يثير في أجمل ما في: الحب، العدل، الرحمة، الجمال، والفضيلة. لكن «سيت» يثير في أقبح ما في: الغضب، الشر، الكراهية. إنه يسلب مني فضائلي ويعكس علي رذائله، ملامح الشر على وجهه تنعكس على وجهي، أحاسيس الغضب والكره تنتقل إلي كأنما بالعدوى. لا أراه حتى يتقمص جسدي وعقلي الشر. لا أحب أن أراه، فهو يجعلني أكره نفسي وأكره وجهي الغاضب في المرآة، وأكره جسدي وهو ينتفض برغبة الانتقام، كالقشعريرة الباردة تزحف، كالموت تزحف. أكرهه كالموت. أود لو أطبقت بأصابعي على عنقه، أضغط عليه وأضغط وأضغط حتى يلفظ نفسه الأخير، لا أراه أمامي حتى أتخيله مقتولا بيدي فاقدا الروح، إنه يحولني من إيزيس الإلهة الرحيمة إلى إيزيس القاتلة.
معات :
إنه ينتصر عليك حين يثير الشيطان داخلك. فهو يجعلك مثله تنتفضين بمشاعر الكره والغضب، هو يريدك مثله، لا يريد أن يكون وحيدا في شقائه وتعاسته، يريدك معه، يريد أن يطرد من قلبك أوزوريس إله الخير والطيبة، يريد أن يشوه كيانك ويطرد منك الرحمة والحب والعدل. إنه كالشيطان لا يطيق أن يرى إله الخير أمامه، لا يطيق أن يرى نقيضه وجها لوجه. وأنت يا إيزيس نقيض «سيت»، منذ الطفولة وهو يكسر قلمك ويمزق صورتك وكراستك، ومنذ الطفولة وأنت تحاولين إصلاح حاله، قابلت إساءته بقلب رحيم كبير كقلب أمك نوت إلهة السماء، وكلما كنت تزدادين رحمة وشفقة به كان يزداد قسوة وشرا.
إيزيس :
كنت أشفق عليه، قابلت الإساءة بالرحمة، أخلصت لمبادئ أمي نوت، لكن يبدو أنها كانت مخطئة، وكان يجب أن أقابل الشر بالشر.
معات :
أتكفرين بمبادئ أمك؟ أتتنكرين لمبادئك ومثلك العليا؟ أتخونين نفسك يا إيزيس؟ ألا ترين الطريق المظلم الذي يدفعك إليه سيت؟ إنه يريدك معه في هذا الطريق، منذ فتح عينيه على الحياة وهو يريدك معه، فهل تحققين رغبته الآن؟ هل ينتصر سيت إله الشر على إيزيس إلهة الخير؟
إيزيس :
يبدو أن الشر في هذه الحياة هو الأقوى؛ ألم ينتصر الإله رع على أمي نوت؟
معات :
ليست إيزيس هي التي تقول هذا!
إيزيس :
لن أشفق عليه هذه المرة، لا أملك الإشفاق عليه ولا الرحمة، الذي يملكهما هو أوزوريس، وأوزوريس مات وترك لي الأمانة وتحقيق العدل، والعدل هو الخير، والشر بالشر والقتل بالقتل والبادي أظلم ... سأقتص لدم أوزوريس منكم يا سيت، لن تفلت من عقابي. أنا إيزيس إلهة الرحمة والحكمة، لن أغفر لك دم أوزوريس، لن أكون حليمة معك كما كنت، واتق شر الحليم، اتق شر إيزيس؛ فهي لم تعد إلهة حليمة، لقد أصبحت الشيطان؛ الشيطان ذاته ...
معات (في أسى) :
يا نوت يا إلهة السماء، ارحمي ابنتك إيزيس، يا إلهة السماء والرحمة. أم أن السماء لم يعد لها رحمة منذ أن استولى عليها الإله رع؟ لماذا انهزمت يا إلهة السماء وتركت السماء بلا رحمة؟ إن هزيمتك يا أمنا نوت تمتد إلينا، إلى كل النساء، وإلى كل أولادك وبناتك وعلى رأسهم إيزيس. (إيزيس صامتة مطرقة إلى الأرض وقد أنهكها الغضب، تنشج بصوت خافت، وتقاوم البكاء.)
إيزيس :
لا أريد أن أبكي، لا أريد أن يتبدد الغضب ويتحول إلى دموع تتبخر كالماء في الهواء، لا أريد أن أمسح الغضب بالدموع، لا أريد أن أطفئ النار في قلبي، لن أسير في طريق الرحمة والخير، لن أرحمك يا سيت ، ولا خير في العالم بعد أوزوريس! (يتغلب البكاء على إيزيس، تبكي بصوت مسموع.)
معات :
ابكي يا إيزيس! ابكي! الدموع تغسل القلب والعين، الدموع تغسل العقل من جنون الغضب، ابكي يا إيزيس واملئي الدنيا بكاء على أوزوريس، اجعلي النهر يفيض بالدموع، اجعلي البحر يفيض. (إيزيس تترك نفسها للبكاء والدموع، ثم تجفف دموعها بعد لحظات.)
إيزيس :
وما نهاية الدموع؟ لا فائدة من البكاء، هل تتحول إيزيس إلهة القوة والحكمة إلى أرملة ثكلى تندب زوجها الراحل؟ لا! فلتجف الدموع في عينيك يا إيزيس. لن أبكي بعد اليوم، سأحول الدموع إلى نار تحرق، سأحول الحزن إلى نور يضيء. لن ينتصر الشر على الخير، لن ينتصر سيت على إيزيس وأوزوريس. إله الخير ما زال يعيش طالما أنا أعيش. أوزوريس لم يمت، أوزوريس يعيش، أعادت إليه إيزيس الحياة ... انهض يا أوزوريس؛ أنت حي، أنت حي في قلب إيزيس.
قلب إيزيس ... (يسمع صوت من بعيد يقول): إيزيس ... إيزيس ... إيزيس.
إيزيس (تنتفض) :
أتسمعين؟! ها هو الصوت يعود. إني أسمعه، نعم أسمعه! (إيزيس تنهض واقفة وتتسمع الصوت.) (يدوي صوت النداء من بعيد كالريح، ينادي): إيزيس.
إيزيس :
أتسمعين؟! إنه صوته؛ صوت أوزوريس يناديني أتسمعين؟! ... (يتضح الآن صوت الأم الفلاحة وهي تنادي على إيزيس من بعيد دون أن تظهر على المسرح.)
معات :
نعم أسمع الصوت، ليس صوت أوزوريس، إنه صوت امرأة تنادي.
إيزيس :
تناديني؟! لا بد أنها امرأة تعاني ...
معات :
إحدى الفلاحات. هؤلاء إني أعرفهم. لا تكف الواحدة منهم عن الشكوى والتظلم. (تظهر الأم الفلاحة على المسرح، يبدو عليها الفزع والألم، تتوسل إلى إيزيس.)
الأم الفلاحة :
يا إلهة العدل والرحمة يا إيزيس يا ابنة نوت إلهة السماء، لم يعد في السماء رحمة ولا في الأرض رحمة.
معات (بشيء من القسوة) :
ماذا حدث يا امرأة؟ تكلمي!
إيزيس (بشفقة) :
انتظري عليها يا معات، ترفقي بها.
الأم الفلاحة :
ابنتي يا أيها الإلهة إيزيس ... ابنتي الصغيرة ... ابنتي الوحيدة خطفوها مني وأنا أبيع في السوق.
معات :
من هم الذين خطفوها؟
الأم الفلاحة :
لا أعرف من هم ...
معات :
هل رأيت أحدا منهم؟
الأم الفلاحة (في ذعر) :
لا! لم أر أحدا ... لا أتهم أحدا ... (تتردد)
بل رأيت شبحا ... رأيت أشباحا ... روحا من الأرواح الشريرة خطفتها وليست روحا من أرواح الآلهة، لا أستطيع أن أشهد ضد أحد من الآلهة ... ينقطع لساني إذا قلت ... ينقطع لساني!
معات :
لا تحزني يا سيدتي، وسوف أصنع لك تعويذة تعيد إليك ابنتك و...
إيزيس (تقاطعها) :
أتعويذة يا معات يا إلهة العدل؟ أتلجئين للسحر؟
معات :
وهل أمامنا إلا السحر؟ سأنفخ في مزماري وأدعو الإله «رع» أن يرد إليها ابنتها.
الأم (في ذعر) :
لا ... الإله الأعظم «رع» لا يخطف ... ينقطع لساني إذا قلت، الأرواح الشريرة والشياطين هي التي خطفت ابنتي ... آه يا ابنتي الصغيرة! أين أنت الآن؟ لا أنام الليل منذ خطفوك ... (الأم تبكي بحرقة، إيزيس تواسيها وتخفف عنها.)
إيزيس :
لا تحزني يا سيدتي؛ سوف أبحث عن ابنتك في أوكار الشياطين، سوف أبحث ولن أهدأ حتى تعود إليك ابنتك. أنا أعرف الشياطين الذين خطفوها، إنهم الشياطين أنفسهم الذين خطفوا أوزوريس إله الخير، إنهم هم الشياطين ...
الأم (تقبل إيزيس) :
أشكرك يا إيزيس يا إلهة العدل والرحمة ...
أشكرك يا إيزيس.
يا ابنة نوت إلهة السماء ...
يا حبيبة أوزوريس إله الخير ...
أشكرك يا إيزيس ... سأصلي الليل والنهار وأشكرك،
ولن يهدأ لي بال حتى ترحمني إلهة السماء وتعود إلي ابنتي.
إيزيس (في قوة) :
ستعود إليك ابنتك ...
وسيعود أوزوريس ...
سيعود الخير ... نعم
سيعود رغم جميع آلهة الشر!
المشهد الخامس (الملك «سيت» جالس فوق العرش يتحدث مع أكبر أعوانه وهو رئيس الجيش.)
رئيس الجيش :
كل شيء تمام يا مولاي، الأمن مستتب والأمور كلها مستقرة، أزيلت جميع صور الآلهة القدامى من الذكور والإناث على حد سواء، لم تبق إلا صورة الإله الأعظم «رع» إله الشمس، وصورة الملك «سيت» إله الأرض، وتم إزالة جميع صور الملك الراحل «أوزوريس» ولم يعد أحد يشك أنه مات موتة طبيعية بمشيئة الإله رع وقضينا تماما على الإشاعة التي قالت إنه مات مقتولا ... و...
الملك «سيت» (يقاطعه) :
وماذا عن إيزيس؟ (رئيس الجيش يواصل كلامه كأنما لم يسمع سؤال سيت.)
رئيس الجيش :
أعلنا في الأبواق والمزامير أن عهد الفقر والذل قد انتهى إلى غير رجعة وجاء عهد الرخاء والأمان والحرية، وسوف لا يكون هناك جائع واحد ولا عار واحد، ويصبح لكل فلاح بيت يضاء بالطاقة الشمسية وقدرة الإله الأعظم «رع» ... و...
الملك «سيت» (يقاطعه) :
وماذا عن إيزيس؟
رئيس الجيش (مواصلا كلامه) :
الهدوء يعم البلد يا مولاي، والأمان والرخاء، والحرية ترفرف في كل مكان، والأمن مستتب، لا أحد يفتح فمه، وإذا حدث وفتح أحد فمه فالإجراءات تتم في التو والحال للتحفظ عليه، من أجل الحفاظ على الأمن والنظام، والهدوء والسلام، وقد ...
سيت (يقاطعه) :
وماذا عن إيزيس؟
رئيس الجيش (مواصلا كلامه) :
ومن أجل الوحدة الوطنية أعلنا أن الأرض ليس لها إلا إله واحد هو الملك «سيت»، وأن جميع آلهة السماء انهزموا وماتوا وعلى رأسهم «نوت» ولم يبق إلا الإله الأعظم «رع» يملك الشمس ولا شريك له في ملكية الفضاء المحيط بالأرض، وقد ...
سيت (ينهض غاضبا) :
وماذا عن إيزيس؟! هل فقدت سمعك؟ أم أنك تتظاهر بالصمم؟!
رئيس الجيش (متلعثما) :
ماذا؟ عن ماذا؟ نعم يا مولاي ... يا مولاي ... لا شيء ... لم يعد لها أي شيء في السماء أو في الأرض ... حتى البيت لم تعد تملكه، وتمت مصادرته، وفرضت عليه الحراسة، وهي تعيش في شبه وحدة كاملة؛ لا أحد يزورها، الناس تخاف من الاقتراب منها. لقد أطلقنا حولها الإشاعات، حرب الإشاعات يا مولاي من مواهبنا الفعالة، وكفيلة بالقضاء عليها. وقد أطلقنا إشاعة كبيرة تقول إنها فقدت عقلها حزنا على موت زوجها، وتتصور أنه ما زال حيا، وأنها مريضة بالهيستريا تسمع أصواتا وترى أشباحا ... ترى هلاوس ... نعم هلاوس ... هلاوس ... تهلوس!
سيت (غاضبا) :
أنت الذي تهلوس! إنها بكامل عقلها وذكائها، وقد سمعت أنها تقود حركة تمرد ...
رئيس الجيش (متلعثما) :
ح... ح... حركة ... حركة تمرد ... لم أسمع شيئا من هذا يا مولاي ... مجرد إشاعات ... إشاعات ... البلد كلها إشاعات ...
سيت (بغضب) :
ليست إشاعات. إيزيس أختي وأنا أعرفها، لا يمكن أن تفقد عقلها. لو فقد الناس جميعا عقولهم بما فيهم أنا وأنت فإن إيزيس لن تفقد عقلها. أنا أعرفها؛ فهي أختي ابنة أمي نوت وأبي جيب. لقد ورثت عن أمها العقل والذكاء ... والدهاء ... دهاء الآلهة ... إنها داهية، ولا يمكن الاستهانة بها.
رئيس الجيش :
مهما كانت يا مولاي، فهي ليست إلا امرأة بمفردها، لم يعد أحد إلى جانبها، لم يعد أحد يذكرها، نسيها الجميع وتلاشت صورتها من الذاكرة. أما أنت يا مولاي فصورتك في كل مكان، في كل قلب، معلقة فوق كل صدر، فوق الجدران، ومعك الجيش والشرطة، والأبواق، والكتاب، والمفكرون، ونافخو المزامير، وفوق كل ذلك معك الإله الأعظم «رع»، و...
سيت (يقاطعه) :
أعرف كل ذلك، لكن إيزيس إذا صممت وأرادت فلا شيء يقف أمامها؛ إنها صلبة كالصخرة، لها قوة غريبة، أنا أعرفها.
رئيس الجيش (في دهشة) :
قوة غريبة يا مولاي؟ لا أكاد أفهم!
سيت :
نعم لها قوة غريبة ... شبه سحرية ... إنها ساحرة.
رئيس الجيش (في دهشة) :
أتؤمن بالسحر يا مولاي؟ نحن نخدع الناس بالسحر والعفاريت وأرواح الشياطين ... عفوك يا مولاي ... لا أظن أنك ... عفوا ...
سيت :
لا أقصد أنها ساحرة، ولكني أعني أنها قوية وإرادتها حديدية لا تلين. ولن تهدأ حتى تنال ما تريد وتؤلب الناس ضدي.
رئيس الجيش :
سأعرف كيف نتخلص منها يا مولاي؛ اتركها لي ولا تشغل بالك بها.
سيت (في قلق) :
لا! لا تقتلها! لا أريد اغتيالها، ستصبح شهيدة وتحلق روحها في السماء؛ أرواح الشهداء أكثر قوة من أجسامهم. سيزداد اسمها شهرة بين الناس، وتتضاعف قدسيتها ويعبدونها أكثر وأكثر. انظر ماذا حدث لأوزوريس بعد أن قتلناه؟ أتظن أنه مات؟ أبدا إنه يعيش، وربما أكثر مما كان، الناس تتعلق بالوهم، وهم يتوهمون أن إيزيس أعادت إليه الروح. الناس في بلادنا جهلة لا يعرفون الحق من الباطل ولا الحقيقة من الوهم.
رئيس الجيش :
الشعب الجاهل أفضل من الشعب الواعي يا مولاي، وقد ملأنا رءوس الناس بكثير من الأوهام؛ وإلا ما بقي أحد على عرشه في السماء أو فوق الأرض .
سيت :
لكن وهم عن وهم يفرق! ثم لماذا لا تسيطرون على الأوهام التي تدخل رءوس الناس؟ أين قوتك يا رئيس الجيش؟ أين قوة الجيش والشرطة؟ أين الكتاب والمفكرون وموظفو البلاط؟ كيف يتسرب مثل هذا الوهم الخطير إلى رءوس الناس بغير أمر مني؟!
رئيس الجيش :
نحن يا مولاي نسيطر على كل شيء، لا شيء يدخل عقول الناس إلا ما نمليه عليهم في الأبواق والمزامير، وفوق ذلك كتاب الإله «رع» المقدس.
سيت :
سمعت أن بعض الفلاحين والفلاحات يرددون أن إيزيس قادرة على إحياء أوزوريس، هذا الوهم كيف دخل عقول الناس؟
رئيس الجيش :
لم يدخل يا مولاي.
سيت (بغضب) :
دخل! أعرف أنه دخل! أنا متأكد من ذلك!
