208

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ووجه الدلالة: أن الرسول ، أوجب للماء أنه خلق على الطهارة، وحصر نجاسته على تغير أحد هذه الأوصاف الثلاثة، فدل ذلك على أن النجاسة متعلقة بها.

فإن قال قائل: كيف يطرح ذلك في بئر يتوضأ منها رسول الله وحرمته أجل وأعلى من أن يفعل ذلك في حقه؟

وجوابه: من أوجه ثلاثة:

أما أولا: فيحمل [على] أن البئر كانت في موضع منخفض من الأرض، وكانت السيول تحملها إليها لقربها من مجراها.

وأما ثانيا: فيحتمل أن يكونوا طرحوها قبل أن يتوضأ منها ولم يعلموا منه نهيا في ذلك.

وأما ثالثا: فيحتمل أن الذي فعل ذلك أهل النفاق من اليهود وغيرهم لما يحملون عليه من العداوة.

دقيقة: اعلم أن اللون والطعم والرائحة أعراض مدركة موجودة بمحالها على جهة الحلول، واتصالها بالماء لا يكون إلا على جهة المجاورة.. أجزاؤها لأجزاء الماء لاستحالة الانتقال على الأعراض، وإذا كان الأمر فيها كلها على ما ذكرناه من المجاورة ولا يعقل خلاف ذلك فيها، فلا معنى لكلام الفقهاء أن الرائحة إذا كانت مجاورة فإنها لا تنجس كغدير بجنبه ميتة عبق بمائه منها رائحة، بخلاف ما لو كانت فيه فإنها تنجسه لو كانت مخالطة له، وهكذا حال الزعفران إذا ذيف(¬1) في الماء فإنه ينجسه إذا كان نجسا لما كان مخالطا، فإذا لا تعقل في اتصالها بالماء إلا على جهة المجاورة، وإذا كان لا يعقل فيها إلا المجاورة فلا وجه لتقسيمها إلى ما يجاور فلا ينجس ما كان مجاورا له، وإلى مخالط ممازج، فينجس ما اتصل به.

Page 211