ورجل استولى عليه الجهل، فركب الوعر والسهل، لا يحتفل بالدين، ولا يبالي بغضب رب العالمين، فهذا من الخاسرين، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة إلا ذلك هو الخسران المبين. وهو الذي نهى النبي عن مثل حاله في خبر آخر قال فيه: (عباد الله كونوا علماء ولا تكونوا جهالا فإن الجاهل في الدنيا كمثل الأعمى في سواد الليل لا يعرف طريقه فكيف يقطع الطريق وهو لا يعرف وهو في الآخرة ملوم خاسر عند الله) ثم قال: أي قلب يدرك عذاب الجاهل في الآخرة ولو أن الجاهل يعلم ما أعد الله له من العقوبة ما أكل طعاما بشهوة ولا شرب شرابا بشهوة) فصدق.
ورجل اتخذ الزهد مطيته والخشية بضاعته من غير رؤية صادقة ولا معرفة كاملة فهو خائف كخوف العارفين عامل في أمره على غير يقين، يستقبل الليل بالعويل ويخشع خشوع العالم النبيل، والشبهة قادحة في قلبه لا يجد لها ردا، آخذة بمجاميع لبه لا يجد عنها مصدا، فهو من نفسه في بلاء، والناس منه لكثرة إنكاره عليهم في عناء، فهذا من المغرورين والأشقياء المدحورين، وهو داخل في قوله تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع}(1) وهو ممن أراد الله تعالى بقوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}(2).
Page 3