رئيس الجيش :
إذا كان قد دخل يا مولاي فالأمر جد خطير؛ فالقدرة على إحياء الموتى تعني بالضرورة القدرة على قتل الأحياء، من يهب الحياة قادر على أخذها. إنها تنافس الإله رع في قدراته، لقد أصبح وجودها خطرا يا مولاي على وجود الإله «رع». وإذا كان وجودها يهدد وجود الإله الأعظم فإنه بالتالي يهدد وجودك يا مولاي الملك. وإذا كان وجودها يهدد وجود الملك فإنه بالتالي يهدد وجودي أنا رئيس الجيش والرأس الثاني بعد رأس الملك؛ وعلى هذا فإن وجودها يهدد وجودنا جميعا، ولا يمكن السكوت على ذلك، لا بد من إزالتها من الوجود، لا بد لها من الموت!
سيت :
وهل تظن أنها تخاف الموت؟ إنها تعرف أنها في الموت ستعيش أكثر، وتحلق روحها في السماء وتصبح مثل أمها نوت إلهة السماء.
رئيس الجيش (في حيرة) :
وماذا تفعل يا مولاي في امرأة لا تخاف الموت؟! (يرفع يديه إلى السماء)
يا إله الشمس «رع»، أنقذنا من هذه المرأة الخطيرة، لم يبق أمامنا يا مولاي إلا أن نصلي للإله الأعظم «رع».
سيت (في خشوع) :
نعم، فلنصل للإله رع ... شغلتنا أمور الحكم والدولة عن الصلاة ...
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي، نسينا الصلاة وانشغلنا عنها، وقد يتخلى عنا الإله «رع» لأننا لا نواظب على الصلاة له.
سيت :
فلنصل الآن. نعم الآن ، وبسرعة ؛ ما زال عندنا وقت. هل أنت جاهز للصلاة؟
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي جاهز. (يقف رئيس الجيش وراء سيت باسطا كفيه إلى السماء، يظل «سيت» واقفا ناظرا في الأفق ناحية الشمس.)
سيت (متلعثما) :
يا أيها الإله ... يا ... يا ... (لا يعرف سيت ماذا يقول ويبدو كأنه نسى كلمات الصلاة.)
سيت (متلعثما) :
أتذكر ماذا كنا نقول حين نبدأ الصلاة، ذاكرتي مثقلة بأمور الحكم والدولة وقد نسيت.
رئيس الجيش (متلعثما أيضا) :
يا أيها الإله ... يا ... يا ...
يبدو أنني نسيت الكلمات أيضا يا مولاي ... عقلي لا يشغله إلا خطط الحرب، وهي كثيرة لا تنتهي ولا تترك مكانا في عقلي لشيء آخر ... اغفر لنا أيها الإله الأعظم «رع» خطايانا، وانصرنا على عدوة الحق إيزيس ابنة نوت.
سيت (بغضب) :
هذه المطالب تأتي في نهاية الصلاة وليس في بدايته، ثم من المفروض أننا نصلي دون أن يكون لنا مطالب، وإلا أصبحت صلاتنا مغرضة ...
رئيس الجيش (متداركا) :
نعم يا مولاي ... يجب أن نصلي دون أية مطالب ... يا أيها الإله الأعظم رع نحن نصلي لك دون مطالب ... أقسم بشرفي أنها صلاة خالصة ولا مطالب لنا في الدنيا أو في الآخرة ... صلاة نقية بلا غرض إلا أن ترضى عنا وأن تتركنا نتمتع بوجهك المضيء مثل قرص الشمس.
سيت :
نعم هذه هي الصلاة الحقة التي يمكن أن يقبلها الإله الأعظم «رع». (سيت ورئيس الجيش واقفان في خشوع متأهبان للصلاة.)
رئيس الجيش (متذكرا) :
لكننا نسينا شيئا هاما يا مولاي؟
سيت :
ماذا؟
رئيس الجيش :
إن الإله «رع» لا يقبل الصلاة «حاف» هكذا.
سيت (بدهشة) :
حاف؟ ماذا تعني؟
رئيس الجيش :
أعني «الغموس» يا مولاي، الآلهة تريد الغموس أيضا، ولا صلاة بغير ذبائح ولحم.
سيت (متذكرا) :
آه، تعني القرابين؟
رئيس الجيش :
قرابين ... غموس ... ذبائح ... كله واحد ... «مافيش حاجة ببلاش».
سيت :
فلتذبح له ثورا.
رئيس الجيش :
لم يعد الإله الأعظم «رع» يرضى بثور واحد، كان ذلك قبل موجة الغلاء وقلة إنتاج الثيران.
سيت :
الثيران عندنا كثيرة والعجول أيضا، وقد استوردنا من الخارج كميات جديدة من العجول .
رئيس الجيش :
الإله الأعظم «رع»، لا يأكل لحم العجل المستورد، فهو سمين على الفاضي ... شحم بلا طعم.
سيت :
اذبح له عجلا من عجولي التي أربيها في مزرعة القصر.
رئيس الجيش :
لم يعد العجل الواحد يكفي الإله الأعظم «رع».
سيت :
لماذا؟
رئيس الجيش :
جشع يا مولاي.
سيت (غاضبا) :
ماذا تقول؟!
رئيس الجيش :
زلة لسان يا مولاي ... زلة لسان ... لا أقصد ...
سيت (مستنكرا) :
كيف تستخف بالإله الأعظم بهذا الشكل؟
ألا تعرف عقاب من يستخف بالإله رع؟
رئيس الجيش (معتذرا) :
أستغفر الإله الأعظم! وأستغفرك يا مولاي! لم أقصد سوءا، نيتي طيبة والحمد للإله الأعظم «رع». وكل ما قصدت أن الغلاء زاد وارتفعت كل الأسعار، حتى أسعار القرابين.
سيت :
اذبح عجلين والعوض على الإله الأعظم «رع».
رئيس الجيش :
سأذبح ثلاثة عجول بعد إذنك يا مولاي والخير عندنا كثير.
سيت (بغضب) :
قلت اثنين يعني اثنين! لماذا الثالث؟
رئيس الجيش :
رشوة يا مولاي.
سيت (هائجا) :
يا لك من زنديق فاسق! أترشو الآلهة أيضا؟
ألا يكفيك الرشاوي فوق الأرض؟! ثم كيف لإله عظيم كالإله «رع» أن يقبل الرشوة؟!
رئيس الجيش (معتذرا) :
لا أعني رشوة بمعنى الرشوة يا مولاي، حاشا الإله الأعظم «رع»، لكنها مجرد رسوم، دمغات، مواصلات، دخان، شاي ... وخلافه، وكلها تدفع حسب القانون الجديد تحت بند اسمه «الرسوم» يا مولاي.
سيت (رافعا يديه إلى السماء) :
ثلاثة عجول مرة واحدة أيها الإله الأعظم «رع»؟ ألا ترحم عبدك المخلص «سيت» الذي وقف معك في المعارك والملمات؟!
رئيس الجيش :
لا أحد ينسى ذلك يا مولاي، لولاك ما حصل الإله الأعظم «رع» على قرص الشمس أو شبر واحد في مملكة السماء، لولاك يا مولاي لورثت إيزيس عرش السماء عن أمها نوت.
سيت (غاضبا) :
صه! ماذا تقول؟!
رئيس الجيش (متراجعا) :
لا شيء يا مولاي، لا شيء، مجرد تخريفات ... تخريفات ... إن عقلي يخرف يا مولاي منذ سمعت أن الإلهة إيزيس تقود حركة تمرد ... إن وجودنا كله في خطر ...
سيت :
من قال لك إنها تقود حركة تمرد؟
رئيس الجيش :
أنت يا مولاي ...
سيت (في حيرة) :
أنا؟
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي ... منذ لحظات ... قلت لي إنها تقود حركة تمرد.
سيت (في قلق) :
إذن الأمر جد خطير ...
رئيس الجيش :
خطير جدا يا مولاي، وإن كنت أعتقد أنها الآن بلا قوة ولا حول، ولا يمكن أن تقنع أحدا.
سيت :
كثير من الفلاحين والفقراء يقتنعون بها.
رئيس الجيش :
ربما تقنع الفقراء يا مولاي، لكن الفقراء لا قيمة لهم، مجرد عدد، المهم هم طبقة الأسياد من سلالات الملوك والآلهة. وهؤلاء إقناعهم صعب يا مولاي، ولا يقل صعوبة عن إقناع الإله الأعظم «رع». إنها معركة يا مولاي لا ينتصر فيها إلا من يملك عجولا أكثر، ونحن نملك العجول، لكن إيزيس لا تملك شيئا ... حتى البيت الذي تسكن فيه نزعنا ملكيته!
سيت :
لكنها لا تزال تملك عقلها، ولا تكف عن الحركة وسط الناس، وتدعي أنها قادرة على حل مشاكلهم، بالأمس قد ادعت أنها قادرة على إعادة فتاة مخطوفة إلى أمها.
رئيس الجيش (في قلق) :
فتاة مخطوفة؟ كيف عرفت يا مولاي؟
سيت :
عيوني! جواسيسي الخاصة! هذا إلى جانب أن الإله الأعظم «رع» معي في كل خطواتي، يمنحني بركته، ويكشف لي الحجاب، ويطلعني على بعض الأسرار؛ ولهذا فأنا أعرف كل شيء. لا شيء يخفى علي في هذه الدنيا؛ دبة النملة أسمعها، همسة الريح لا تفوتني. أعرف كل خطوة تخطوها إيزيس فوق الأرض، أعرف كل حركة من يدها، كل دقة من قلبها، أعرف متى يدق قلبها ولمن، أعرف كل من يدخل عندها، أعرف ... أعرف ... (يظهر في صوت «سيت» الألم والتأثر، يضعف صوته وهو يردد: «أعرف ... أعرف ...» يصمت طويلا في شرود ثم يتنهد.)
سيت (متنهدا) :
نعم أعرف، ويا ليتني ما أعرف.
رئيس الجيش :
المعرفة خير من عند الإله رع.
سيت (شاردا) :
المعرفة خير وشر في آن واحد، والجهل أحيانا نعمة من عند الإله الأعظم. لو كنت أجهل من هي إيزيس وماذا تفعل أو ماذا يمكن أن تفعل، ربما عشت في راحة، ربما نسيتها وتلاشت صورتها من ذهني. لكنها لا تفارقني، تلازمني الليل والنهار ، تؤرقني وتطرد عني النوم والهدوء والطمأنينة، كالشبح الجاثم فوق صدري طول الوقت، لا أعرف كيف أتخلص منها.
رئيس الجيش :
الخلاص منها سهل يا مولاي، كما تخلصنا من أوزوريس نتخلص منها.
سيت :
إنها ليست مثل أوزوريس، كان أوزوريس طيبا ساذجا إلى حد الغباء، لكن إيزيس داهية، ولا يمكن التأثير عليها؛ إنها تعرف ماذا تريد وتفعله بعزم دون تردد. إرادتها لا تلين، وعقلها لا ينام. أنا أعرفها؛ فهي ابنة أمي وأبي، تربينا في بيت واحد، ونمنا في سرير واحد؛ أعرف مواهبها وذكاءها.
رئيس الجيش :
ذكاؤها معروف يا مولاي، كانت إلهة العقل والحكمة.
سيت :
لم أر في حياتي امرأة لها عقلها.
رئيس الجيش :
ولا رجل ... (يتلعثم معتذرا)
معذرة يا مولاي، زلة لسان ... لا أقصد ... لا أعني.
سيت :
ليست زلة لسان، إنها حقيقة أفلتت منك.
حقيقة مؤلمة فعلا، لكنها حقيقة أعترف بها، أعترف أنني لم أعجب في حياتي بامرأة أو رجل قدر إعجابي بإيزيس. منذ وعيت على الحياة وأنا معجب بها. وهي طفلة كان عقلها أسرع مني في الفهم وحل مسائل الحساب والهندسة وقلمها فوق الورق يجري وتكتب الشعر كالموسيقى، وتفهم الأشياء قبل أن أفهمها. وكنت أغضب من نفسي ومن غبائي؛ ومن شدة الغضب أكسر قلمي، أو أكسر قلمها، وأقطع كراستها. وكانت طيبة القلب تسامحني بسهولة، ولم يكن أمامي إلا أن أعجب بها.
رئيس الجيش :
الإعجاب نوع من الحب يا مولاي.
سيت :
الإعجاب لا يخلو من الحب، لكنه ينطوي أكثر على الكراهية. نحن لا نعجب بأحد إلا إذا كان أفضل منا، ولأنه أفضل منا نغار منه ونكرهه، نود في أعماقنا أن نرتفع إليه، أو نشده إلينا ونمتلكه.
رئيس الجيش :
كان يمكنك أن تمتلكها يا مولاي.
سيت :
لا! مستحيل! لم يكن في استطاعتي امتلاكها مهما حاولت! إنها امرأة لا تمتلك.
رئيس الجيش :
لكل امرأة مفاتيح يا مولاي.
سيت :
مفاتيح إيزيس معها، في يدها، لا تعطيها لأحد.
رئيس الجيش :
عندك النساء كثيرات يا مولاي، وإيزيس ليست المرأة الوحيدة فوق الأرض، هناك الكثيرات غيرها.
سيت :
لكنها تساوي عندي نساء الأرض، إنها ليست مجرد امرأة أو أنثى، إنها عقل. ورثت العقل والحكمة عن أمنا «نوت» إلهة السماء، وأنا ورثت عن أبي «جيب» إله الأرض الحسد والطمع وشهوة الامتلاك. أنا مخلوق من الطين والأرض، وهي مخلوقة من النور والعقل والسماء. نعم ... إيزيس أفضل مني، وأفضل من أوزوريس وكل إخوتي وأخواتي؛ لهذا أحببتها وكرهتها أيضا، فأنا لا أطيق أحدا أفضل مني، ومع ذلك لا أحب إلا الأفضل مني. وهكذا تمزقت بين حبها وكرهها، وكلما أحببتها كرهت نفسي، فكيف أحبها وهي لا تحبني وتحب رجلا آخر وهو أوزوريس؟
رئيس الجيش :
نحن الرجال لا نسعى إلا وراء امرأة لا نملكها.
سيت (مواصلا كلامه كأنما لم يسمعه) :
أوزوريس كان طيبا وغبيا في آن واحد، ومع ذلك فضلته علي.
رئيس الجيش :
المرأة تفضل الرجل الغبي لتسيطر عليه وتفعل ما تشاء.
سيت (مواصلا كلامه كأنما لم يسمعه) :
كان ضعيف الشخصية، بلا رجولة، ناعما، خجولا كالعذراوات، ومع ذلك أحبته، لا أدري كيف؟ امرأة غريبة كاللغز!
رئيس الجيش :
كل النساء بهذا الشكل يا مولاي.
سيت :
لا! ليس بهذا الشكل، هي نوع آخر، أتعرف ... (يقترب «سيت» من رئيس الجيش ويضع يده على كتفه كأنه صديق حميم)، (مواصلا كلامه) :
أتعرف أنني كنت أتلصص عليهما بالليل، وأراهما في الفراش معا، كان يرقد بين ذراعيها كالطفل في حضن أمه، ترضعه ثديها ولا شيء غير ذلك.
رئيس الجيش (بدهشة) :
لا شيء؟!
سيت (شاردا) :
نعم، لا شيء! وكنت أرى جسدها تحت ضوء القمر كالأرض الظمأى تحن للري، سمرة بشرتها مع ضوء القمر تجعل لها لونا عجيبا يخطف البصر، وأرى الشرايين الزرقاء الدقيقة تتلوى تحت بشرتها البيضاء، وأود أن أمد يدي وأضغط عليها بكل قوتي، أعتصرها حتى يخرج منها الدم! (يضغط بكل قوته على أصابع يده كأنما يعتصر شيئا بينها.)
رئيس الجيش (متهيجا) :
الرحمة يا إلهة السماء «نوت».
سيت (منتبها فجأة) :
ماذا قلت؟ سمعتك تقول الإلهة نوت؟!
رئيس الجيش (متداركا) :
معذرة يا مولاي ... زلة لسان ...
سيت (غاضبا) :
أنسيت أن السماء ليس بها إلا إله واحد هو الإله الأعظم «رع».
رئيس الجيش :
لم أنس يا مولاي، لكن كلامك أثارني وأطاح بعقلي الواعي.
سيت :
أتعني أن الإلهة نوت لا تزال تعيش في عقلك الباطن؟!
رئيس الجيش :
يا مولاي، لقد طردتها من عقلي الباطن أيضا. طردتها هي وجميع النساء من عقلي الواعي وغير الواعي، طردت الجنس كله والحمد للإله الأعظم رع؛ لكن كلامك يا مولاي أثارني، وحرك في عقلي الباطن رغبتي الدفينة في الاغتصاب، أنا يا مولاي لا أعرف في علاقتي بالمرأة إلا الاغتصاب، لا سبيل للسيطرة على النساء إلا بالقوة.
ألم تحاول اغتصابها يا مولاي؟ النساء يعشقن الاغتصاب. اشتهيت فتاة حسناء في السوق، كانت تبيع إلى جوار أمها، رأيت بطن ساقها من تحت الجلباب فطار صوابي؛ خطفتها واغتصبتها. أتعرف يا مولاي ماذا حدث؟ إنها تحبني حتى العبادة ولا تريد مفارقتي مع أنني طلبت منها العودة إلى أمها. المرأة يا مولاي تعشق الرجل الذي يغتصبها.
سيت :
هذا هو الوهم الذي نعيشه نحن الرجال.
