فالأول هو المسمى بالبراءة الأصلية، وهو انتفاء الأحكام الشرعية في حقنا حتى يدل دليل على ثبوتها، ولا يكون حجة شرعية إلا بعد البحث عن دليل من كتاب أو سنة يدل على خلاف العدم الأصلي، فإن لم يوجد حكم ببراءة الذمة من التكليف وهذه إباحة عقلية، والأصل فيه قوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } .
وخالف في الدليل الأبهري وأبو الفرج منا وطائفة من الفقهاء، فقال الأبهري الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع المنع واحتج بقوله تعالى { وما أتاكم الرسول فخذوه } فمفهوم الآية أن ما لم يأت به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن لم يوجد عليه دليل من كتاب أو سنة أنه لا يجوز الأخذ به، وقوله تعالى { يسألونك ماذا أحل لهم } فمفهوم الآية أن المتقدم قبل الحل المنع، وقوله تعالى { أحلت لكم بهيمة الأنعام } فمفهوم الآية أن الأنعام كانت قبل ورود الآية محرمة عليهم.
وقال أبو الفرج الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الإباحة الشرعية لا العقلية، وحجته قوله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ، وقوله تعالى { وأعطى كل شيء خلقه } ، فمعنى الآيتين أن الأشياء خلقت مباحة لبني آدم، والتحريم في بعضها طار على الإباحة.
وتظهر فائدة هذا الخلاف عند عدم الأدلة الشرعية أو تعارضها في شيء خاص، قاله القرافي ونحوه للمازري؛ فعلى قول الأبهري يكون الحكم في الشيء الذي تعارضت فيه الأدلة أو عدمت هو المنع، وعلى قول أبي الفرج يكون فيه الإباحة. قال في "الضياء اللامع" قال المازري كأكل التراب.
Page 24