الكلمة بعضها على بعض، وجعل بعضها بسبب من بعض، اي تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه واصوله وتعرف مناهجه فلا تزيغ عنها.
وكأني بالاستاذ النورسى درس نظرية النظم هذه دراسة متقنة ثم ظهر له ان المفسرين الذين سبقوه كالزمخشري والرازي وابي السعود لم يحاولوا تطبيقها من حيث هي منظومة متكاملة تشمل ترتيب السور والآيات والالفاظ سورة بعد سورة وآية بعد آية ولفظا بعد لفظ، بتفاصيلها الكاملة فاراد ان يقتدي بهؤلاء المفسرين العظام فيؤلف تفسيرًا يطبق فيه نظرية النظم تطبيقًا تفصيليًا شاملًا من حيث المباني والمعاني ومن حيث المعارف اللغوية والعقلية والذوقية، الكلية منها والجزئية، والتي اعتمد عليها في الكشف عن تفاصيل المنظومة القرآنية التي بها يظهر الاعجاز، وتتكشف دقائق خصائص الاسلوب القرآني التي خالفت خصائص التعبير العربي البليغ قبله، والتي حيرت البلغاء واخرست الفصحاء، ليحق عليهم التحدي المعجز الى يوم القيامة.
ولم تتوجه جهود النورسى الى بيان نظرية النظم، مقدمة لاثبات اعجاز القرآن البلاغي فحسب، بل اتجهت كذلك الى التغلغل في معاني الآيات، حيث اراد بناءها تفصيلًا على المرتكزات العقلية للوصول الى اظهار العقائد الاسلامية وارتباطها بحقائق الوجود.
ومن الواضح جدا لمن تأمل في الكتاب وترتيبه، انه كان يريد ان يؤلف تفسيرًا كاملًا في هذا الاتجاه. ولو قدر للاستاذ - رحمه الله تعالى - ان ينهي عمله العظيم هذا كاملًا، اذن لقدّم تفسيرًا بلاغيًا وعقليًا كاملًا شاملًا، كان جديرًا بان يأخذ منه عمره كله حيث كان من المحقق ان يحوي حينئذ عشرات المجلدات الضخام، لو انه مشى في ضوء منهجه هذا الذي نقرأه في هذا الكتاب.
ولكن الله ﷾ قدّر له الافضل من ذلك اذ وفقه لعمل اجلّ من ذلك واعظم. عمل استطاع فيه ان يضع مسلمي بلده في ظروف عصره في مواجهة القرآن الكريم، دون اشغالهم بقضايا بلاغته واعجازه اللغوي والتي لم تكن مشكلة عصره
1 / 6