رئيس الجيش :
ليس وهما يا مولاي، إنها حقيقة، هذه الفتاة لا تريد العودة إلى أمها وتفضل البقاء معي.
سيت :
لتعذبك وتنتقم منك.
رئيس الجيش :
إنها تعترف لي بالحب كل يوم.
سيت :
إنها تكرهك إلى حد خداعك وإيهامك أنها تحبك.
رئيس الجيش :
أنا أتكلم عن تجربة يا مولاي.
سيت :
وأنا أتكلم عن تجربة، أتظن أنني لم أحاول؟ حاولت معها بالقوة لكن ... (سيت يصمت طويلا كأنما الذكرى تؤلمه.)
رئيس الجيش (يرد بلهفة) :
وأخذتها؟!
سيت (بأسى) :
بالعكس، هي التي أخذتني.
رئيس الجيش :
هذا أمر يستعصى فهمه على أمثالي من الأغبياء.
سيت :
نعم! لا يمكن لأمثالك أن يفهموا مثل هذه المرأة، إنها امرأة لا يمكن لرجل أن يغتصبها.
رئيس الجيش :
عضلاتها قوية إلى هذا الحد يا مولاي؟
سيت (ساخرا) :
ليست المسألة عضلات! كيف أشرح لك؟
عضلاتي أقوى من عضلاتها لكنها أقوى مني، أتفهم هذا؟
رئيس الجيش (متحيرا) :
لا يا مولاي، وما مصدر قوتها؟
سيت :
لا أعرف، وهذه هي المشكلة بل المأساة، مأساة حياتي أن أولد في الحياة وإلى جواري امرأة أقوى مني، لا أعرف مصدر قوتها، وأحبها لأنها أقوى مني، ولا أستطيع أن أنالها أبدا، بل هي التي تنالني.
رئيس الجيش (بذهول) :
هذا شيء لا أفهمه البتة يا مولاي.
سيت :
لن تفهمه! ولا أستطيع أن أشرح لك ماذا حدث حين حاولت اغتصابها بالقوة.
رئيس الجيش (في استطلاع شديد) :
ماذا حدث يا مولاي؟ (سيت يصمت شاردا، ثم يتحدث بصوت مليء بالأسى.)
سيت (في أسى) :
تحولت بين ذراعيها من ذئب مفترس يبغي احتواءها بهدف ابتلاعها إلى حمل وديع يبكي كالطفل فوق صدرها ويلتمس العقاب أو العفو.
رئيس الجيش :
يا إله الشمس «رع»، امنحنا القوة من عندك! (يظل سيت صامتا شاردا حزينا.)
سيت (بصوت خافت) :
إنه أمر غريب.
رئيس الجيش :
أغرب ما سمعت.
سيت (منتبها) :
لا، الأغرب هو ما سيأتي بعد ذلك.
رئيس الجيش :
وهل هناك ما هو بعد ذلك؟
سيت :
نعم، طلبت منها العقاب وليس العفو، وكان يمكن لها في تلك اللحظة أن تحكم علي بالموت؛ فأموت بكرامتي ورجولتي بين ذراعيها. لكن قلبها كان قاسيا، أرادت أن تقضي على البقية الباقية من كرامتي كرجل ومنحتني ما هو أقسى من الموت.
رئيس الجيش :
وهل هناك شيء أقسى من الموت يا مولاي؟
سيت :
نعم! الشفقة! آه من الشفقة! آه من النظرة القاتلة في عينيها! الشفقة. آه من اليد الحانية الناعمة كالسم! الشفقة. الشفقة. ولا شيء غير الشفقة! (يتهاوى سيت جالسا على مقعده في إعياء وتعب.)
رئيس الجيش :
أنت متعب يا مولاي وتحتاج للراحة، والأفضل أن أتركك وحدك.
سيت (في فزع) :
لا ... لا تتركني الآن، ابق معي حتى تسمع بقية القصة.
رئيس الجيش :
وهل هناك بقية يا مولاي؟
سيت :
نعم، فالمسألة لم تنته عند هذا الحد، الطعنة الأخيرة لا تزال قادمة.
رئيس الجيش (في فزع) :
طعنتك بالخنجر؟
سيت (ساخرا) :
لا، ليس الخنجر، ولكنه أشد من الخنجر، وكان يمكن أن أتركها وأهرب من أمامها، لكني بقيت في مكاني لا أقوى على الحركة كأنما تسمرت في الأرض، وذراعي هذه التي حوطتها كالحلقة الحديدية ارتخت وتهدلت ، وكان يمكن لها أن تتركني، لكن قلبها فوق جسدي ينبض بالشفقة، بلا حب، بلا رغبة، بلا شهوة، بلا شيء إلا الشفقة، كالإلهة الرحيمة العظيمة تغدق الرحمة على عبدها الضعيف المسكين.
رئيس الجيش :
الرحمة يا إله الشمس «رع».
سيت :
نالتني في أعز ما أملك؛ كرامتي ورجولتي.
رئيس الجيش :
انتقم منها أيها الإله الأعظم ولك عجل رابع.
سيت (في غضب مفاجئ) :
ماذا قلت؟ عجل رابع؟
رئيس الجيش :
لينتقم منها الإله «رع» شر انتقام.
سيت :
لن تزيد الذبيحة عن ثلاثة عجول. فهمت؟
رئيس الجيش :
هذا طلب جديد للإله رع بخلاف الطلبات السابقة.
سيت :
اجعله فوق البيعة ... (متداركا)
أي طلب هذا؟
رئيس الجيش :
الانتقام من إيزيس يا مولاي، وهو طلب جديد.
سيت :
أتعرف ما معنى أن ينتقم الإله «رع» منها؟
رئيس الجيش :
أعرف يا مولاي؟ انتقام الإله رع هو شر انتقام.
سيت (بغضب) :
ألم أقل لك إنني لا أريد لها أن تقتل؟! لا أريد أحدا أن يمسها! هذا أمر! أسمعت؟
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي.
سيت :
دع إيزيس - أنت والإله «رع» - لي أنا، أنا أعرف كيف أنتقم منها، أو على الأقل سأحاول. نعم سأحاول.
رئيس الجيش :
ليس لي إلا أن أصلي للإله الأعظم رع وأطلب منه أن يرعاك ويقف بجانبك وينصرك عليها.
سيت (في إرهاق) :
لست في حاجة إلى دعواتك يا زنديق، اذهب الآن، لا أريد أن أرى وجهك ولا وجه أي مخلوق ... أريد أن أستريح ...
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي، أنت في حاجة إلى الراحة. أستودعك الإله رع. (يخرج رئيس الجيش ويغادر المسرح.)
سيت (يتثاءب كأنما سينام، يكلم نفسه) :
أريد أن أستريح ... لا أريد أن أرى وجه أحد، أي أحد، حتى الإله «رع»! (يغمض عينيه وينام.)
المشهد السادس (شاطئ النيل، الليل مظلم. إيزيس جالسة على حافة الشاطئ يبدو عليها التعب والإرهاق، إلى جوارها «معات». إيزيس تنظر إلى النيل وترقب من بعيد شراع سفينة يبدو بلون أبيض كالضوء في الليل المظلم. ترتدي إيزيس جلبابا متربا كالفلاحات الفقيرات.)
معات :
أنت تضربين رأسك في الجدار يا إيزيس، لست أقوى من أمك نوت إلهة السماء، لست أقوى من جميع الإلهات والآلهة الذين انهزموا واستسلموا.
إيزيس (تحاول التماسك) :
لن أستسلم ... لن ينتصر الظلام على النور، لن ينتصر الظلم والخوف على العدل والشجاعة ... لن ينتصر اليأس والموت على الأمل والحياة، لن ينتصر سيت على إيزيس وأوزوريس، لن يحدث!
معات :
تضربين رأسك في الحائط ... بل إن الحائط نفسه لم يعد موجودا، جردوك من كل شيء حتى حائط بيتك حيث كنت ...
إيزيس :
أرض الوطن واسعة.
معات :
لن يكفوا حتى يطردوك خارج الوطن كما طردوا الآخرين ممن بقوا على قيد الحياة، ليس أمامنا إلا أن نهاجر يا إيزيس؛ بلاد العالم واسعة.
إيزيس :
لا! لن أهاجر، هذه أرضي ووطني ووطن أمي وأبي وأجدادي وجداتي، ولدت هنا في وادي النيل وسأموت هنا، على هذه الأرض وجدت، وإلى هذه الأرض أعود، هنا بيتي وقبري، هنا حبي وقلبي، هنا ذكريات طفولتي، وبيت أمي وأهلي ...
معات :
أخذوا البيت، وانصرف عنك الناس حتى الأهل.
إيزيس :
لي في كل قلب بيت، ولي في كل بيت أهل. (يقترب شراع السفينة، ويسمع صوت الملاح يغني، أغنية الملاح خافتة من بعيد، لكن الكلمات واللحن مسموعان):
سالمة يا سلامة
رحنا وجينا بالسلامة
سالمة يا إيزيس
يا أم الملاحين
يا حبيبة نهر النيل
يا إلهة الملاحة. (عينا إيزيس تتعلقان بالشراع الأبيض وصوت الملاح في أذنها مع اللحن.)
إيزيس (في ترقب) :
أتسمعين الصوت؟ (غناء الملاح يتردد مرة أخرى مع اللحن والكلمات.)
معات :
أحد الملاحين عاد سالما ويغني.
إيزيس :
يغني لي.
معات :
كان غائبا عن الوطن ولا يعرف شيئا عن نظام الحكم الجديد والإله الجديد.
إيزيس (في أمل) :
ما زال يغني لي.
معات :
لو سمعه أحد فلن يكون له أثر؛ ويختفي وراء الشمس.
إيزيس (بسخرية) :
وراء قرص الشمس «رع».
معات :
علينا أن نحذره.
إيزيس :
نعم، يجب أن نحذره. لا تقولي له إنني إيزيس؛ لا أريد له أن يراني وأنا في هذه الحال؛ لا بد أن له في ذهنه صورة عن الإلهة إيزيس أجمل من هذه الصورة .
معات :
لن أقول له. (الملاح يشد حبل المركب ويهبط إلى الشاطئ يحمل شيئا في يده ملفوفا، تتجه نحوه معات، تظل إيزيس في مكانها جالسة ترقبهما من بعيد.)
معات :
مرحبا بعودتك سالما إلى أرض النيل أيها الأخ العزيز.
الملاح :
أهلا بك وبأرض الوطن أيتها الأخت العزيزة.
معات :
يبدو أنك غبت طويلا في البحر ...
الملاح :
رحلة طويلة شاقة، وهبت عاصفة من الشمال وكدت أغرق في وسط البحر، لولا أنني ناديت على إلهة الملاحة فأنقذتني من الموت، قبل أن أذهب إلى بيتي سأزور معبدها وأشكرها وأقدم لها هذه الهدية من بلاد الشام ... بلح الشام ... (يشير إلى الشيء الملفوف في يده.)
معات (في ألم وأسى) :
أيها الأخ العزيز، لم يبق للإلهة إيزيس أي معبد، تحطمت معابدها كلها.
الملاح (في دهشة) :
كيف؟ من حطمها؟
معات :
الملك «سيت» حطم معابدها، وقتل زوجها أوزوريس واستولى على العرش والحكم.
الملاح :
وإيزيس؟ أين هي؟ هل قتلها أم لا تزال تعيش؟
معات :
الإلهة إيزيس لا تزال تعيش، لكن «سيت» يطاردها في كل مكان، ولا واحد يعرف مكانها.
الملاح :
يا إلهة السماء نوت، انتقمي من ابنك العاق «سيت».
معات :
لا ترفع صوتك، الإرهاب يتفشى في البلد، والقتل والخطف والنهب، ومن يفتح فمه لا يلقى إلا السجن أو الموت، أو الطرد خارج البلد.
الملاح :
لتنعم في الحياة الآخرة يا إله الخير أوزوريس ... سوف تفتح لك دار النعيم أبوابها على مصراعيها وتنعم هناك بالخير وتعيش مع الآلهة والخالدين. (تنهض إيزيس وتقترب منهما، تسير بخطوات بطيئة داخل جلبابها الطويل المترب.)
الملاح :
ومن هذه السيدة؟ (يتأمل وجه إيزيس بانبهار)
هذا الوجه كأنما رأيته من قبل ... وهاتان العينان المليئتان بالنور ... من هذه السيدة؟
معات :
إنها إحدى الفلاحات ...
الملاح (ناظرا إلى وجه إيزيس) :
هذا الوجه رأيته من قبل، وهذه الهالة من الضوء. لماذا هي حزينة؟
معات :
فقدت ابنتها في السوق، تبحث عنها الليل والنهار، ولا تعثر لها على أثر، لم يعد في البلد خير ولا أمان ...
الملاح (مخاطبا إيزيس) :
لا تحزني يا سيدتي، سوف تعوضك إلهة السماء عن ابنتك ... سوف ترزقك الكثير من البنين والبنات. إن إلهة السماء نوت لا تنسى أحدا.
إيزيس (في أسى) :
ألا تزال تذكر إلهة السماء أيها الملاح؟
الملاح :
وكيف أنساها يا سيدتي أو كيف أنسى آلهة الخير والرحمة إيزيس وأوزوريس؟ يمكن لإله الشر أن يأخذ حياتي، لكنه لا يستطيع أن ينزع الخير والحب من قلبي.
إيزيس :
كلامك يبعث السرور والأمل في قلبي أيها الإنسان الطيب، أنا أيضا مثلك، لا أستطيع أن أنسى آلهة الخير والرحمة والعدل، لا أستطيع أن أنسى. (إيزيس تقاوم البكاء، وتمسح دموعها، وهي تهمس لنفسها بصوت خافت.)
إيزيس :
أوزوريس لا يمكن أن أنساه ... ما زال يعيش ... نعم إنه يعيش ... في قلبي ... في قلبي يعيش أوزوريس. (يغلبها البكاء فتبكي وتنشج بصوت مكتوم. الملاح يخفف عنها.)
الملاح :
خففي على نفسك يا سيدتي ... لا تستسلمي للحزن ... ما زال في الحياة أمل.
إيزيس :
عم الظلام أيها الإنسان الطيب وانتشر الظلم.
الملاح :
مهما امتد الليل، فلا بد أن تنتهي الظلمة ويطلع الفجر ...
انظري يا سيدتي ... هذا هو ضوء أبيض يتبدى في الظلام ... (يظهر ضوء أبيض كضوء الكشاف في الظلمة من بعيد جدا.)
إيزيس (تنهض فجأة) :
إنه هو! أو بعض أعوانه يتلصصون بالليل، اهرب بعيدا أيها الإنسان الطيب، اهربي به بعيدا يا معات، خذيه بعيدا عن هنا وإلا قتلوه! (معات تمسك يد الملاح وتجري به إلى الخارج. الملاح يتردد في الخروج وينظر خلفه إلى حيث تكون إيزيس.)
الملاح :
ونتركها وحدها؟ كيف نتركها وحدها؟ لا يمكن أن نتركها وحدها!
معات :
إنها تعرف الطريق وستأتي إلينا، أسرع! أسرع! يجب ألا يراك أحد معها، هذا شيء خطير عليك وعليها ... (تخرج معات والملاح بسرعة من المسرح، تبقى إيزيس وحدها. ضوء الكشاف يقترب ويسقط على وجهها، رابطة الجأش قوية الملامح، يبدو وجهها تحت ضوء الكشاف.) (صوت «سيت» يقول - دون أن يظهر سيت بعد):
سيت :
وحدك في الظلمة يا إيزيس؟ (إيزيس لا ترد، جالسة شامخة، يظهر سيت مرتديا دروعه وسيوفه وحذاء ضخما من الحديد.)
سيت :
أنت وحدك؟
إيزيس (بصوت قوي هادئ ) :
لا! لست وحدي.
سيت :
من كان معك؟
إيزيس :
أوزوريس ... كان معي ...
سيت :
كان معك رجل منذ لحظات، سمعت صوته من بعيد. من هو؟
إيزيس :
هو أوزوريس!
سيت :
من هو يا إيزيس؟ من هو الرجل الذي تلتقين معه في ظلمة الليل بعيدا عن أعين الناس؟ (يمسكها من ذراعها بغلظة وقسوة، إيزيس تشد ذراعها من يده بغضب.)
إيزيس :
ارفع يدك عني. لا تلمسني. (تبتعد عنه وتعطيه ظهرها، سيت يسير نحوها بخطوات بطيئة، يحاول الاعتذار.)
سيت :
متأسف. لم أقصد أن أمسك بسوء، لا أستطيع أن أسيء إليك. تعرفين ذلك. (يسكت لحظة وهو يقف خلفها، يكاد يرفع يده ليربت على كتفها أو ظهرها، لكنه يتردد، لا يلمسها، يظل واقفا صامتا ... ثم يقول بصوت خافت متوددا إليها):
سيت :
ألا تعرفين ذلك يا إيزيس؟! ألا تعرفين أنني ... (إيزيس تستدير وتواجهه بغضب مقاطعة كلامه.)
إيزيس :
لا أعرف، ولا أريد أن أعرف.
سيت :
أرجوك يا إيزيس ... يا إلهة العقل والحكمة، لا تتركي الغضب يفقدك صوابك وعقلك ... أنت أختي، ابنة أمي وأبي، وأنت أكثر من أخت، ولا أستطيع أن أراك في هذه الحالة السيئة. (ينظر إلى جلبابها المترب)
وما هذا الجلباب؟! أيمكن أن ترتدي إيزيس مثل هذا الجلباب كالفلاحة الفقيرة؟! لا يمكن أن أرضى بذلك ... لا يمكن!
