وكتاب (الانتصار)، كما أنه أكبر وأوسع كتاب في الفقه الإسلامي التراثي الزيدي، في موضوعه وموضوعاته، وفي كتبه وفصوله ومسائله وأصوله وفروعه، وفي مباحثه وحقائقه ودقائقه وأحكامه.. فهو كذلك أوسع وأكبر كتاب من كتب التراث الإسلامي في اليمن، في منهجه واستدلاله، وفي أوجهه وآرائه وأقواله التي جمع المؤلف في كتابه هذا شتاتها وأدنى بعيدها، ورتب قواعدها، ووثق شاردها وواردها، وأبرز دقيقها ووضح غامضها وفك مبهمها، وحل عقيلها، واستنطق أسرارها وأنطق قيلها، وجمع أولها بآخرها وقديمها بجديدها، ولم يقتصر في (الانتصار) على إيراد آراء وأقوال المجتهدين من الأئمة والعلماء والفقهاء في اليمن ممن وافق مذهبه وجايل عصره، بل شمل كل المدارس وجل المذاهب الفقهية الإسلامية بأعلامها ومجتهديها وآرائها وأدلتها وطرق استدلالها في كل العصور التي سبقته، بدءا بخير الأجيال والعصور، وهو جيل الصحابة الأجلاء (رضوان الله عليهم) فالتابعين وتابعيهم، ثم من تلاهم من أجيال الأعلام والمجتهدين.فهذا الكتاب يعتبر بحق وكما سنبرز بعضا من آراء ونعوت العلماء والباحثين فيه.. موسوعة نادرة للمدارس والمذاهب الفقهية الإسلامية.. بل يتميز عن الموسوعة ويتفوق عليها ويتجاوزها من حيث أنه عالم حي بحوار الأفكار والآراء وتقارع الحجج والبراهين وباتفاق واختلاف الآراء والمذاهب، فهو بحث واسع للفقه المقارن الذي يستخدم في منهجه إيراد الآراء، ثم فحصها ومقارنتها في كل مسألة، ثم يعود إلى تقرير (المختار) لديه ممعنا في الاستدلال عليه بأسلوب العالم المتجرد من كل الأهواء، ويختم كل مسألة بإيراد (الانتصار) الذي يناقش آراء وأقوال مخالفيه بحصافة الناقد البصير، وبصيرة الناقد الحصيف وعمق المجتهد المطلع، وإنصاف الورع الذي لا يتغيا غير الحق، ولا يستهدف سوى الحقيقة، وهي طريقة من يعرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال، وليس وراء الحقيقة إلا الخيال.
ويمكن الحديث عن موضوع كتاب (الانتصار)، من خلال تحديد مؤلفه فيه لعنوانه وغايته وموضوعاته:
1- العنوان:
(كتاب الانتصار على علماء الأمصار، في تقرير المختار من مذاهب الأئمة، وأقاويل علماء الأمة، في المسائل الشرعية، والمضطربات الاجتهادية).
والعنوان كما ترى، مصوغ على طريقة المؤلفين القدماء من حيث الشكل، في بلاغته وجزالة وانتقاء ألفاظه، والتزامه السجع، ومن حيث المحتوى، في أنه تضمن الغاية والموضوع والمنهج، بمعان منطوقة ومفهومة، توضحها قراءة الكتاب، وهي معان تكاد تتمثل ملخصة في الصيغة التالية.
Page 63