226

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

الفرع الثالث: إذا وقعت ميتة في نهر جار فإنه ينظر في حالها، فإن غيرت الماء فهو نجس كله ما انفصل منه وما لم ينفصل، وإن لم يكن متغيرا فهو طاهر كله، حافة النهر ووسطه، والجرية التي تمر على النجاسة طاهرة أيضا إذا لم تكن متغيرة سواء كان الجاري قليلا أو كثيرا. فهذه المسائل كلها متفرعة على رأي من يذهب إلى أن الماء لا ينجس إلا مع التغير وهو المختار، وقد قررناه بالأدلة فأغنى عن الإعادة والتكرير.

فأما القائلون بنجاسة الماء القليل وإن لم يكن متغيرا فقد اضطربت أنظارهم، فمنهم من قال: إن الجاري مخالف للراكد، ومنهم من قال: بأنهما مستويان. فهذان فريقان نذكر ما يختص كل فريق:

الفريق الأول: الذين ذهبوا إلى أن الجاري لا ينجس وإن كان قليلا بخلاف مقالتهم في الراكد، وهذا هو المحكي عن الإمام المنصور بالله فإنه قال: إن الجرية تلحقه بالكثير في الحكم، وهو أحد قولي الشافعي الذي حكاه الخراساني عنه، وحكى عنه البغداديون من أصحابه قولا آخر: أنه ينجس.

والحجة على ذلك: هو أن الجاري يخالف في طبعه الراكد من جهة أن الراكد يتدافع بعضه على بعض من غير نفوذ بخلاف الجاري فإنه يدفع بعضه بعضا من غير مرادة، فالنجاسة إذا وقعت في الجاري اندفعت على حسب الجرية فلم يكن له حكم في البقاء بخلاف الراكد فإنه يرتد بعضه على بعض، فإذا وقعت فيه النجاسة كان حكمها أقوى في البقاء بخلاف الجاري فافترقا.

الفريق الثاني: وهم الذين ذهبوا إلى أن الجاري مثل الراكد في أن القليل منه ينجس، وهذا هو رأي الأكثر من أئمة العترة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والقول المشهور عن الشافعي.

والحجة على ذلك: هو أن الأدلة التي دلت على تنجس القليل من الماء لم تفصل بين الجاري والراكد، فإذا وقعت النجاسة في الماء الجاري فكل على أصله في القلة والكثرة فينظر في الماء، فإن كان متغيرا بوقوع النجاسة فيه فهو نجس بكل حال قليلا كان أو كثيرا، وإن كان غير متغير، فعلى قول الناصر والمنصور بالله والشافعي: أن الذي يمر بالنجاسة من الماء إن كان قلتين فما فوقهما فهو طاهر، وإن كان دون القلتين فهو نجس. وعلى ما حكيناه عن الإمامين والأخوين(¬1) تحصيلا للمذهب، أن الماء الذي يمر بالنجاسة إن كان يغلب على الظن أن النجاسة مستعملة باستعماله فهو قليل فينجس، وإن كان لايغلب على الظن أن النجاسة مستعملة باستعماله فهو كثير فلا يكون نجسا، وهكذا القول في تلك الضوابط التي حكيناها في القليل والكثير، فما كان قليلا فهو نجس وإن لم يتغير، وماكان كثيرا فهو طاهر إن لم يتغير كما مر تفصيله.

Page 231