إيزيس (بسخرية) :
نعم يا سيت يا أخي العزيز، يا ابن أمي وابي، لقد تمرد علي أعوانك وقاموا بالاستيلاء على بيتي وملابسي دون علم منك، لماذا لا تقبض عليهم وتعاقبهم أيها الملك العظيم؟!
سيت :
ماذا تقولين؟! استولوا على بيتك؟ لا بد أنهم بعض أعواني المتطرفين، يتصورون أن مثل هذه الإجراءات القاسية ترضيني، ملكيون أكثر من الملك! هؤلاء دائما هم حاشية الحكام والملوك، مجموعة من المنافقين. إني أعتذر لك عما بدر منهم، وسوف أصدر أوامري فورا بإعادة البيت إليك. ليس البيت فقط، ولكن كل ما تطلبين ... (يسكت لحظة)
نعم، إني مستعد لإجابة كل طلباتك يا إيزيس. تعرفين كم أنت غالية عندي! أغلى من أي شيء في الوجود! (إيزيس تبتعد عنه ولا ترد على ما يقول، يواصل كلامه متشجعا بعض الشيء.)
سيت :
أنا رهن إشارتك يا إيزيس؛ اطلبي أي شيء.
إيزيس :
ليس لي طلبات عندك، لا أطلب شيئا إلا من أمي «نوت» إلهة السماء، وأوزوريس زوجي إله الخير والطيبة.
سيت :
أوزوريس مات ودفن.
إيزيس :
مات؟ من قال إنه مات؟ كان معي هنا منذ لحظات. ألم تسمع صوته؟
سيت (بغضب) :
لم يكن صوته يا إيزيس! كان صوت رجل آخر!
إيزيس (بدهشة) :
رجل آخر؟! لا أعرف رجلا آخر! لا أعرف إلا أوزوريس ... الإنسان الطيب.
سيت :
أتحبين رجلا آخر يا إيزيس؟ (إيزيس صامتة لا ترد، تنظر إلى الأفق المظلم شاردة.)
سيت :
هل في قلبك رجل آخر؟
إيزيس :
ليس في قلبي إلا الإنسان الطيب.
سيت :
من هو؟ ما اسمه؟
إيزيس :
أوزوريس.
سيت (بغضب) :
لا! ليس اسمه أوزوريس ... لا تظني أنني لن أعرفه! سوف أعرفه! وسوف ينال عقابه! وهذه المرة سأمزق جسده إربا، سأقطعه إلى أجزاء! وكل جزء يلقى في ناحية ...
إيزيس :
أتظن أنك قادر على ذلك؟
سيت :
أتشكين في قدرتي؟
أتشكين في قدرة الملك «سيت»؟!
إيزيس (بسخرية) :
لا يا أخي العزيز «سيت»، لا أشك في قدرتك؛ أستغفر الإله الأعظم «رع» إله الشمس، مالك السماء والكواكب، وليس له شريك في ملكية السماء، لا رجل ولا امرأة.
سيت :
أتسخرين من الإله الأعظم «رع».
ألا تعرفين جزاء من يستخف بالإله الأعظم؟
إيزيس :
جزاؤه الموت كما مات أوزوريس ... لكنك تعرف يا سيت أن أختك إيزيس لا تخاف الموت، ولو كانت تخاف الموت لماتت من زمن.
سيت :
هذه المرة لن أتشفع لك عند الإله الأعظم «رع».
كثيرا ما تشفعت لك عنده، وطلبت منه أن يرحمك ويغفر لك ذنوبك، ولولاي لعاقبك الإله الأعظم شر عقاب!
إيزيس (بسخرية) :
سأذبح له عجلا وأتقي شره، إن العجل الذي يذبحه الحاكم الظالم أفضل عنده من الفضيلة التي يتحلى بها الحاكم العادل.
سيت :
ماذا تقولين؟ ماذا قلت؟!
إيزيس :
لا شيء، لكن أذكر منذ الطفولة أن أمي «نوت» كانت تقول: الفضيلة التي يتحلى بها الحاكم العادل أفضل لديها من الثور الذي يذبحه قربانا لها ... وقد أعلن الإله الأعظم «رع» أن قلب نظام الحكم في السماء بعد «نوت»، ولا يمكن يا أخي العزيز «سيت» أن نظام الحكم ينقلب دون أن تنقلب معه القيم والأخلاق، ومنها الفضيلة.
سيت :
لم يكن في عهد أمك نوت أي فضيلة، كانت المرأة تعيش بحرية، وتمشي على حل شعرها، والأولاد ينسبون للأم، ويرثون الأم، والأب لا يكاد يعرف، حتى الإله الأعظم رع «إله الشمس» لم يعرف إلا أمه!
إيزيس :
وماذا عن قانون الفضيلة في عهد الملك سيت العظيم؟!
سيت :
أن تقتل المرأة الشريفة إذا ضبطت في الليل مع رجل آخر، الوفاء والإخلاص للزوج هو الشرف والفضيلة، وللمرأة زوج واحد.
إيزيس (ساخرة) :
وماذا للرجل؟ شرف إخصاب نساء الأرض؟!
سيت :
إذا عرفت المرأة رجلا آخر غير زوجها لم يتمكن الأب من معرفة أبنائه، وإذا تشكك الأب في أبنائه فكيف يورثهم الأرض والعرش؟
إيزيس :
لا يحتاج إلى قانون الفضيلة إذن إلا أصحاب الأرض والعرش!
سيت :
بالطبع! كيف يرث العرش من بعدي من هو ليس ابني؟ ... أبناء العبيد لا يرثون شيئا، وليس من الضروري أن يعرف الأب أبناءه، وليس لنساء العبيد قدرة على الفضيلة ...
أما النساء من سلالة الملوك والآلهة مثلك يا إيزيس، فهن قادرات على التحلي بالفضيلة.
إيزيس (بسخرية) :
كالتحلي بالجواهر الكريمة وأساور الذهب والياقوت.
سيت :
نعم، كم تبدو الجواهر الكريمة أكثر جمالا فوق صدر امرأة شريفة مخلصة لزوجها!
إيزيس :
وكم يبدو صدر الرجل أكثر جمالا إذا تحلى بالعدل، والفضيلة، والشرف.
سيت :
نعم ... بالطبع!
إيزيس :
هل يختلف شرف الرجل عن شرف المرأة؟ هل تختلف الفضيلة من شخص إلى شخص؟
سيت :
نعم ... لا لا لا بالطبع؛ الشرف هو الشرف، والفضيلة هي الفضيلة، لكن الرجل إذا خان زوجته فلن يؤثر ذلك على الإرث، لأنه يعرف أبناءه، أما إذا خانت المرأة زوجها فهذه جريمة.
إيزيس :
الفضيلة إذن لم يكن لها مقياس واحد لجميع الناس، لم تكن فضيلة وإنما قانون عبودي مزدوج، يمنح الحرية للأسياد، ويفرض القيود على العبيد.
سيت :
العالم مقسم إلى أسياد وعبيد ، هذه هي الطبيعة. المساواة ضد الطبيعة. انظري أصابع يدك! (سيت يمسك يد إيزيس ويفتح أصابعها.)
سيت :
انظري، إن أصابع يدك ليست متساوية! (يظل ممسكا يدها بين يديه، ينظر إليها بنوع من الحب، يتودد إليها مرة أخرى.)
سيت (بصوت رقيق) :
أحب ملمس يدك في يدي يا إيزيس ...
أشتاق لملمس هذه اليد في يدي ... (يقبل يدها ويقربها من أنفه)
أشتاق لهذه الرائحة ... أشتاق لصوتك وعينيك حتى وأنت غاضبة ... بل إن غضبك مني وقسوتك علي تثيرني أكثر؛ تجعلني أحبك أكثر. إيزيس ... حبيبتي ... لماذا لا يرق قلبك لي؟ لماذا لا نتزوج؟ أقسم لك إنني لو أصبحت زوجك لأكونن مخلصا لك إلى الأبد؛ فأنا لا أرى من نساء العالم إلا وجهك، عيناك لا تفارقني ... (إيزيس تشد يدها من يده.)
إيزيس :
لكني أحب رجلا يا سيت، ولا أحبك.
سيت :
ولماذا لا تحبينني يا إيزيس؟ لماذا أنا أحبك وأنت لا تحبينني؟!
لماذا؟ لماذا؟ (يظهر الغضب في صوته شيئا فشيئا وهو يردد: لماذا؟ لماذا؟)
إيزيس (شاردة) :
لا أعرف لماذا لا أحبك، لكني لا أحب إلا الإنسان الطيب، لا أحب إلا أوزوريس.
سيت (يقاوم الغضب) :
هذا الأوزوريس الثاني، من أين جاء؟
إيزيس (شاردة) :
من السماء! رحمة من عند إلهة السماء! الإلهة «نوت» أشفقت علي وأعادت الحياة إلى أوزوريس الذي قتله أخوه «سيت» طمعا في الحكم.
سيت :
أنا لم أقتل أوزوريس! لم أقتله! أقسم بالإله الأعظم «رع» إنني لم أقتله، ماذا أفعل لتصدقيني؟!
إيزيس :
أقسم بأمنا إلهة السماء إنك لم تقتله.
سيت (مترددا) :
لا أستطيع أن أقسم بإله آخر غير الإله «رع».
إيزيس (بغضب) :
ولا تؤمن إلا بشريعة رع؟
سيت :
نعم، شريعة رع أفضل الشرائع، وكتابه المقدس يحتوي على جميع الفضائل والمثل العليا، هل قرأته؟
إيزيس :
بالطبع قرأته، لا يتحدث فيه إلا عن قدسيته وجبروته وقوته الخارقة وغضبه الحارق وانتقامه الشديد لمن يتشكك في وجوده أو لا يطيعه، لم أقرأ كلمة واحدة عن العدل بين الناس، بل إنه يقسم الناس إلى أسياد وعبيد، أما النساء فلا مكان لهن عنده لا في السماء ولا في الأرض!
سيت :
لم نعرف في كل تاريخنا شريعة تكرم المرأة مثل شريعة الإله الأعظم رع، ماذا كانت تأخذ المرأة من الحكم والعرش؟! ماذا فعلت أمي «نوت» إلهة السماء؟ كان عقلها مشغولا طول الليل والنهار بالفلسفة والدين والسياسة وصراعات الحكم، لم نكن نراها، لقد حرمت وأنا طفل من حنان الأم، وحرم أبي من رعاية الزوجة، ماذا أخذت أمي من حياتها إلا التعب والشقاء والمعارك والحروب، لم تخلق المرأة رقيقة ضعيفة الجسم؟ أجساد الرجال أقوى.
إيزيس :
إذا كان الأقوى جسديا هو الذي يحكم، فلماذا لا تحكمنا البغال؟! لا شك أن البغل أقوى منك جسديا يا سيت.
سيت :
لم تخلق المرأة للحكم، لقد خلقت المرأة لتكون أما حنونا، وزوجة رقيقة وديعة، تنتظر زوجها بابتسامة حانية، ووجه بشوش، وجسم ناعم معطر ... نعم، هذه هي الزوجة المثالية؛ لا يشغل عقلها وقلبها إلا زوجها. كم أتمنى أن تكوني لي هذه الزوجة يا إيزيس! أن أضع فوق رأسك تاج المرأة، أن تكوني الملكة المتوجة في بيتي، أن أحوطك بذراعي كل ليلة. كم أريدك يا إيزيس! أريدك أن تكوني لي الزوجة والحبيبة؛ أنت امرأة رقيقة القلب جميلة، لم تخلقي لتخوضي صراعات السماء وحروب الأرض، لم تخلقي لترتدي هذه الملابس الخشنة، خلقت لترتدي الحرير وتنامي في السرير وتتركي لي المعارك. كم أحبك حين تكونين هذه الأنثى الوادعة المطيعة! (يربت على رأسها وشعرها ويحاول أن يعانقها لكنها تبعده عنها.)
إيزيس :
المطيعة؟! أتعرف ما معنى أن أطيعك؟ معناه أن ألغي عقلي وتفكيري، أن أصبح جسدا بغير عقل، وتصبح أنت عقلي ورأسي. أنت لا تريدني كما أنا، ولا تحبني كما أنا؛ إنسانة كاملة، عقلا وجسما، ولكنك تريد الأنثى الرخوة الضعيفة، الجسد الخامل المعطل إلا من التزين والتعطر والتحلي بالجواهر، الزوجة الغبية تنتظر عودتك لتملأ معدتك بالأكل وتشبع شهوتك للاغتصاب وتجعل منك إلها مستبدا متعصبا لرأيه، تتظاهر أمامك بالغباء والعجز عن مناقشتك؛ لتشبع فيك نوازع العظمة وأمراض السيادة والألوهية. هذه هي الزوجة والحبيبة التي تريدها، وهي ليست أنا بالتأكيد ... ليست إيزيس ... إلهة العقل والحكمة ...
سيت :
أعترف أن عقلك ...
إيزيس :
لن ألغي عقلي يا «سيت»، وإن أعطيتني عرش السماء والأرض! لن أتحول من إنسان إلى عبد وإن حكمت علي بالموت أنت والإله رع! الآن فقط أدرك لماذا أحببت أوزوريس ولم أحبك. كنت مع أوزوريس أشعر أنني إنسانة، كان يعرف قيمتي، الحب هو المعرفة، أن تعرف قيمة من تحب، أوزوريس كان يعرفني، يعرف في إنسانيتي وأجمل ما في ... عقلي ... قلبي ...
سيت :
وهذا الأوزوريس الثاني، ماذا يعرف فيك؟
إيزيس :
كل شيء.
سيت :
ومن أين جاء؟
إيزيس :
أرض الوطن واسعة، والإنسان الطيب في كل مكان.
سيت :
معنى ذلك أنك تعيشين قصة حب جديدة، أليس كذلك؟
إيزيس :
هذا شأني وحدي، لا أريد لك أن تتدخل في حياتي؛ إن حياتي ملكي أنا ...
سيت :
حياتك ليست ملكك، طالما تعيشين فوق هذه الأرض فحياتك ليست ملكك ... هل نسيت أنني إله الأرض وصاحب العرش والحكم؟! كان يمكنني أن أقضي على حياتك بإشارة واحدة من إصبعي، لكني أعطيتك فرصة واثنتين وثلاثا، والآن نفد صبري ولم يعد أمامك أي فرصة أخرى، وهذا الأوزوريس الثاني سوف أتصرف معه ... لا تظني أنني لا أستطيع الوصول إليه، لا شيء فوق هذه الأرض بمنأى عن يدي.
إيزيس (بغضب وتحد) :
لا أقبل التهديد! ولن تصل يدك إلى شيء!
سيت (غاضبا) :
سأحطمه شر تحطيم. وأنت يا إيزيس ... لن أرحمك بعد اليوم. لن آتي إليك بعد هذه المرة الأخيرة، سأطرد من خيالي صورتك، سأطرد من قلبي حبك. لن أترك في قلبي إلا الكراهية لك ... نعم الكراهية؛ فأنا أكرهك! أكرهك! لا أريد أن أرى وجهك بعد اليوم! ولن أتشفع لك عند الإله «رع» ... نعم لن أتشفع! وليلعنك الإله الأعظم «رع» يا إيزيس ابنة نوت! (سيت يخرج من المسرح غاضبا يرغي ويزبد ويدق الأرض بحوافره الحديدية، ودروعه وسيوفه تصلصل من حوله بصوت غليظ وقوي.) (إيزيس وحدها فوق المسرح، واقفة ترتعد في غضب.)
إيزيس :
لتلعنك إلهة السماء نوت! (يظهر من الظلام الملاح ومعه معات.)
إيزيس (بدهشة) :
أنتما هنا؟
الملاح :
لم نشأ أن نتركك وحدك ... اختفينا وراء هذه الشجرة.
معات :
كان سينقض على «سيت» ليقتله لولا أنني منعته، حرصا على حياتك وحياته.
الملاح :
يا إلهة العدل والرحمة، كيف يحدث لك كل هذا؟ كيف نسكت على هذا الظلم، لن أتركه! سأبارزه، وليقتلني أو أقتله.
إيزيس (في قلق) :
لا! لا تبارزه! سيقتلك! إنه لا يعرف المبارزة الشريفة ... سيقتلك من ظهرك كما فعل مع أوزوريس ...
الملاح :
سمعته يهددك، قد يقتلك!
معات :
وأنا سمعته، هذه المرة لن يتركك يا إيزيس، والأفضل لكما أن تختفيا في مكان بعيد.
الملاح :
عندي بيت صغير في قرية بعيدة على ساحل بحيرة المنزلة ... لن يعرف طريقنا أحد.
معات :
لنذهب إلى هناك، أرسلتك إلينا إلهة السماء في اللحظة الأخيرة. لم يكن لنا بيت ولم نكن نعرف إلى أين نذهب.
هيا يا إيزيس. هيا يا إيزيس ... (إيزيس لا تزال جالسة على حافة الشاطئ، الملاح يمسك يدها ويقبلها في احترام وخشوع.)
الملاح :
أنقذت حياتي من الغرق وأنا في وسط البحر، وأحضرت لك معي هدية من بلاد الشام ... (يفتح اللفة التي لا تزال في يده.)
إيزيس :
بلح الشام.
