كَانَ أَولا وَلم يعرف أَن غير الْمُجْتَهد مِنْهُم كلف بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمُجْتَهد فِيمَا سَمعه من الحَدِيث لَا فِي زَمَانه ﷺ وَلَا بعده فِي زمَان الصَّحَابَة ﵃ وَهَذَا تَقْرِير مِنْهُ ﷺ بِجَوَاز الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لغير الْمُجْتَهد وَإِجْمَاع من الصَّحَابَة عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِك لأمر الْخُلَفَاء غير الْمُجْتَهد مِنْهُم سِيمَا أهل الْبَوَادِي أَن لَا يعملوا بِمَا بَلغهُمْ من النَّبِي ﷺ مشافهة أَو بِوَاسِطَة حَتَّى يعرضُوا على الْمُجْتَهدين مِنْهُم وَلم يرد من هَذَا عين وَلَا أثر وَهَذَا هُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا﴾ وَنَحْوه من الايات حَيْثُ لم يُقيد بِأَن ذَلِك على فهم الْفُقَهَاء وَمن هُنَا عرفت أَنه لَا يتَوَقَّف الْعَمَل بعد وُصُول الحَدِيث الصَّحِيح على معرفَة عدم النَّاسِخ أَو عدم الْإِجْمَاع على خِلَافه أَو عدم الْمعَارض بل يَنْبَغِي الْعَمَل بِهِ إِلَى أَن يظْهر شَيْء من الْمَوَانِع فَينْظر ذَلِك وَيَكْفِي فِي الْعَمَل كَون الأَصْل عدم هَذِه الْعَوَارِض الْمَانِعَة عَن الْعَمَل وَقد بنى الْفُقَهَاء على اعْتِبَار الأَصْل فِي شَيْء أحكاما كَثِيرَة فِي المَاء وَنَحْوه لاتحصى على المتتبع لكتبهم
وَمَعْلُوم أَن من أهل الْبَوَادِي والقرى الْبَعِيدَة من كَانَ يجيئ عِنْده ﷺ مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَيسمع شَيْئا ثمَّ يرجع إِلَى بِلَاده وَيعْمل بِهِ وَالْوَقْت كَانَ وَقت نسخ وتبديل وَلم يعرف أَنه ص أَمر أحدا من هَؤُلَاءِ بالمراجعة ليعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ بل أَنه ص قرر من قَالَ لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص على مَا قَالَ وَلم يُنكر عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يحْتَمل النّسخ بل دخل الْجنَّة إِن صدق وَكَذَلِكَ مَا أَمر الصَّحَابَة أهل الْبَوَادِي وَغَيرهم بِالْعرضِ على مُجْتَهد ليميز لَهُ النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ فَظهر أَن الْمُعْتَبر فِي النّسخ وَنَحْوه بُلُوغ النَّاسِخ لَا وجوده وَيدل على أَن الْمُعْتَبر الْبلُوغ لَا الْوُجُود أَن الْمُكَلف مَأْمُور بِالْعَمَلِ على وفْق الْمَنْسُوخ مالم يظْهر عِنْده النَّاسِخ فَإِذا ظهر لَا يُعِيد مَا عمل على وفْق الْمَنْسُوخ بل صحّح ذَلِك حَدِيث نسخ الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة المشرفة فَإِن خَبره وصل إِلَى أَطْرَاف الْمَدِينَة المنورة كَأَهل قبا وَغَيرهم بَعْدَمَا صلوا على وفْق الْقبْلَة المنسوخة فَمنهمْ من وَصله الْخَبَر فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَمِنْهُم من وَصله بعد أَن صلى صَلَاة وَالنَّبِيّ ﷺ قررهم على ذَلِك وَلم يَأْمر أحدا مِنْهُم بِالْإِعَادَةِ فَلَا عِبْرَة لما قيل لَا يجوز الْعَمَل قبل الْبَحْث عَن الْمعَارض والمخصص وَإِن ادّعى عَلَيْهِ الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ لَو سلم فإجماع الصَّحَابَة وَتَقْرِير النَّبِي ﷺ مقدم على إِجْمَاع من بعدهمْ على أَن مَا ادّعى من الْإِجْمَاع قد علم خِلَافه كَمَا ذكره فِي بَحر الزَّرْكَشِيّ فِي الْأُصُول وَيَكْفِي فِي خِلَافه مَا تقدم من كَلَام الْهِدَايَة وَهَذَا بَيَان لحقيقة الْأَمر وَإِلَّا فَفِي الصُّورَة الَّتِي نَحن فِيهَا قد علم عدم الْمَوَانِع بِأخذ من يعْتد بِعِلْمِهِ بِهَذَا الحَدِيث فَالْعَمَل فِي هَذِه الصُّورَة لَا يُخَالف هَذَا الْإِجْمَاع إِن ثَبت لِأَن بحث من يعْتد بِعِلْمِهِ وَأَخذه يُغني عَن الْبَحْث ثَانِيًا فَصَارَ علمه بعدالبحث الْمُعْتَبر لَا قبله كَمَا لَا يخفى
وَهَذَا الْكَلَام كُله فِي الْعَاميّ إِذا اتّفق لَهُ معرفَة الحَدِيث بِصِحَّتِهِ وَمَعْنَاهُ وَأَن أحدا من أهل الِاجْتِهَاد قد أَخذ بِهِ وَأما من لَهُ أَهْلِيَّة فالأخذ بِالْحَدِيثِ فِي حَقه أَو كد وَأوجب إِذا أَخذ بِهِ
1 / 64