وجعل يفتته بيده، فقال له النبي ﷺ: "يحي الله هذا ويميتك ثم يبعثك ثم يدخلك نار جهنم"، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ الآية (^١).
فاحتج الله عليهم بابتدائه لخلقهم الذي أقروا به وأنه يحييهم بعد أن صاروا عظامًا رميما كما أنشأهم أول مرة ثم أخبر عن صنعه الذي يشاهدونه فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا﴾.
أي الذي أخرج النار وهي حارة يابسة من الشجر الأخضر الرطب وهما ضدان فلا النار تحرق الشجر ولا رطوبة الشجر تطفئ النار (^٢) وكل عود يقدح منه النار إلا من عود العُنّاب (^٣) فإنه لا يقدح منه النار.
(^١) أخرجه ابن مردويه من حديث ابن عباس ﵄، وأخرجه سعيد ابن منصور وابن المنذر والبيهقي في البعث عن أبي مالك، وأخرجه ابن جرير عن مجاهد وقتادة مرسلًا. انظر: تفسير ابن جرير ٢٣/ ٣١، الدر المنثور ٧/ ٧٤.
وقد ورد أن الذي أخذ العظم وفتته هو العاص بن وائل فقد أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس أن العاص بن وائل أتى إلى النبي ﷺ بعظم حائل ففتته … فذكره.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. المستدرك كتاب التفسير ٢/ ٤٢٩.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير مرسلًا. انظر: تفسير ابن جرير ٢٣/ ٣٠.
وورد أنه أبو جهل بن هشام. أخرج ذلك ابن مردويه عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور ٧/ ٧٥.
وقوله: "وأكثر المفسرين على أنه أبي بن خلف"، فقد روي ذلك من قول مجاهد وقتادة والسدي وعكرمة والحسن. انظر: الدر المنثور ٦/ ٧٥، تفسير القرطبي ١٥/ ٧٥.
(^٢) وأفضل ما يكون ذلك في شجر المرخ - بفتح الميم وسكون الراء -، والعفار - بفتح العين والفاء - وهما من شجر الحجاز إذا ضرب أحدهما على الآخرى انقدحت منهما النار وهما أخضران وفي المثل (في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار). انظر: اللسان ٦/ ٤١٧١، تفسير ابن كثير ٣/ ٥٨٢، فتح القدير ٤/ ٣٧٣.
(^٣) العناب - بضم العين بعدها نون مشددة - شجر شائك من الفصيلة السدرية يبلغ ارتفاعه ستة أمتار وهو لا ينقدح فيه النار. اللسان ٤/ ٣٠١٢، المعجم الوسيط ص ٦٣٠.