أنا أحب بلح الشام ... وأهل الشام، لي فيهم أهل وأقارب ...
الملاح :
كلهم يذكرونك بالخير ويذكرون أوزوريس ... وإلهة السماء نوت. (إيزيس تلمح من بعيد؛ تنهض بسرعة.)
إيزيس :
سيعود ومعه أعوانه؛ لا بد أن نختفي بسرعة.
معات :
أتعرف الطريق من هنا إلى ساحل المنزلة.
الملاح :
لا أعرفه إلا بالمركب.
إيزيس :
لنأخذ المركب يا أوزوريس. (يشد الملاح الحبل ليقترب المركب من الشاطئ، يصعد الثلاثة، ويشق المركب طريقه في الماء.) (يخلو المسرح تماما. ما زال الليل مظلما وساكنا، ثم فجأة يظهر رئيس الجيش وأعوانه من الجنود بالكشافات والخناجر، يبحثون في أركان المكان، لا يجدون أحدا، يتطلعون إلى النيل، لا أثر للمركب، كأنما ابتلعها النيل، ينطلقون بسرعة للبحث عن إيزيس وأوزوريس في مكان آخر.) (ظلام وصمت فوق المسرح.) (نهاية الفصل الأول.)
الفصل الثاني
المشهد الأول (في الساحة الكبيرة، أمام بيت إيزيس وأوزوريس، وابنهم الطفل حوريس، في قرية «خبيت» على ساحل بحيرة المنزلة، أهل القرية ... فلاحون ... فلاحات ... وأطفال يغنون ويرقصون ... غناء المجموعة مع الموسيقى):
أوزوريس
يا قلب إيزيس
يا إله الخير
يا إله الحب
يا إله الطيبة
غني يا وادي النيل
أوزوريس ... يا حبيبنا
يا قلب إيزيس ... (إيزيس جالسة وإلى جوارها الطفل «حوريس» تعلمه الكتابة بالقلم.) (أوزوريس يساعد بعض الفلاحات في تشغيل الشادوف، معات تساعد بعض الفلاحين في طحن الشعير.) (الأطفال يتجمعون حول إيزيس وحوريس، توزع عليهم إيزيس أقلاما وتعلمهم الكتابة مع ابنها حوريس، معات توزع على الأطفال فطائر من دقيق القمح.) (الطفل حوريس يكتب الحروف وينطق الكلمات وهو يأكل الفطيرة.)
الطفل حوريس :
أحب أمي ... وأحب أبي ... وأحب كل إنسان طيب ... (يقرأ من ورقته.)
طفل آخر :
الحب هو الفضيلة (يقرأ من ورقته) .
طفل آخر :
والفضيلة هي العدل.
طفل آخر :
والعدل هو الجمال.
طفل آخر :
والجمال هو الطبيعة.
طفل آخر :
والطبيعة هي الفضيلة. (يردد بعض الأطفال من حول إيزيس هذه الكلمات مع اللحن والموسيقى.) (بعض الأطفال يغنون ومعهم حوريس):
الحب هو الفضيلة.
والفضيلة هي العدل.
والعدل هو الجمال.
والجمال هو الطبيعة.
والطبيعة هي الفضيلة. (جميع الأطفال يشتركون في الغناء مع الرقص والموسيقى.)
من بين إيديكي يا أمي عرفت الحقيقة.
أخذت العلم والحكمة، عرفت الفضيلة، خلقتيني من العدم وغرست أول بذرة زرعت في الأرض أول شجرة.
خبزت أول رغيف من القمح والحنطة.
كتبت أول حروف بالقلم على الورقة.
عرفت أول لحن للعدل والرحمة ...
من بين إيديكي يا أمي عرفت الحقيقة ...
الحق فوق القوة والعدل هو الفضيلة ...
من بين أيديكي يا أمي عرفت الحقيقة. (رجل عجوز يرتدي ملابس الكهنة؛ الثوب الحريري الفاخر، تتدلى لحيته فوق ذقنه، يسير نحو الأطفال ومعه عصا غليظة، يكف الأطفال عن الغناء.)
الكاهن :
ما هذه الضجة والصخب بالقرب من معبد الإلهة إيزيس؟ (يلمح الكاهن إيزيس بين الأطفال؛ يتراجع قليلا في خشوع ويكاد يركع أمامها.)
إيزيس :
لا تركع يا سيدي.
الكاهن :
أيتها الإلهة المقدسة، إني عابدك المخلص ...
إيزيس :
إن عابد إيزيس المخلص لا يضرب الأطفال ... ولا يكره الغناء والموسيقى ...
الكاهن :
إني أرعى معبدك المقدس وأتلقى الذبائح والقرابين ...
إيزيس :
إن كاهن إيزيس المخلص ليس الذي يتلقى القرابين ... وليس الذي يرتدي الأثواب المقدسة وتتدلى لحيته فوق ذقنه، ولكنه الذي يبحث بلا كلل ولا ملل عن الحق والعدل، والمعنى العميق للأشياء.
الكاهن :
كنت أخدم في معبد أبيك الإله «جيب»، وكان يتلقى القرابين ... وكان الخير كثيرا ...
إيزيس :
لكني أنا والإله أوزوريس لا نتلقى القرابين ...
الناس في هذه القرية فلاحون فقراء، يبيعون البيض ولا يأكلونه، ولا يذوقون طعم اللحم إلا من العيد للعيد ... فكيف نطلب منهم أن يقدموا ذبحا يا سيدي ...
الكاهن :
ومن أين يأكل الآلهة والكهنة؟ ليس لنا مورد رزق إلا القرابين.
إيزيس :
نعمل مع الناس ... نزرع ونشتغل ونحصل على رزقنا بعرقنا ...
الكاهن (بدهشة) :
لم أر في حياتي آلهة يعرقون من أجل الرزق، ما الفرق إذن بين الآلهة والبشر إذا اشتغل الجميع؟ البشر هم الذين يشتغلون ويشقون، أما الآلهة فيجلسون على العرش وتأتيهم الذبائح دون عمل ودون تعب ...
إيزيس :
هذه هي شريعة الإله «رع»، لكن شريعة إيزيس وأوزوريس مختلفة، لنا فلسفة أخرى تساوي بين الآلهة والبشر، وبين الأسياد والعبيد، لا فرق بين إنسان وإنسان إلا في العدل والرحمة.
الكاهن (بضيق) :
ومن أين آكل إذا لم يقدم الناس القرابين في المعبد؟
إيزيس :
تأكل من العمل مثلنا، ومثل كل هؤلاء الفلاحين والفلاحات.
الكاهن (بكبرياء) :
لكني لا أنتمي إلى هؤلاء الناس. أنا كاهن؛ والكهنة ينتمون إلى طبقة الأسياد وليس العبيد ...
أوزوريس :
ليس في هذه القرية أسياد وعبيد ... كلنا بشر، والناس سواسية، هذه هي إيزيس ... ابنة الإلهة نوت والإله جيب ... إنها تعمل معنا ... وقد تزوجتني أنا الرجل الملاح الفقير وأبي وأمي كانوا من الفلاحين.
الكاهن :
أنت الإله أوزوريس من سلالة الآلهة يا سيدي ...
أوزوريس :
لا ... لست إلها، ولست من سلالة الآلهة أو الأسياد ... أنا من سلالة العبيد.
الكاهن :
أنت تتواضع يا إله الخير والرحمة ... أنت تؤمن بالعدل والمساواة إلى حد أن تساوي نفسك بالعبيد! لا يا إله الخير والرحمة، العدالة لها حدود، وقد خلق الإله «رع» الأسياد والعبيد، وجاء ذكرهم في كتابه المقدس. إذا أصبح الأسياد والعبيد واحدا، فكيف تكون الحياة. وكيف يكون الكون؟
إيزيس :
يكون أفضل ...
الكاهن :
أستغفر الإله «رع».
إيزيس :
إذا كنت تؤمن بشريعة الإله رع، فلماذا تبقى معنا؟
الكاهن :
لقد ولدت في هذا المعبد، وما زلت أذكر المرحوم أباك بالخير.
إيزيس :
وأمي؟ ألا تذكرها بالخير؟
الكاهن :
رحمة الإله «رع» على أمك نوت ... لا أريد أن أتكلم عنها بسوء ... ليرحمها الإله رع ويغفر لها خطاياها.
إيزيس :
لماذا لا تذهب وتخدم في معابد الإله «رع»؟ هناك القرابين كثيرة والذبائح.
الكاهن :
هنا المعبد حيث ولدت، وذكريات طفولتي، أخلصت لأبيك، وكنت أود أن أخدم في المعبد، وأموت فيه كما ولدت فيه، لكني لم أعد أتلقى أي ذبائح ولا طعام من الناس ... سأضطر للرحيل ... نعم سأضطر إلى الرحيل. (يتجه الكاهن إلى باب الخروج، لكن أوزوريس يستوقفه.)
أوزوريس :
لا ترحل يا سيدي، وابق معنا ... سنجد لك عملا خفيفا يناسب سنك تعيش منه.
الكاهن :
أي عمل هو إهانة لي يا سيدي؛ نحن الكهنة لا نعمل ولسنا من العبيد. تعودت الجلوس في المعبد ويأتي إلي الطعام تحت قدمي ... لم أكن أعمل شيئا إلا عبادة الآلهة والصلاة لهم. وهذا عمل مقدس يحترمه الآلهة ويعرفون قدره ... لكن يبدو أن الأمر لم يعد مقدسا كذلك هنا في هذه القرية، لم تعد العبادة مطلوبة، ولم يعد أحد يقدس الآلهة؛ لم يعد لي مكان هنا، لا مكان لي إلا حيث تكون العبادة مطلوبة والآلهة مقدسة والكهنة لهم احترامهم وقدسيتهم.
إيزيس :
سيعز علينا فراقك بعد كل هذه السنين ... إلى أين تذهب؟
الكاهن :
أرض الإله «رع» واسعة ... (يخرج الكاهن بخطوات بطيئة من المسرح، يعود الأطفال يغنون وهم يحوطون إيزيس وأوزوريس، ويعود الجميع إلى العمل كما كانوا وهم يغنون ويرقصون على إيقاع اللحن والكلمات مع حركة الزراعة والشادوف وطحن الشعير ودوران الساقية.)
أوزوريس ...
يا قلب إيزيس،
يا إله الحب يا إله الطيبة،
أنت حي في قلب النيل،
في كل شجرة خضرا،
في كل قطرة ندا،
في كل نسمة،
في كل بسمة طفل ،
في كل أغنية،
أنت حي يا أوزوريس،
في قلب النيل وقلب إيزيس ...
المشهد الثاني (الإله «رع» استدعى «سيت» لأمر عاجل خطير.سيت واقفا، مرتديا خنجره أمام عرش الإله «رع»، لم يظهر الإله «رع» بعد، سيت يتحدث إلى كبير كهنة رع.)
سيت :
لا بد أنه أمر خطير حتى يستدعيني الإله الأعظم «رع» بهذا الشكل المفاجئ.
كبير الكهنة :
نعم، إنه جد خطير ... وقد طلب مني الإله الأعظم أن أخطرك بما حدث، وقد أصدر أمره بقتل العبد فورا، وعليك التنفيذ.
سيت :
أي عبد هذا؟
كبير الكهنة :
إنه أحد عبيد الإله الأعظم «رع» المكلفين بالخدمة والنظافة داخل الجناح المخصص لحريم الإله.
سيت :
وماذا فعل هذا العبد؟
كبير الكهنة :
ضبطه الإله الأعظم في الفراش مع واحدة من حريم الإله ... وهي ليست أي واحدة منهن، ولكنها المفضلة لديه عنهن جميعا. وقد اختارها لتكون زوجته تنجب له وريث العرش؛ وقد أحاطها بحبه ورعايته، وحوطها بسياج منيع كالحصن ... لا ترى أحدا ولا يراها أحد. الإله الأعظم كرمها وعززها وجعلها لا تعمل شيئا إلا أن تأكل وتنام، حتى يداها لا تغسلهما بعد الأكل، ويقوم العبيد والخدم بغسلهما، كانت المفضلة لديه، وأفضل اللحوم والذبائح تذهب إليها، ويلبي لها الإله الأعظم كل طلباتها ...
سيت :
وماذا حدث؟
كبير الكهنة :
كان الإله الأعظم يتردد عليها من حين إلى حين، بعد أن يفرغ من مشاغل السماء والأرض والكواكب، وكان يمنحها كل الحب وكل الرعاية، ووعدها دون كل حريم الإله أن تكون له الزوجة الوفية تنجب له الابن الذي يرث قرص الشمس من بعده.
سيت :
وماذا حدث؟
كبير الكهنة :
كان من عادة الإله الأعظم أن يزورها بالليل، لكن الشوق إليها فاجأه بالأمس في عز النهار، فتركنا في زحمة العمل وذهب إليها، لكنه عاد بعد لحظات غاضبا أشد الغضب ...
سيت :
ماذا حدث؟
كبير الكهنة :
وجدها في الفراش مع ذلك العبد الحبشي الأسود الذي كان خادما في البلاط.
سيت :
يا للهول! يا لفسق النساء!
كبير الكهنة :
أمر الإله الأعظم بقتل العبد فورا وكتمان الأمر خشية على سمعة الحريم .
سيت :
وهل أمر بقتلها أيضا؟ لا بد أن يذبح الاثنان فورا، وبهذا الخنجر!
كبير الكهنة :
أمر الإله الأعظم بقتل العبد فقط ...
سيت :
وهي؟ الخائنة! ألا تستحق القتل؟! لقد فرطت في شرف الإله الأعظم، كيف نتركها؟
كبير الكهنة :
لم يأمر الإله الأعظم «رع» بقتلها.
سيت :
لماذا؟
كبير الكهنة :
لا أعلم، ربما له حكمة في ذلك، فهي حامل، وسوف تلد بعد شهر واحد ابن الإله وريث العرش.
سيت :
ربما لا يكون ابن الإله الأعظم، ويكون ابن ذلك العبد الحبشي الأسود!
كبير الكهنة :
أقسمت للإله الأعظم أن العبد لم يلمسها.
سيت :
كيف لم يلمسها؟ وضبطت معه في فراش واحد؟
كبير الكهنة :
أقسمت للإله الأعظم أنها كانت نائمة حين أحست بشيء إلى جوارها، وفتحت عينيها لترى ذلك العبد الأسود إلى جوارها، وكادت تصرخ لكنه كتم فمها بيده، وفي تلك اللحظة دخل الإله الأعظم «رع» ...
سيت :
أنا لا أثق في أي امرأة! وهل يصدقها الإله الأعظم «رع»؟
كبير الكهنة :
لا أعلم، ولكنها أقسمت له أنها شريفة ولم يلمسها أحد إلا هو، ولا تحمل في أحشائها إلا ابنه هو.
سيت :
إنها كاذبة.
كبير الكهنة :
قد تكون كاذبة، وقد تكون صادقة، فالحقيقة لا يمكن أن يعرفها أحد إلا هي.
سيت :
هي تعرف الحقيقة، لكن كيف نعرف نحن الحقيقة، كيف يعرف الإله «رع» أن المولود سيكون ابنه هو وليس ابن الحبشي العبد.
كبير الكهنة :
بعد الولادة سنعرف الحقيقة، إذا كان المولود أسود البشرة بلون أبيه، فهي خائنة وتقتل هي وابنها، وإذا كان المولود أبيض البشرة ورث عن أبيه الإله الأعظم الملامح المقدسة النورانية، فهي بريئة ونعلن عن مولد وريث العرش.
سيت :
كم هو مفزع أن يرث عرش السماء إله أسود البشرة! (يدخل الإله «رع»، تحوطه هالة من ضوء الشمس على شكل دائري كالقرص، من خلفه يدخل بعض أفراد الحاشية ومعهم العبد الحبشي الأسود مقيدا بالسلاسل، الإله «رع» يصعد إلى عرشه ويجلس.)
الإله رع :
هذا العبد الأسود، أمرت بقتله وتمزيقه أمامي ... الآن.
سيت (شاهرا خنجره) :
أمرك أيها الإله الأعظم «رع». (يندفع سيت نحو العبد ليضرب عنقه، لكن الإله رع يستوقفه.)
الإله رع :
قبل أن تقتله، أريد منك أن تستأصل خصيتيه، أريد أن أراه أمامي جسدا بلا ذكورة وبلا رجولة كجسد المرأة سواء بسواء ...
سيت :
أمرك يا أيها الأعظم «رع». (العبد يتوسل ويستعطف في فزع وذل.)
العبد :
أقسم بك أيها الأعظم أنني بريء ... لم أفعل شيئا ... أقسم أنني لم ألمسها ... كنت أنظف الغرفة حين طلبت مني أن أناولها كوبا من الماء ... (لا أحد يستمع إلى توسلات العبد.)
الإله رع :
اقطع من جسده تلك القطعة من اللحم التي صورت له أنه رجل يمكن أن يتجرأ ويتطلع إلى واحدة من حريم الإله ... انزعها عن جسده بالسكين ليدرك أنه عبد مخصي ذليل ولا مكان له بين الرجال، ولا خوف منه على حريم العبيد، فما بال حريم الإله! (سيت يفعل ما أمره به الإله رع. يمسك أفراد الحاشية العبد ويفتحون ساقيه، وبالسيف يستأصل سيت الخصيتين والعضو الذكري، العبد يصرخ ويئن في ألم وفزع.)
