وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن عَليّ ﵁ أَنه قَالَ إيَّاكُمْ والاستنان بِالرِّجَالِ فَإِن الرجل يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة ثمَّ يَنْقَلِب لعلم الله فِيهِ فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فَيَمُوت وَهُوَ من أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار فينقلب لعلم الله فِيهِ فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَيَمُوت وَهُوَ من أهل الْجنَّة فَإِن كُنْتُم وَلَا بُد فاعلين فبالأموات لَا بالأحياء وَقَالَ ابْن مَسْعُود أَلا لَا يقلدن أحدكُم دينه رجلا إِن آمن آمن وَإِن كفر كفر فَإِنَّهُ أُسْوَة فِي الشَّرّ
قَالَ ابْن عبد البر وَأنْشد الصولي عَن المراغي قَالَ أَنْشدني أَبُو الْعَبَّاس الطَّبَرِيّ عَن أبي سعيد الطَّبَرِيّ قَالَ أَنْشدني الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عمر بن عَليّ لنَفسِهِ وَكَانَ من أفضل أهل زَمَانه ... تُرِيدُ تنام على ذِي الشّبَه ... وعلك إِن نمت لم تنتبه
فَجَاهد وقلد كتاب الْإِلَه ... لتلقى الْإِلَه إِذا مت بِهِ
فقد قلد النَّاس رهبانهم ... وكل يُجَادِل عَن راهبه
وللحق مستنبط وَاحِد ... وكك يرى الْحق فِي مذْهبه
فَفِيمَا أرى عجب غير أَن ... بَيَان التَّفَرُّق من أعجبه ...
وَثَبت عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ يذهب الْعلمَاء ثمَّ يتَّخذ النَّاس رؤسا جُهَّالًا يسئلون فيفتون بِغَيْر علم فيضلون ويضلون وَهَذَا كُله نفي للتقليد وَإِبْطَال لَهُ لمن فهمه وَهدى لرشده وَقَالَ أَيُّوب لَيْسَ تعرف خطأ معلمك حَتَّى تجَالس غَيره
وَقَالَ عبيد الله بن المعتز لَا فرق بَين بَهِيمَة تنقاد وإنسان يُقَلّد وَهَذَا كُله لغير الْعَامَّة فَإِن الْعَامَّة لَا بدل لَهَا من تَقْلِيد علمائها عِنْد النَّازِلَة تنزل بهَا لِأَنَّهَا لَا تتبين موقع الْحجَّة وَلَا تصل لعدم الْفَهم إِلَى علم ذَلِك لِأَن الْعلم دَرَجَات لَا سَبِيل مِنْهَا إِلَى أَعْلَاهَا إِلَّا بنيل أَسْفَلهَا وَهَذَا هُوَ الْحَائِل بَين الْعَامَّة وَبَين طلب الْحجَّة وَالله تَعَالَى أعلم وَلم يخْتَلف الْعلمَاء أَن الْعَامَّة عَلَيْهَا تَقْلِيد علمائها وَأَنَّهُمْ المرادون بقول الله ﷿ ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ واجمعوا على أَن الْأَعْمَى لَا بُد لَهُ من تَقْلِيد غَيره مِمَّن يَثِق بِخَبَرِهِ بالقبلة إِذا أشكلت عَلَيْهِ فَكَذَلِك من لَا علم لَهُ وَلَا بصر بِمَعْنى مَا يدين لَا بُد لَهُ من تَقْلِيد عَالم انْتهى كَلَام الْحَافِظ أبي عمر بن عبد البر
قَالَ شيخ مَشَايِخنَا مُحَمَّد حَيَاة السندي نَاقِلا عَن خزانَة الرِّوَايَات المُرَاد بالعامي هُنَا هُوَ الْعَاميّ الصّرْف الْجَاهِل الَّذِي لَا يعرف معنى النُّصُوص وَالْأَحَادِيث وتأويلاتها وَأما الْعَالم الَّذِي يعرف معنى النُّصُوص وَالْأَخْبَار وَهُوَ من أهل الدِّرَايَة وَثَبت عِنْده صِحَّتهَا من الْمُحدثين أَو من كتبهمْ الموثوقة الْمَشْهُورَة المتداولة فَيجوز لَهُ الْعَمَل عَلَيْهَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لمذهبه إِلَى أَن قَالَ وَأما قَول أبي يُوسُف أَنه يجب على الْعَاميّ الِاقْتِدَاء بالفقهاء فَمَحْمُول على الْعَاميّ الصّرْف الَّذِي لَا يعرف معنى الْأَحَادِيث وتأويلاتها لِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحب الْهِدَايَة بقوله لعذر عدم الاهتداء إِلَى معرفَة
1 / 38