Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
التيمم أعجب إلينا منه. وحكي عن سعيد بن المسيب (¬1) أنه قال: إذا ألجئت إليه فتوضأ منه. وروي عن عبدالله بن عمر أنه قال: تحت بحركم هذا نار، وتحت النار بحر حتى عدد تسعة أبحر وتسعة أنور(¬2). وكلامهم هذا دال على كراهة استعماله للطهارة، وعلى أنه لا يجوز التطهر به إلا عند الضرورة.
والمختار: ما قاله أصحابنا، وهو الذي عليه الجلة من الصدر الأول من الصحابة والتابعين، وتدل عليه الظواهر القرآنية والأخبار المروية في الأمواء، فإنها دالة بظواهرها على جواز استعماله في التطهر، فأما ما روي عن ابن عمر فإنه يحمل على أنه يصير يوم القيامة نارا، ويصدقه قوله تعالى: {وإذا البحار سجرت}[التكوير:6]. أراد: أحميت، ومنه تسجير التنور إذا كانت محماة(¬3)، أو يحمل على أن البحر مهلكة كما أن النار مهلكة.
فإن قال قائل: فهل ينعقد الإجماع بعد هؤلاء الثلاثة على جواز التطهر بماء البحر فلا يجوز لأحد أن يذهب إلى قولهم، أو تكون المسألة خلافية فلا ينعقد الإجماع مع مخالفتهم؟
جوابه: أن قوما من الأصوليين زعموا أن الإجماع ينعقد بعدهم، وأنه لا يجوز العمل على قول من خالف بعد إجماع من بعده على خلاف قوله، وهذا فاسد، فإن الإجماع منعقد على جواز الأخذ بقول كل واحد ممن خالف في هذه المسألة، فلو انعقد الإجماع من بعدهم لحرم اتباعهم، وفي ذلك تناقض الإجماعين فلهذا نقول: فلو أجمع من بعدهم فلا يكون إجماعا؛ لأن الإجماع صادر عن بعض الأمة، بالإضافة إلى هذه المسألة، فلا جرم كان الحق جواز العمل على قول من سبق ولا ينعقد الإجماع على مخالفته.
Page 201