الإله رع :
الآن، انظر إلى نفسك أيها العبد، هل أنت رجل؟ هل في إمكانك أن تلمس امرأة من العبيد، فما بال أن ترفع عينك إلى واحدة من حريم الإله المقدسات؟!
سيت :
هل تأمر بقتله الآن يا أيها الإله العظيم؟
الإله رع :
لا! لا تقتله، أريد أن يعيش في عذاب وذل وهوان، أريد له أن يظل عبدا مخصيا يخدم حريم الإله دون أن أخشى منه شيئا ... (الإله يضحك بسخرية ويقهقه، صدى صوته يتردد في الكون.)
الإله رع :
خذوه إلى حيث العبيد والخدم، خذوا هذا الكائن الغريب المشوه ... أهو أنثى؟ أو خنثى؟! (يضحك الإله رع ويقهقه بصوت عال.) (أفراد الحاشية يجرون العبد على الأرض تنزف منه الدماء، ويئن بصوت مكتوم خافت.)
الكاهن :
لقي جزاءه أيها الإله الأعظم.
سيت :
كنت أود أن أقتله وأشرب من دمه.
الإله رع :
الموت عند الرجل أخف من الإخصاء ... إنه عقاب رادع، وحين يراه بقية العبيد في البلاط بهذا الشكل يخافون ولا يفكر الواحد منهم في تكرار فعلته .
سيت :
وهل يجرؤ واحد منهم على تكرار ذلك أيها الإله العظيم؟
الإله رع :
ما دام قد حدث مرة، فلماذا لا يحدث مرة أخرى؟ هؤلاء العبيد خونة بالطبيعة ولا أمان لهم، إنهم من سلالة الحيوانات، تغلبهم غرائزهم، ولا يعرفون المثل العليا أو الأخلاق أو الفضيلة ... مثلهم مثل النساء ...
سيت :
نعم أيها الإله الأعظم رع ... المرأة بطبيعتها خائنة ولا يمكن أن ترضى برجل واحد، وإن كان هو الإله الأعظم رع.
الإله رع :
لكن المشكلة أننا لا يمكن أن نحصل على أبناء يرثون العرش من بعدنا بدون المرأة، لو كان الرجل يحمل ويلد لاستغنينا تماما عن النساء.
الكاهن :
في مقدورك أيها الإله الأعظم أن تجعل الرجل قادرا على الحمل والولادة.
الإله رع :
لكن الحياة بغير نساء تصبح مملة، ومن السهل أن نتحكم فيهن، ونخضعهن لإرادتنا وشريعتنا، هذا أسهل علي من أن أجعل الرجال يحملون ويلدون.
سيت :
مشكلة المرأة أيها الإله العظيم أن شهوتها للخيانة عارمة ولا يمكن أن تقنع برجل واحد.
الإله رع :
لا بد من إقناعها بالقوة ...
سيت :
لا بد أن نفرض عليها الإخلاص بقوة السلاح.
الكاهن :
وأن نحكم بالإعدام على المرأة الخائنة.
الإله رع :
أخشى أن نحكم بالإعدام على جميع النساء بهذه الطريقة ... أليست هناك طريقة أخرى أفضل، لا نقضي بها على الجنس كله.
الكاهن :
ليس كل النساء خائنات أيها الإله العظيم.
الإله رع :
بالطبع، ولكن كيف تعرف الخائنة من غير الخائنة ... كلهن يبكين براءة ويقسمن أنهن بريئات.
سيت :
لهن قدرة على الكذب والخداع أيها الإله الأعظم.
الإله رع :
لا بد من اكتشاف طريقة نعرف بها المذنبة من البريئة.
الكاهن :
نضعها في مياه النيل أيها الإله الأعظم، فإن طفت على السطح وحملتها المياه المقدسة إلى أعلى فهي بريئة طاهرة، وإن تركتها المياه تغطس فهي مذنبة.
الإله رع :
فكرة لا بأس بها، ولكني أخشى أن تغطس جميع النساء.
الكاهن :
في هذه الحالة، فإن الوقاية خير من العلاج أيها الإله الأعظم.
الإله رع :
ماذا تعني بالوقاية؟
الكاهن :
أن نقي المرأة من شهوتها الزائدة عن الحد، فالمرأة كالعبد تحكمها غرائزها، الشهوة عند المرأة أكبر من عقلها، وعلينا أن نحد من هذه الشهوة فتخضع المرأة لرجل واحد.
الإله رع :
وكيف نفعل ذلك؟
الكاهن :
أن نستأصل من جسدها عضو الشهوة أيها الإله الأعظم عن طريق الختان.
الإله رع :
أتريد أن نخصي النساء كما خصينا ذلك العبد.
الكاهن :
نعم أيها الإله الأعظم، بخلاف أن عملية الإخصاء عند العبد تحرمه القدرة على الإنجاب، لكن عملية الختان عند المرأة تحرمها الشهوة فقط وتظل قادرة على الإنجاب.
سيت :
خلقت المرأة للإنجاب وليس لأي شيء آخر.
الإله رع :
فكرة لا بأس بها، ولكني أخشى أن تنقرض شهوة الرجال بانقراض شهوة النساء.
الكاهن :
لا أيها الإله الأعظم، ستظل شهوة الرجال كما هي، بل قد تزيد.
سيت :
الحل الأمثل أيها الإله الأعظم هو أن نحمي جسد المرأة داخل صندوق من الحديد له مفتاح نسميه حزام العفة، نغلقه حين نغيب ونفتحه حين نعود، هذا هو الضمان الوحيد، ولا يمكن لأي رجل أن يفتح الصندوق في غيابنا.
الكاهن :
وإذا ضاع المفتاح وعثر عليه رجل من العبيد أو الخدم؟
سيت :
يقتل ويخصى على الفور كما فعلنا مع ذلك العبد.
الكاهن :
في هذه الحالة، الوقاية خير من العلاج أيها الإله الأعظم.
الإله رع :
ماذا تعني بالوقاية؟
الكاهن :
أن نقي المرأة من شهوة العبد، وتأمر بإخصاء جميع الخدم الذين يدخلون إلى جناح الحريم.
الإله رع :
فكرة جميلة، نضرب عصفورين بحجر واحد، نحمي الحريم ونطمئن إلى نسب أبنائنا إلينا، ونقلل نسل الخدم، وينخفض عدد الأبناء من سلالة العبيد. (يضحك الإله رع في سرور، ويصيح قائلا): أمرنا بإخصاء جميع الخدم والعبيد في بلاطنا المقدس، وأمرنا بختان جميع النساء والبنات من حريمنا المصون. (يدخل أحد الحراس يعلن عن وجود كاهن يرغب في لقاء الإله رع، يأمر الإله رع بدخوله، يدخل الكاهن - الذي ترك معبد إيزيس - بخطوات بطيئة، وحين يصل بالقرب من الإله رع يركع خاشعا.)
الإله رع :
ماذا تريد؟ ومن أين جئت؟
الكاهن العجوز :
جئت من قرية بعيدة على ساحل المنزلة اسمها خبيت ...
الإله رع :
ولماذا تركت قريتك؟ ما الذي حدث؟
الكاهن :
أيها الإله الأعظم «رع»، لا أريد أن أخون العيش والملح واللحم الذي أكلته في معبد الإله «جيب». الأحوال تغيرت وكفر الناس بالآلهة، ولا أحد منهم يقدم ذبائح ولا قرابين.
الإله رع :
أهناك من يخالف أوامري؟
الكاهن :
أيها الإله الأعظم رع، لا أريد أن أخون الإله «جيب»، خدمت في معبده السنين، وكنت أود أن أموت حيث ولدت، ولكني لم يعد لي مكان في تلك القرية، ولا أحد يأتي إلى المعبد ليصلي أو يقدم الطعام لي؛ شغلتهم أمور الدنيا عن الصلاة والعبادة، وانشغلوا بالزراعة والعمل، وتلاشت الفوارق بين الأسياد والعبيد، ولم يعد للكهنة كرامة ولا مورد رزق، وقلت للإلهة إيزيس وزوجها الإله أوزوريس إني كاهن ولا يصح لي أن أعمل كالعبيد لكن ...
الإله رع (يقاطعه) :
ماذا قلت؟ الإلهة إيزيس والإله ماذا؟ أهناك آلهة آخرون فوق الأرض غيرك يا سيت؟! وأوزوريس؟ ألم يمت منذ سنين؟!
الكاهن العجوز :
أعادت له الإلهة إيزيس الحياة، وهما يعيشان معا، وأنجبا ابنهما حوريس، وقلت لهما إنني كاهن ولا يصح للكهنة أن ...
الإله رع (يقاطعه) :
وأنجبا ابنهما حوريس؟! أتعرف كل هذا يا سيت؟! ...
سيت :
لا يا أيها الإله الأعظم «رع»، هذه أنباء غريبة، ولا نعرف مدى صحتها.
الإله رع :
تأكد من صحتها، إن كانت كاذبة فليقتل هذا الرجل لكذبه علينا، وإن كانت صحيحة فقد أصدرت أوامري بقتل ذلك الإله المزيف أوزوريس، وقتل ابنه حوريس، أما إيزيس فهي امرأة زانية تستحق الموت حرقا أو رجما بالحجارة.
سيت :
أوامرك كلها مطاعة أيها الإله الأعظم «رع». (سيت يتجه إلى الكاهن العجوز.)
سيت :
وأنت أيها الكاهن، تعال معي وأرشدني إلى هذه القرية على ساحل المنزلة التي اسمها خبيت ... لا شك أنها قرية خبيثة تستحق الحرق! (يخرج سيت ومعه الكاهن العجوز. يبقى على المسرح الإله رع وكاهنه.)
الإله رع :
لن تهدأ إيزيس حتى تؤلب علينا الفلاحين من سلالات العبيد.
الكاهن :
والنساء أيضا أيها الإله الأعظم ... وإذا توحدت صفوف النساء مع صفوف العبيد لم يعد للأسياد والآلهة مكان في عرش السماء أو الأرض ... ولم يعد للكهنة كرامة ولا طعام كهذا الكاهن العجوز.
الإله رع :
علينا بقمع الثورة في مهدها.
الكاهن :
لنبدأ أيها الإله الأعظم بإخصاء العبيد وختان النساء، إن الذي لا يعرف شهوة الجنس لا يعرف شهوة الحكم، ومن السهل إخضاعه.
الإله الأعظم :
نعم نعم ... لنبدأ ... (ظلام كامل على المسرح. ثم يظهر صف من العبيد، واقفين شبه عراه، أحد الكهنة يرتدي معطفا أبيض كالأطباء وفي يده مشرط، يتولى عملية إخصاء العبيد.) (ظلام كامل وصمت، لا يسمع إلا صرخات العبيد في ألم واستجداء.) (ثم يظهر على المسرح صف من البنات شبه عاريات، الكاهن الطبيب نفسه في يده المشرط ... يتولى عملية ختان البنات.) (ظلام كامل وصمت، لا يسمع إلا صرخات البنات في ألم واستجداء.)
المشهد الثالث (في الساحة الكبيرة، أمام بيت إيزيس وأوزوريس في قرية «خبيت» على ساحل المنزلة، إيزيس وأوزوريس وحوريس ومعات يشاركون الفلاحين والفلاحات الزراعة والري وبناء جسور النيل. يشتركون جميعا في الغناء وهم يجمعون القطن الأبيض من الشجر.) (غناء المجموعة مع الرقص والإيقاع):
نورت يا وادي النيل،
يا حلاوة عليك يا جميل،
افرحوا يا بنات النيل،
دا إله الخير والطيبة،
أوزوريس يا قلب إيزيس،
ارقصوا يا بنات النيل. (يقطع الغناء والرقص، صوت إحدى الفلاحات تنادي بصوت فيه فزع): إيزيس ... إيزيس ...
الفلاحة (ترتعد في خوف وهي تحكي لإيزيس ماذا رأت) :
رأيتهم قادمين من بعيد كالشياطين، يحملون الخناجر والسيوف ...
إيزيس :
من هم؟
الفلاحة :
لا أعرف ... ولكني سمعت من يقول إنهم جنود الملك سيت.
إيزيس : «سيت»؟!
الفلاحة (في فزع) :
فلتهرب بسرعة ... تعال معي يا حوريس، لنختف بسرعة عن أعينهم ... وأنت يا إيزيس ويا أوزوريس اهربا ... اختفيا ... لن يتركوا أحدا هذه المرة ... (معات تجري بسرعة وفي يدها تمسك بيد حوريس، يختفي الناس بسرعة في فزع.) (ظلام كامل على المسرح وصمت.) (ثم يسمع صوت أقدام الجنود الحديدي وهم يروحون ويجيئون يبحثون.) (يضيء المسرح.) (يظهر أوزوريس مقيدا بالسلاسل، ومن حوله الجنود ورئيس الجيش.) (يدخل الملك «سيت» شاهرا خنجره.)
سيت :
ألم تعثروا على إيزيس؟
رئيس الجيش :
لا يا مولاي ... بحثنا في كل مكان ولا أثر لها.
سيت :
ومن هذا الرجل؟
رئيس الجيش :
يقولون إنه أوزوريس يا مولاي. (يقترب منه «سيت» وينظر إلى وجهه ويديه.)
سيت :
ليس هذا الوجه هو وجه أوزوريس ... هذا وجه واحد من الفقراء الفلاحين ... ويداه خشنتان مشققتان كأيدي الأجراء والعبيد ... ليس هذا الرجل هو أخي أوزوريس ابن إله الأرض جيب، ولا يمت بصلة لسلالة الآلهة، إنه من سلالة العبيد ...
سيت (مخاطبا أوزوريس) :
من أنت أيها الرجل؟
أوزوريس (رافعا رأسه بكبرياء) :
أنا أوزوريس زوج إيزيس.
سيت (غاضبا) :
يا لك من كذاب أفاق.
أوزوريس :
أنا لا أكذب، ليس من عادتي الكذب.
سيت :
إذا كنت أوزوريس زوج إيزيس، فلا بد أن تكون أخي. هل أنت أخي؟
أوزوريس :
لا! لست أخاك! ولا أريد أن أكون.
سيت (مخاطبا رئيس الجيش) :
أسمعت ما يقول؟
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي ... يقول إنه لا يريد أن يكون ...
سيت (مقاطعا) :
أترى كيف يقف هذا العبد رافعا رأسه أمامي أنا الملك «سيت».
رئيس الجيش :
نعم يا مولاي، إن رأسه مرفوع بكبرياء.
سيت :
اقطع رأسه فورا.
رئيس الجيش :
أمرك يا مولاي. (يتجه رئيس الجيش نحو أوزوريس.)
سيت (يستوقفه) :
قبل أن تقتله أريد منك أن تستأصل خصيته، اقطع من جسده تلك القطعة من اللحم التي صورت له أنه رجل يمكن أن يتجرأ ويتطلع إلى أختي إيزيس، فما بال أن يدعي أنه زوجها ... انزعها عن جسده بالسكين ليدرك أنه عبد مخصي من سلالة العبيد وليس أوزوريس ابن الإله جيب وشقيق الملك سيت ... (يقف رئيس الجيش مترددا عاجزا عن تنفيذ الأمر.)
سيت :
لماذا لا تنفذ أمري فورا؟!
رئيس الجيش :
أسهل علي أن أقطع رأسه يا مولاي ... (متلعثما)
مهما بلغت من القسوة فإنني لا أستطيع أن ...
سيت :
لا تستطيع؟! ماذا تقول؟ أتعني أنك عاجز عن تنفيذ أمري؟
رئيس الجيش :
عفوك يا مولاي ... لست عاجزا ... لكن ... (مترددا)
قطع الرأس أسهل ... فلنقطع رأسه ونستريح منه يا مولاي.
سيت :
سنقطع رأسه ونستريح منه، لكن قبل أن نفعل ذلك، أريد أن أراه أمامي رجلا بلا رجولة، ذكرا بلا ذكورة ...
رئيس الجيش :
وماذا يبقى للرجل إذا فقد ذكورته؟! الموت أرحم من عملية الإخصاء ...
سيت :
لا أريد أن أرحمه، أريد له أن يتعذب قبل أن يموت، أريد له أن يشعر بالألم الحارق في جسده في الموضع ذاته حيث شعر باللذة؛ اللذة المحرمة على أمثاله من العبيد، وهي التطلع إلى الحريم من سلالة الآلهة والملوك. (رئيس الجيش ما زال واقفا مترددا.)
رئيس الجيش :
أخشى يا مولاي ... ألا أستطيع؛ يداي ترتجفان ... يا مولاي.
سيت :
يبدو أنك متعب ... تعال أنت ... (يشير سيت إلى أحد الجنود المسلحين، ويأمره بإخصاء أوزوريس؛ ينفذ الجندي أمر الملك سيت فورا، يقطع خصيتي أوزوريس بالسيف، ويلقيهما على الأرض.) (رئيس الجيش يخفي عينيه بيديه وهو واقف.) (أوزوريس يتحمل الألم دون أن يئن ودون أن يحني رأسه وهو واقف.)
سيت (غاضبا) :
ألا تزال تقف أمامي رافعا رأسك؟! اقطع هذا الرأس فورا! (يضرب الجندي رأس أوزوريس بالسيف.)
