Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
وثالثها: أورد المؤلف قاعدة في غاية الدقة والأهمية، ومفادها، أن الباء في {برؤوسكم}، تدخل على المفعول به لغرض التعميم لا التبعيض، ذلك أن الفعل إذا كان متعديا بنفسه فله حالتان:
الأولى: إذا جاء دون تعديته بالباء في مثل: مسحته، فإنه هنا يفيد التعميم والتخصيص.
والثانية: إذا جاء مع الباء في مثل (مسحت به) فإنه لا يفيد إلا التعميم؛ لأن الفعل المتعدي بنفسه لا يحتاج إلى الباء لغرض التعدية، ولكن لتفيد معنى جديدا هو التعميم.
ثم يؤكد بأن (باء التبعيض ) لم ترد في القرآن الكريم على الإطلاق.
3- وكما أثبت القاعدة السلبية السالفة في القرآن الكريم بعدم وجود الباء للتبعيض فيه، أثبت قاعدة مماثلة أخرى في القرآن، هي عدم وجود العطف على المحل، وذلك في تفسير آية الوضوء في {وأرجلكم إلى الكعبين} منصوبة، بأن نصبها ليس عطفا على المحل من {برؤوسكم} بفعل {وامسحوا}. فهو يرى أن (.. الظاهر من قراءة النصب هو الغسل من غير تأويل، والظاهر من قراءة الجر هو المسح من غير تأويل، ولا تعارض بين القراءتين ولا تنافي بينهما..). ثم يقول: (وطريقة الجمع بينهما، هو أن النصب في الأرجل إنما كان على طريقة العطف على الأيدي). وذلك بالفعل {فاغسلوا}، من قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا..} ثم يمضي في توضيح القاعدة (.. والفصل بين المعطوف والمعطوف عليه شائع أو (سائغ) كما قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام}. وإنما عطف المسجد الحرام على الشهر الحرام؛ لأن توجه السؤال إنما كان عن القتال فيهما..). ولذلك فإن عطف {المسجد الحرام} كما يقول، على {عن سبيل الله}، غير جائز لمجيء التعاطف في الجواب، طبقا لتوجه السؤال.
وأتوقف هنا قليلا للتنبيه على أمرين أراهما جديرين بذلك في هذا الموضع:
Page 82