Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
والمختار: أنه لا يكون حجة معتمدة؛ لأنه لا دلالة على كونه حجة من جهة أدلة الشرع، وإنما يكون صالحا للترجيح لا غير، ولأنه كما لا تعويل عليه إذا وافق القياس، فهكذا لا تعويل عليه مع مخالفة القياس أيضا، والجامع بينهما: أنه قول من لا دلالة على كون قوله حجة.
قولهم: إنه مع مخالفة [القياس] يدل على التوقيف لأجله خالف القياس.
قلنا: هذا فاسد، فإنه لو كان هناك توقيف لوجب ذكره في ذلك الوقت أو في وقت آخر.
قولهم: إن عائشة أغلظت عليه فيدل على التوقيف.
قلنا: هذا فاسد، فإنه قد يحصل التغليظ في الاجتهاد كما روي عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه: من أراد أن يقتحم جراثيم(¬1) جهنم فليقض بين الجد والأخوة برأيه، أو كما قال ابن عباس(¬2): ألا يتقي الله زيد بن ثابت (¬3) بأن يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا. فالتغليظ قد يرد على جهة المبالغة في مسائل الاجتهاد كما أوضحناه والله أعلم.
المأخذ السابع: في شرع من قبلنا من أهل الكتابين، التوراة والإنجيل، هل يكون شرعا لنا إذا لم ينسخ عنا أم لا؟ فيه خلاف بين العلماء.
فالذي ذهب إليه أصحابنا والشافعي جواز ذلك، ولهذا سوغوا أن تكون المنافع مهرا بما في قصة شعيب ، حيث قال لموسى صلى الله عليه وسلم: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج}[القصص:27]. وقالوا: إن شرع من قبلنا لازم لنا ما لم ينسخ عنا وأستعملوه في كثير من المسائل الفقهية.
وكما قال الشافعي في تسوية القصاص في الأطراف بين المرأة والرجل محتجا بقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين}..الآية[المائدة:45]، ولأنها كتب منزلة من السماء على ألسنة الرسل فما لم ينسخ فهو شرع في حقنا كالقرآن.
وأبى ذلك أبو حنيفة وأصحابه محتجين بأن الرسول ، شريعته ناسخة لجميع الشرائع وذلك معلوم من دينه بالضرورة.
والمختار عندنا: ما قاله أبو حنيفة وأصحابه ويدل على ذلك وجوه ثلاثة:
أما أولا: فلأن الرسول ، لم يعلم من حاله أنه كان يطالع شيئا من الكتب المتقدمة في شيء من الحوادث، ولا كان يسألهم عن ذلك، فلو كان ذلك شرعا في حقنا لكان يعرفنا ما هو المنسوخ من ذلك من غير ما يكون منسوخا، فلما علمنا إعراضه عنها، دل على أنه لا يكون شرعا في حقنا.
وأما ثانيا: فلأنه رأى يوما في يد عمر كراسة من التوراة فاحمر وجهه وتغير لونه وقال: (( والله لو كان أخي موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي))(¬4).
وأما ثالثا: فلأن ما كان من شرعنا مطابقا لحكم التوراة وغيرها من الكتب فإنما يكون بتقرير الشارع له وتنصيصه عليه لا بحكم التوراة على الإطلاق، وفي هذا دلالة على أنها غير معتمدة في كونها شرعا لنا، وهذا هو مطلوبنا.
Page 187