سيت :
مزق جسده إربا ... وبعثر أشلاءه في كل مكان ... بعثرها في الأرض والمستنقعات، أما هذه القطعة الصغيرة ... (يشير سيت بطرف خنجره إلى الأرض حيث ألقيت خصيتا أوزوريس.) : أما هذه القطعة الصغيرة من اللحم التي سببت له كل هذه المشاكل، فألقوها في النيل ليأكلها السمك! (يضحك «سيت»، ويلقي برأسه إلى الوراء، ويقهقه مقلدا حركات الإله «رع».)
المشهد الرابع (الدنيا ليل، المسرح ساكن مظلم والريح تصفر.) (إيزيس ترتدي الحداد وإلى جوارها ابنها حوريس ومعات، الضوء يسقط على الوجوه الثلاثة الصامتة الحزينة.)
معات :
لا أمل ما دام إله الشر يعيش، كل ما نبنيه يهدمه، وللمرة الثانية يقتل أوزوريس الإنسان الطيب.
إيزيس :
لم يقتله فقط، مزقه إلى أجزاء وبعثر أشلاءه في البحيرات والمستنقعات، وألقاه إلى سمك النيل! يا إلهة السماء ...! لا أكاد أتصور هذه الوحشية!
حوريس (شاهرا خنجره) :
تعلمت المبارزة، وسأنتقم لأبي!
معات :
معك الحق يا حوريس.
إيزيس :
لم يعد الحق وحده يكفي، لا بد من القوة ...
معات (في إرهاق) :
لم يعد لدينا قوة؛ هدد الناس وانفضوا من حولنا، حتى نوت ومسطاط عادوا إلى أوكارهم واختفوا؛ لم يعد معنا أحد، لن يكف «سيت» عن مطاردتنا حتى نترك الوطن أو نموت ...
إيزيس :
لن نترك الوطن ولن نموت، سنظل نقاوم حتى آخر نفس، وسوف يعود الناس إلينا حين يرون أننا لا نزال نقاوم ولم نستسلم ...
معات (في تعب) :
لم يعد في نفس. (تتهاوى معات جالسة فوق الأرض في إعياء.)
إيزيس :
نستريح قليلا ثم نواصل الطريق، لن نكف عن السير، لن نترك سيت ينتصر؛ انتصار «سيت» هو إخفاق للحق والعدل والخير والشرف، هو إخفاق لي ولك ولكل من يدافع عن الحق.
معات :
انتصار «سيت» معناه أن القوة فوق الحق.
إيزيس :
لا! الحق فوق القوة، لن نيئس يا معات؛ نحن صاحبات قضية، وأصحاب القضايا لا يعرفون اليأس.
حوريس (شاهرا خنجره) :
سأقتل سيت وأمزقه إربا بهذا الخنجر!
معات :
نعم يا حوريس، لا بد أن تثأر لدم أبيك ... ولكني أخاف عليك؛ «سيت» معه الجيش والقوة والسلاح والأرض ... معه كل شيء وليس معنا شيء.
إيزيس :
معنا الحق!
معات :
أنا أخاف ...
إيزيس :
ومعنا الناس ... الناس قوة حين تتجمع.
حوريس :
لن يهزم الخنجر إلا الخنجر!
إيزيس :
قوة الناس يا حوريس أقوى من الخنجر، قد ينتصر الخنجر مرة أو مرتين أو ثلاثا ... لكن قوة الناس هي السلاح الوحيد الذي ينتصر على المدى البعيد ...
حوريس :
دم أبي يطالبني بالثأر، ولن أهدأ حتى أبارز «سيت» وأقتله ...
إيزيس :
يا حوريس! ابني ... لقد علمتك الحكمة ... إذا كانت المعركة هي معركة بالخناجر، فسوف ينتصر «سيت»؛ إن مجاله الوحيد هو الخنجر، أما نحن فمجالنا هو العقل والحكمة والمنطق والعدل والقانون.
معات :
أي قانون؟ إنه يغير القوانين كما يشاء!
إيزيس :
سوف نفرض عليه قانون العدالة ...
معات :
وما هو قانون العدالة؟!
إيزيس :
قانون العدالة هو قانون الناس ... الأغلبية من الناس؛ سوف نعقد محاكمة شعبية ندعو فيها الناس، أكبر عدد من الناس ...
معات :
الناس يخافون؛ ولن يأتي أحد ...
إيزيس :
لماذا لا نجرب ... لن نخسر شيئا ...
ولنبدأ الاتصال بنوت ومسطاط.
معات :
اتصلي أنت بنوت ... إنه متردد ولا يحب الدخول في المعارك، أما مسطاط فهو مستعد للمشاركة في أي معركة من أجل العدل.
إيزيس :
سأتصل بنوت وأقنعه، إنه يؤمن بالعدل ويمكن أن ينضم إلينا إذا أحس أن معنا كثيرا من الناس. بعض الناس مثل مسطاط مستعدون دائما للدفاع عن الحق ويقفون في المقدمة ... في الخطوط الأمامية، وبعض الناس مثل توت يفضلون الانتظار قليلا حتى تتضح معالم المعركة.
معات :
مسطاط قوي المبدأ والإيمان بالعدل لا يهمه أن يكسب أو يخسر، لكن توت تهمه النتائج.
إيزيس :
ليس في الناس من هو شجاع مائة في المائة؛ الناس فيهم الأقوياء المناضلون، وفيهم الضعفاء المناضلون أيضا، وفي كل إنسان نواحي قوة ونواحي ضعف.
معات :
نعم.
إيزيس :
أتعرفين من طلب مقابلتي بالأمس؟
معات :
من؟
إيزيس :
رئيس الجيش.
معات :
جيش من؟
إيزيس :
جيش «سيت».
معات :
يا إلهة السماء! لا أكاد أصدق! ولماذا يطلب مقابلتك؟!
لا بد أنها مؤامرة ... لا تنسي أن سيت متآمر من الدرجة الأولى.
إيزيس :
لا ليست مؤامرة؛ عندي معلومات من بعض الناس تؤكد لي أنها ليست مؤامرة؛ لقد رفض رئيس الجيش أن ينفذ أمر «سيت» ويقتل أوزوريس ...
معات (بدهشة) :
رفض؟! لا أكاد أصدق، إنه رجل فظ لا يجيد شيئا مثل القتل ...
إيزيس :
لم يرفض قتله لكنه رفض التمثيل بجثته ... (صوت إيزيس يتمزق من الألم، تقاوم الدموع، تمسح عينيها وتكاد تنشج.)
إيزيس :
رفض أن يقطع ... رفض أن ...
معات (في ألم) :
أي إنسان من لحم ودم يرفض ... بل إن الوحش نفسه لا يستطيع أن يقوم بمثل هذه العملية الوحشية ...
إيزيس :
أصبحت أمرا مقدسا من عند الإله رع ... إخصاء العبيد من الرجال ... وختان البنات.
معات (تمسك رأسها) :
يا إلهة السماء نوت! الرحمة!
إيزيس :
إنها وحشية! عجزوا عن إخضاع الناس بالقانون والكتاب المقدس، فلجئوا إلى عملية الإخصاء والعنف البدني.
معات :
ومن يقوم بهذه العملية الوحشية؟!
إيزيس :
عجز رئيس الجيش أن يقوم بها، وجنوده أيضا عجزوا ... أصبح يقوم بها الكهنة ... وأصبح لكل كاهن مع الكتاب المقدس مشرط كموس الحلاق ...
معات (تمسك رأسها مرة أخرى) :
يا إلهة السماء نوت ، الرحمة من هذا العذاب!
إيزيس :
جاءني بالأمس رسول من عند رئيس الجيش يطلب مقابلتي ...
معات :
لن نخسر من المقابلة، لكني أخاف عليك يا إيزيس؛ ربما تكون مؤامرة. لا تقابليه أنت، سأذهب أنا وأقابله ...
حوريس :
سآتي معك، ومعي خنجري!
معات :
لا يا حوريس! سأذهب وحدي. إذا كان لديه شيء يقوله فلا بد أنه سر خطير، والأفضل أن أذهب وحدي ...
إيزيس :
سأبدأ الاتصال بالناس ... لا نريد أن نضيع وقتا ... لا بد أن «سيت» يستعد للهجوم علينا مرة أخرى، وكل دقيقة أصبح لها ثمن ... (ظلام على المسرح.)
المشهد الخامس (معات ورئيس الجيش في لقاء سري لا يعرف به أحد، المسرح مظلم، والدنيا ليل، لا يرى في الضوء الخافت إلا وجه معات، وإلى جوارها وجه رئيس الجيش.)
رئيس الجيش :
نعم، «سيت» أصبح كالوحش المجنون، يخيل إلي أنه فقد عقله.
معات :
السلطة المطلقة، القوة غير المحدودة تجعل الحاكم مستبدا، ثم تفقده عقله.
رئيس الجيش :
لا أقصد أنه فقد عقله ... ما زال يفكر ويخطط لقتل حوريس ابن أوزوريس ...
معات :
لن يكف «سيت» حتى يقضي تماما على إيزيس.
رئيس الجيش :
إنه رجل خطير، أخطر رجل عرفته. كنت ساعده الأيمن؛ وأعرف كيف يفكر، خدمته سنين طويلة، قدمت له خدمات كثيرة.
معات :
وما الذي جعلك تنقلب ضده؟
رئيس الجيش :
لا أعرف بالضبط، لكني لم أستطع أن أواصل هذه الوحشية. نعم، لقد قتلت كثيرا من الناس، كنت أشاركه كل هذه الوحشية، كنت سيفه وخنجره، لكني قررت التوقف. لا أعرف بالضبط لماذا توقفت! ربما هو المنظر الأخير، ربما لأنني كبرت في السن وتعبت وأريد أن أعمل شيئا صالحا قبل أن أموت.
معات :
هل أساء معاملتك؟ هل طردك من خدمته؟
رئيس الجيش :
لا، بالعكس؛ إنه يعاملني أحسن معاملة، يغدق علي النعم، لكني في أعماقي أحس التعاسة، منذ اشتغلت معه وأنا أحس التعاسة.
لا أدري لماذا؟ ربما هو الخوف؛ الخوف من انتقام الناس الذين أسأت إليهم، والخوف منه هو أيضا. كنت أخاف أن ينقلب ضدي؛ فهو رجل متقلب وليس له صديق، وهو دائم الشك، لا يثق في أحد، يتصور أن كل من حوله يتآمرون ضده، ويعملون في الخفاء مع إيزيس، وكنت أقسم له كل يوم على كتاب الإله رع المقدس إنني مخلص له، لكنه لم يكن يصدق أن أحدا يخلص له؛ ربما لأنه لم يكن يخلص لأحد، وتصور أن كل الناس مثله. ورأيته يتخلص من أعوانه الواحد وراء الآخر، كان يبدو لي أحيانا أنه عدو نفسه.
معات :
يا له من إنسان تعيس.
رئيس الجيش :
إنه التعاسة ذاتها، وقد نقل إلي تعاسته. لم أر في حياتي معه يوما واحدا سعيدا، رغم أنني كنت أزداد ثراء ونفوذا، لكنني لم أعرف السعادة، أصبحت الحياة في عيني بلا طعم وبلا معنى؛ وفكرت في الموت.
معات (بدهشة) :
أنت؟
رئيس الجيش :
قد لا تصدقينني، لقد حاولت الانتحار أكثر من مرة، لكني جبنت وتراجعت، وأخيرا قررت الانضمام لصفوف إيزيس. قلت لنفسي: إذا لم يكن من الموت بد فلأمت وأنا أساند الخير بدلا من أن أموت وأنا أساند الظلم، لا بد أنك تفهمين هذه الأحاسيس يا معات يا إلهة الحق والعدل.
معات :
ألا تزال تذكر أنني كنت إلهة الحق والعدل.
رئيس الجيش :
نعم، ولا أزال أذكر إلهة السماء نوت رغم كل شيء، وأقول لنفسي: قبل أن أموت وألتقي بها في الحياة الآخرة، فلأفعل شيئا خيرا، رغم كل الأخطاء والشرور فإن الإنسان ينطوي بطبيعته على الخير.
معات :
نعم، هذه هي فلسفة إيزيس، لكن الإله «رع» يقول العكس في كتابه المقدس.
رئيس الجيش :
يقول إن الإنسان شرير بالطبيعة، وإن الإله «رع» هو «الخير» ولا أحد سواه.
معات :
استولى الإله «رع» على كل شيء وجرد الإنسان من كل شيء.
رئيس الجيش :
ليس كل إنسان؛ إنه يقسم الناس إلى قسمين، الأسياد والعبيد ...
معات :
الملوك والحكام من الأسياد، والعبيد هم الفقراء والأجراء والفلاحون، والنساء.
رئيس الجيش :
الفقراء ليس لديهم ما يقدمون للإله الأعظم «رع»، لكن الملوك يقدمون الكثير ... كل يوم يقدم الملك «سيت» ثلاثة عجول على الأقل للإله الأعظم «رع»، هذه القرابين تكلف الدولة مبالغ طائلة ، والميزانية لم تعد تحتمل، لكن كهنة الإله الأعظم رع لا يكفون عن الطلبات وعددهم يتزايد وثرواتهم تتضاعف؛ أصبحوا قوة خطيرة أقوى من قوة الجيش، ومعهم سلاح خطيرا أخطر من السيف والخنجر، وهو سلاح الدين. يتكلمون بلسان الإله ويفرضون العنف والإرهاب، وكل من يعارضهم فهو كافر ويستحق الموت! حتى الإله «رع» نفسه لم يعد قادرا على السيطرة عليهم، وأصبحوا يفسرون كتابه المقدس كما يشاءون من أجل تخويف الناس وجمع الأموال وضرب الخصوم. معركة كبيرة في السماء لا أحد يعرف نهايتها. وقد شاخ الإله «رع» وأصبح طريح الفراش وفي أيامه الأخيرة، ولا نعرف من يرث عرش السماء من بعده.
معات :
أليس له وريث؟ ابن؟
رئيس الجيش :
له ابن من إحدى محظياته ضمن حريم الإله، لكنه دائم الشك فيه؛ يظن أنه ليس ابنه، والكهنة يقولون إنه ليس ابن الإله ...
معات :
لماذا؟
رئيس الجيش :
أنفه كبير، وأنف الإله «رع» ليس كبيرا. وأنف الإله «رع» مرفوع إلى أعلى نحو قرص الشمس، لكن أنفه ليس مرفوعا، يكاد يكون أفطس مثل أنوف العبيد.
معات :
ربما عشقت محظية الإله أحد عبيده.
رئيس الجيش :
هذا هو ما يؤمن به الملك «سيت»، إنه يتصور أن النساء خائنات بالطبيعة، ولا يولد له ابن حتى يشك فيه فيقتله ويقتل أمه؛ إنه لا يثق في أي امرأة.
معات :
لأنه لا يثق في نفسه.
رئيس الجيش :
لقد أصدر لي أمرا بقتل حوريس، وأعلن في الأبواق والمزامير أن حوريس ليس ابن أخيه أوزوريس وأنه ابن غير شرعي.
معات :
حوريس هو ابن إيزيس وابن أوزوريس.
رئيس الجيش :
نعم، وهو الوريث الشرعي للعرش، أنا أؤمن بهذا ومعي كثير من الناس؛ ولهذا طلبت مقابلة إيزيس.
معات :
ولماذا طلبت مقابلة إيزيس؟
رئيس الجيش :
لأطلعها على خطتي للتخلص من سيت.
معات :
أتنوي التخلص منه؟
رئيس الجيش :
إذا عاش «سيت» سيقتل حوريس حتما، وقد يقتل إيزيس أيضا، ويقتلنا جميعا؛ إن عطشه للدماء لا يرتوي ...
معات :
وما هي خطتك؟
رئيس الجيش :
أمرني بقتل حوريس، لكني شرحت له صعوبات اغتيال حوريس دون أن ينكشف الأمر ... وأن كثيرا من الناس يؤمنون بإيزيس وحوريس، وأن الأوضاع تغيرت في البلد ولم يعد من السهل أن نقتل حوريس هكذا ويمر الأمر بسلام كما حدث بعد مقتل أوزوريس في المرة الأولى والثانية.
معات :
وهل اقتنع؟
رئيس الجيش :
نعم، فهو يعرف كل شيء، وله عيون وجواسيس ينقلون إليه ماذا يحدث بين الناس ...
معات :
معنا كثير من الناس ...
رئيس الجيش :
وقد أقنعت «سيت» أن أفضل طريقة للتخلص من حوريس هو مبارزته مبارزة شريفة أمام الناس ...
معات :
سيتغلب «سيت» على حوريس؛ ما زال حوريس شابا صغيرا ...
رئيس الجيش :
بالطبع أعرف ذلك؛ وقد جهزت كل شيء لقتل «سيت» من الخلف. ليست المبارزة إلا وسيلة لاستدراجه وإقناعه بالوقوف أمام حوريس، ثم القضاء عليه دون أن يشعر أحد ...
معات :
إنها مخاطرة قد تودي بحياة حوريس.
رئيس الجيش :
دبرت كل شيء بإحكام لنضمن سلامة حوريس، ثم توريثه العرش.
معات :
ما زالت المبارزة مغامرة غير مضمونة النتائج ...
رئيس الجيش :
لا شيء في الحياة مضمون النتائج ...
معات :
وإيزيس لا تؤمن بالمبارزة والانتصارات بواسطة الخنجر وحد السيف. إنها تريد أن تقدم «سيت» لمحاكمة شعبية أمام الناس.
