ومن كلامه السابق يتضح لنا أنه خالف الأصوليين في تقسيم المصلحة إلى معتبرة وملغاة وغير شاهد لها الشرع ببطلان أو اعتبار، بل ويتضح أيضا تقديمه للمصلحة على النص على وجه التخصيص بالاجتهاد المصلحي كما ذكر في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، غير أن مذهبه هذا يظهر جليا في كتابه شرح الأربعين عند ما شرح حديث: «لا ضرر ولا ضرار» فهو يقول بعد أن ذكر أدلة الشرع:" وهذه الأدلة التسعة عشر «١»، أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فبها ونعمت، ولا نزاع، إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله- ﵇: (لا ضرر ولا ضرار) وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليها بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان" اهـ.
ثم قرر ما ذهب إليه بقوله بعد ذلك:" وتقرير ذلك: أن النص والإجماع إما أن لا يقتضيا ضررا ولا مفسدة بالكلية، أو يقتضيا ذلك، فإن لم يقتضيا شيئا من ذلك فهما موافقان لرعاية المصلحة، وإن اقتضيا ضررا فإما أن يكون الضرر مجموع مدلوليهما أو بعضه، فإن كان مجموع مدلوليهما، فلا بد أن يكون من