تأديبه لأنه رجل حقير، لا يَسأل عنه كبير ولا صغير، وإني الآن قد اعترفت بذنبي، وتبت إلى مولاي وربي، فأحضروه لأعتذر إليه، وأُقبل رأسه ويديه، وها أنا ذا الآن لأمره مطيع، وعندكم في كف هذا الأمر وقيع، فعند ذلك اجتمع العلماء والأعيان، وتوجهوا وأمامهم نقيب الأشراف السيد أحمد أفندي العجلاني لِإخراج المترجم من السجن بالعظمة والشأن، فحينما دخلوا عليه، وقدموا جميل العبارات إليه، وطلبوا منه أن يعفو عن ظالمه، وأن يقابله بمراحمه، فقال: أنا ما جرى لي ذلك إلاَّ بذنب اقترفته، وإن كنت ما تذكرته ولا عرفته، ونسأل الله أن يعفو عنا، ويقبل صالح الأعمال منا، ثُمَّ ساروا جميعًا إلى دار النقيب، فحينما رآه القاضي بادره بالترحيب، وأبدى اعتذاره لديه، وعانقه وقبل يديه، ثُمَّ رجع إلى مكانه ومعه من الناس ألوف كثيرة، ولا زالوا يطلقون البارود بين يديه ويلعبون بالسيوف والسنان إلى أن وصلوا به إلى داره الشهيرة، ولم يمض بعد ذلك مدة أيام، إلاَّ وأباد الله ذلك القاضي وأعوانه وأدار عليهم كؤوس الحِمام.
ثُمَّ إنه في آخر شعبان سنة ثلاث وستين ومائتين وألف قد حضر من السُّلطان المغازي عبد المجيد، مرسوم سنين يأمر فيه بدعوة الوالد المترجم والشيخ عبد الرحمن الطيبي إلى الآستانة ويؤكد غاية التأكيد، فأحضرهما حضرة الوالي صفوتي باشا بالتعظيم وأخبرهما بما كان، وأعلمهما بأن السفر قد تعين ثامن رمضان، فتوجها على نفقة الملك الجليل، بكل إكرام وتعظيم وتبجيل، إلى أن دخلا القسطنطينية، دار المملكة السَّنية، فنزل كل منهما في مكان، ولاحظتهما عين الرفعة والِإحسان، وكانت مشيخة الإِسلام إذ ذاك لحضرة من تصرف من حين شبيبته بدراسة المعارف،
1 / 9