رئيس الجيش :
أي محاكمة؟! وبأي قانون؟ لقد غير «سيت» الدستور والقانون، وجعل نفسه إله الأرض بعد إله السماء «رع». أما القضاء فلم يعد عندنا قضاة يحكمون بالعدل ... اشترى الملك «سيت» القضاة بالمال والمناصب بمثل ما اشترى الكتاب والمفكرين ونافخي المزامير.
معات :
لم يشتر «سيت» كل الناس؛ ما زال كثيرون يؤمنون بالحق ومستعدون للدفاع عنه في محكمة عادلة.
رئيس الجيش :
لن يستطيع أحد أن يقف أمام «سيت» أو حتى يعارضه.
معات :
بعض الناس تعارضه. ألم تقرأ ما كتبه توت ومسطاط؟!
رئيس الجيش :
معارك وهمية فوق الورق ليس إلا ... توهم بعض الكتاب أنهم أبطال؛ ولذلك لم يمسهم الملك «سيت» بأي سوء، بل بالعكس، كان يحميهم حين نرغب في البطش بهم، ويقول لنا دعوهم يكتبون وينقدون، فهم غير ضارين لنا، بل إنهم مفيدون، يؤدون دور المعارضة ويوهمون الناس أنني حاكم غير مستبد، أشجع النقد ، وأومن بالحرية.
معات :
يا له من داهية!
رئيس الجيش :
إنه رجل خطير، متآمر، ولا يمكن أن نحاربه بغير سلاحه؛ التآمر ...
معات :
لن تقبل إيزيس التآمر ... أنا أعرفها، هي مصممة على المحاكمة الشعبية العلنية، وأن يعطى كل طرف فرصته الكاملة للاتهام والدفاع، وأن يترك الحكم النهائي للشعب.
رئيس الجيش :
ما زالت المحاكمة مغامرة خطرة غير مضمونة النتائج.
معات :
لا شيء في الحياة مضمون النتائج.
رئيس الجيش :
نعم.
معات :
أنا مقتنعة برأي إيزيس، وكثير من الناس معها في الرأي ...
لا تنس أنها كانت إلهة العقل والحكمة ...
رئيس الجيش :
لم أنس ... ولم أنس أمها نوت إلهة السماء ... ولا معات إلهة الحق والعدل ...
معات :
سأكون أنا إلهة الحق والعدل في المحاكمة الشعبية، وسيكون معي بعض القاضيات والقضاة من ذوي الضمائر الحية التي لم تمت ...
رئيس الجيش :
أمرك يا إلهة الحق والعدل. أنا عبدك المخلص؛ فبماذا تأمرين؟!
معات :
عليك إقناع الملك «سيت» بالحضور إلى المحاكمة.
رئيس الجيش :
سأحاول إقناعه، لا أعرف النتائج بعد، لكني سأحاول، أعدك أنني سأحاول.
المشهد السادس (الساحة الشعبية تحولت إلى محاكمة كبيرة، يشهدها عدد كبير من الناس ... فلاحون وفلاحات وتجار وصناع وكتاب، وغير ذلك من فئات المجتمع المختلفة وطبقاته. الفقراء والفلاحون والعبيد يفترشون الأرض.) (على يمين الساحة يجلس الملك سيت مرتديا خنجره ومن حوله أعوانه، ومنهم رئيس الجيش وبعض الكهنة، فوق رأس الملك سيت صورة مكبرة لقرص الشمس، داخلها الحروف من النور: الإله الأعظم «رع».) (على يسار الساحة تجلس إيزيس ومن حولها أعوانها، ومنهم معات وتوت ومسطاط وحوريس أيضا ومعه خنجره.) (يبدأ الملك «سيت» الكلام بصوت عال.)
سيت :
باسم الإله الأعظم «رع» نفتتح الجلسة ...
إيزيس (معترضة) :
ليس لك حق الكلام يا سيت ... وليس لك حق رئاسة الجلسة ... أنت أحد المتهمين، والمتهم لا يرأس المحكمة ... لا يرأس المحكمة إلا شخص محايد ... أليس كذلك يا معات يا إلهة الحق والعدل.
معات :
نعم، نريد رئيسا للمحكمة من القاضيات أو القضاة المحايدين ...
سيت (معترضا) :
أنا رئيس المحكمة بأمر من الإله الأعظم «رع».
إيزيس :
لا يمكن أن تكون قاضيا ومتهما في آن واحد، ثم إن أوامر الإله «رع» لا تسري في هذه المحاكمة؛ إنها محاكمة شعبية، وليس كل الحاضرين والحاضرات يؤمنون بالإله «رع». آلهة السماء متعددة، والأديان متعددة، ولا يمكن أن تفرض في هذه المحكمة العادلة إلها واحدا أو دينا واحدا ...
رئيس الجيش :
هذا كلام منطقي يا مولاي ... الآلهة كثيرون ... نحن نؤمن بالإله الأعظم «رع»، هذا صحيح، لكن غيرنا لا يؤمن به.
سيت (مندهشا) :
أنت تقول هذا الكلام؟!
رئيس الجيش :
يا مولاي الملك، هذه محكمة عادلة، والعدل هو ألا يسود إله على إله إلا بالحق ...
سيت (غاضبا) :
الإله الأعظم «رع» هو الحق ولا حق غيره. (يتقدم أحد الكهنة إلى الأمام، وهو رجل عجوز، بطيء الحركة ... يتقدم إلى الأمام بخطوات بطيئة واثقة، الناس تسكت وتنظر إليه.)
الكاهن العجوز :
أيها الناس، نحن الآن في هذه المحكمة الشعبية العادلة، والعدل هو أن الحق فوق القوة، وفوق السلطة ... أي سلطة في السماء أو فوق الأرض. لن يحكمنا في هذه الساحة إلا المنطق والعدل والعقل والدليل والبرهان. والحكم في النهاية لكم أنتم أيها الناس، الشعب هو صاحب السلطة الحقيقية ... (الناس تصفق له في تشجيع وسرور.)
إيزيس :
لماذا لا ننتخب هذا السيد الحكيم العادل رئيسا للمحكمة ... (الناس تصفق في تشجيع وتأييد.)
إيزيس :
لا نريد تصفيقا ... من يؤيد انتخاب هذا السيد رئيسا للمحكمة يرفع يده. (أغلبية الناس ترفع يدها فيما عدا سيت وأعوانه.)
معات :
الأغلبية توافق ... (يصعد الكاهن العجوز إلى حيث يرأس المحكمة، أمامه منضدة ومطرقة، يدق بها ويعلن قائلا):
رئيس المحكمة :
باسم الشعب نفتتح الجلسة.
سيت (يصيح معترضا) :
إني أعترض ...
رئيس المحكمة :
لم أسمح لك بالكلام يا سيت! ... (الصمت يدب في المحكمة، حتى سيت يسكت مندهشا.)
رئيس المحكمة :
والآن من يريد أن يبدأ الكلام ...
سيت (صائحا) :
أنا أريد أن أبدأ.
رئيس المحكمة :
هل يعترض أحد؟
إيزيس :
لا، ليبدأ هو ...
رئيس المحكمة :
هل يعترض أحد؟ (أصوات تعلن): لا.
سيت :
إني أتهم هذا الولد الذي اسمه «حوريس» بالنصب والاحتيال، فهو يدعي أنه ابن أخي «أوزوريس »، وهو ليس ابن أوزوريس الشرعي. لقد ولد هذا الابن بعد موت أخي أوزوريس بخمس سنين، ولد في قرية اسمها خبيت على ساحل بحيرة، وهو يدعي كاذبا أنه ابن أخي أوزوريس لمجرد الاستيلاء على العرش. (حوريس يتقدم شاهرا خنجره.)
حوريس :
أنا ابن أوزوريس، أوزوريس هو أبي، وأمي هي إيزيس، وقد قتل «سيت» أبي ومزقه إلى أجزاء، وسوف أنتقم لأبي ... لن تنجو من الموت يا سيت ... من قتل يقتل، هذا هو العدل! (سيت يتقدم نحو حوريس شاهرا خنجره.)
سيت (غاضبا) :
هذا الولد ابن الحرام والزنا، لا بد أن أمزقه إربا ... (يكاد سيت وحوريس يتبارزان بالسيوف، لكن الناس تحول بينهما، يدق رئيس المحكمة بالمطرقة ويعود الهدوء.) (بعض أعوان «سيت» يهتفون): اقتلوا الزانية ... ارجموها بالحجارة حتى الموت. (رئيس المحكمة يدق بالمطرقة؛ يعود الهدوء.)
معات :
إيزيس تطلب الكلمة يا رئيس المحكمة.
رئيس المحكمة :
الكلمة الآن لإيزيس. (بعض أعوان سيت يرددون): اقتلوها!
سيت (صائحا) :
شوهت شرف الأسرة ... (رئيس المحكمة يدق بالمطرقة ويعود الهدوء.)
إيزيس :
من الغريب أن يتحدث الملك سيت عن الشرف! أي شرف تتحدث عنه أيها الملك العظيم؟! وأين كان ذلك الشرف حين طعنت الإنسانة التي منحتك الحياة وهي أمك نوت؟! وأين كان ذلك الشرف حين قتلت أخاك أوزوريس لمجرد الاستيلاء على العرش؟! أين كان ذلك الشرف حين كان أعوانك يسرقون وينهبون ويخطفون إلى جانب الاغتصاب؟! أين كان ذلك الشرف حين أمرت بإخصاء الرجال من العبيد وختان البنات؟! أي شرف هذا الذي تتكلم عنه يا أخي العزيز «سيت»؟! وتتهم من في شرفها؟ إيزيس؟ ألا تعرف أن شرف إيزيس لا يستطيع أحد أن يشوهه إلا إيزيس نفسها؟ إن شرفي يا سيت نابع مني أنا، من أعمالي، من حبي للعدل، من دفاعي عن الحق، الشرف هو العدل، والعدل هو الفضيلة. (الناس تهتف بحماس مرددة): الشرف هو العدل والعدل هو الفضيلة! (رئيس المحكمة يدق بالمطرقة ويعود الهدوء.)
رئيس المحكمة :
الهتاف ممنوع داخل هذه المحكمة.
سيت :
لا أحد يختلف حول المعاني العامة للشرف والفضيلة والعدل، لكن السؤال المحدد الذي أوجهه الآن لإيزيس هو: هل حوريس ابن شرعي أم ابن غير شرعي؟ هذا هو السؤال بالتحديد!
إيزيس :
حوريس ابن شرعي لي. أنا أمه إيزيس، وأعترف أنه ابني. (الناس تهتف بحماس): حوريس ابن إيزيس ... حوريس ابن إيزيس! (يدق الرئيس المطرقة ويعود الهدوء.)
سيت :
هل هو ابن شرعي لأبيه أوزوريس؟ ...
الابن ينسب للأب وليس للأم، هذه هي شريعة الإله الأعظم «رع».
معات :
هذه المحكمة كما قلنا سابقا محكمة حرة مستقلة ومحايدة ... لا تريد إقحام الإله رع أو أي أحد من الآلهة في هذه الجلسة، أليس كذلك يا رئيس المحكمة؟
رئيس المحكمة :
بلى، ليس لك يا سيت أن تستعين بأي من الآلهة في هذه المحكمة ...
سيت :
أقسم إن ...
معات :
حين يعجز عن الرد يلجأ إلى القسم.
سيت :
أقسم بالإله الأعظم «رع» إنه لا يوجد في السماء إلا إله واحد، هو الإله «رع». (يضحك الناس من المفارقة.)
معات :
كيف تقسم بالإله «رع» أنه لا يوجد إلا الإله رع؟!
لا بد أن تقسم بإله آخر ليكون قسمك مقنعا للناس.
سيت :
الإله «رع» هو الذي انتصر على جميع الآلهة، وهو الذي اكتشف الحياة الآخرة والأبدية، وهو الذي بدأ الوحدانية ووحد السلطة في السماء وفوق الأرض، هو الذي أمر بالتوحيد. التعددية تعني الانقسام والفرقة ... نعم، هذا هو الإله الأعظم «رع» الذي ألغى كل أنواع التعددية ...
معات :
إلا تعدد الزوجات، والمحظيات وحريم الإله ... (الناس تضحك.) (رئيس المحكمة يدق بالمطرقة ويعود الهدوء.)
إيزيس :
أتسمح لي بالكلام يا رئيس المحكمة؟
رئيس المحكمة :
تكلمي يا إيزيس.
إيزيس :
المشكلة يا أيها الرئيس أننا أصبحنا نعيش في عالمين منفصلين، عالم الآلهة والأسياد، وعالم العبيد والأجراء والنساء! عالم الآلهة الكبار بغرائزهم وشهواتهم وطمعهم وكسلهم وبطالتهم، وعالم الفقراء والنساء بعقولهم وسواعدهم وعملهم المضني ليل نهار! والمشكلة أيها الرئيس أن عالم الآلهة والكبار يريد أن يفرض على عالم الفقراء والنساء قانون العبودية الظالم تحت اسم شريعة الإله «رع». لقد ولد جميع الناس أحرارا، وجميع الناس سواسية لا فرق بين إنسان وإنسان ... (الناس تصفق في سرور ، بعض الناس تهتف): تحيا إيزيس نصيرة الفقراء والعبيد. (رئيس المحكمة يدق بالمطرقة ويعود الهدوء.)
إيزيس :
ثم كيف يناقض الإله «رع» نفسه حين يقول إنه هو الذي منح الحياة للناس وخلق أجسامهم على أكمل وجه، ثم يأمر باستئصال أعضاء من هذا الجسم تحت اسم الختان أو الإخصاء؟! ولماذا لا يسري قانون الإله «رع» بالإخصاء والختان إلا على العبيد والنساء؟
حوريس (يهب صائحا) :
نعم، يجب أن يصدر حكم من هذه المحكمة بإخصاء الملك سيت وإخصاء الإله «رع» مثلما فعلوا مع أبي أوزوريس. (الناس تضحك، رئيس المحكمة يدق بالمطرقة.)
معات :
شر البلية ما يضحك، وهل هناك شر أكثر من هذا القانون الأخلاقي المزدوج الذي يمنح الأسياد كل الحقوق حتى حق القتل والظلم، ويحرم العبيد والنساء من جميع الحقوق حتى حق الشكوى والتظلم؟!
سيت :
لم نمنع حق الشكوى والتظلم؟!
معات :
ولمن نشكو؟
سيت :
للإله «رع».
رئيس الجيش :
أو للملك «سيت» مندوب الإله فوق الأرض. (الناس تضحك، رئيس المحكمة يدق بالمطرقة.) (سيت ينهض غاضبا ويضرب رئيس الجيش بخنجره في صدره، يسقط رئيس الجيش ينزف الدماء ويئن.)
سيت (غاضبا) :
أيها الخائن، يا من أكلت من نعمي ... وأغدقت عليك بغير حساب ...
رئيس الجيش (يئن) :
الإله «رع» وحده هو الذي أعطاني من نعمه بغير حساب ... (رئيس المحكمة يهب واقفا في غضب.)
رئيس المحكمة :
لقد خرق «سيت» قانون المحكمة والعدل وقتل رئيس الجيش دون حق ...
سيت :
إنه يستحق القتل.
رئيس المحكمة :
لم نحكم عليه بعد ... لماذا تقتله دون محاكمة؟
سيت :
أنا حكمت عليه بالموت!
رئيس المحكمة :
لا يحق لك أن تحكم على أحد بالموت ... (الناس تصيح غاضبة): يسقط «سيت» الحاكم الظالم.
حوريس :
ليس هذا هو أول من يقتله، قتل الكثيرين وقتل أبي أوزوريس ...
إيزيس :
كفى يا حوريس ... كفى ... لا تقتله ... (يتقدم حوريس شاهرا خنجره ويبدأ في مبارزة سيت.) (تتحول المحكمة إلى مبارزة بين سيت وحوريس، الناس تشجع حوريس، ينتصر «سيت» أول الأمر ويصيب حوريس بجرح بين عينيه ... لكن «حوريس» يواصل المبارزة ... ويضرب «سيت» بالخنجر بين ساقيه، يسقط «سيت» على الأرض ... يقطع «حوريس» بسيفه خصيتي سيت.) (سيت ينزف ويئن من الألم، يتوسل لإيزيس أن تغفر له وترحمه من سيف حوريس، يرفع حوريس سيفه ليضرب عنق «سيت»، لكن إيزيس تمنعه.)
حوريس :
لقد قتل أبي، ولن أتركه حتى أقتله وأمزقه إربا كما فعل بأبي.
إيزيس :
أنت المنتصر يا حوريس ... أنت صاحب العرش ... (الناس تهتف): يحيا حوريس.
حوريس :
قتل أبي ومزقه، ولا بد أن أقتله وأمزقه كما فعل بأبي.
إيزيس :
أنت الأقوى الآن يا حوريس، الأقوى هو الذي يعفو؛ العفو عند المقدرة. أليس هذا أحد مبادئ إيزيس وأوزوريس؟! (الناس تهتف بحماس): تحيا إيزيس إلهة الرحمة. (ثم تلتف الناس حول إيزيس وحوريس، وينشدون معا مع اللحن والموسيقى والرقص):
إيزيس يا إلهة الرحمة.
يا إلهة العقل والحكمة.
أوزوريس يا إله الخير
يا إله الحب والطيبة.
حوريس يا حوريس
يا ابن إيزيس
وأوزوريس.
حوريس يا حبيبنا.
حوريس يا مليكنا.
غن يا وادي النيل.
حوريس
ابن إيزيس ... (تمت)
Page inconnue