Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
الطهارة عبارة عن: مسح وغسل وجفاف ونزح واستحالة، فما هذا حاله قد اندرج تحته ما يقال: إنه طهارة في الشرع من الحدث والنجس، وطهارة التراب وجفاف الأطفال عند الولادة، ونزح الآبار عند وقوع النجاسة فيها، والأمور النجسة إذا استحالت كالعذرة إذا صارت رمادا، والكلب إذا صار ملحا، وغير ذلك، وهذا ما أردنا ذكره من مذاهب الفقهاء في سلوكهم طريق الضبط لماهية الطهارة، والإشارة إلى تعريفها.
والمختار في ذلك: تفصيل نشير إلى أسراره يلتفت إلى القواعد العدلية ويشم رائحة من المباحث الكلامية. وحاصله أنا نقول: اسم الطهارة واقع على حقائق مختلفة وأنواع متفاوتة لا يمكن اندراجها تحت حد واحد، وما هذا حاله من الألفاظ المشتركة فلا تشملها ماهية واحدة ويستحيل ذلك في حقها، فلو قال قائل: ما حقيقة الملك والجني والإنسان والحجر؟ فإنه لا يمكن أن يجاب بحقيقة واحدة لاختلاف هذه الحقائق في أنفسها، وهكذا حال من يسأل عن ماهية الطهارة فلا يمكن أن يجاب بماهية واحدة لإختلاف حقائقها في أنفسها وسائر أنواعها، فإنها مقولة على طهارة الحدث وطهارة النجس وطهارة التراب وطهارة النزح والجفاف والاستحالة، فصارت لفظة مشتركة واقعة على حقائق مختلفة يستحيل اندراجها تحت ماهية واحدة، فإذا سأل السائل عن ماهية الطهارة لم يستحق جوابا على الإطلاق، ولكن يقال له: عن أي أنواع الطهارة تسأل؟
فإذا قال: عن طهارة الماء؟
قيل له: هي استعمال الماء لحدث أو نجس.
وإن قال: عن طهارة التراب؟
قيل له: هو استعمال التراب للحدث.
وهكذا القول في سائر أنواع الطهارة إذا كان سائلا عن كل واحد منها بعينه فإنه يستحق جواب كل واحد منها بعينه، ويجري ما ذكرناه في جميع الألفاظ المشتركة التي تندرج تحتها حقائق مختلفة، كالعين والإدراك وغيرهما مما لا بد فيه من الاستفصال، فإن أنف آنف عما ذكرناه من هذا التقسيم وأراد اندراجها تحت ماهية واحدة، فالأغوص أن يقال في ماهيتها: عبارة عن غسل ومسح، أو عن أحدهما أو ما في حكمهما بصفة مشروعة، فلا يبعد أن يكون هذا ضابطا لجميع مجاريها الشرعية.
Page 184