قال رئيس الشرطة: «حسنا، تعال معنا.»
وجدوا الشرطي فاقد الوعي تحت الركام وقد انكسرت إحدى ساقيه وكلتا ذراعيه. وساعد دوبريه في حمله إلى عربة الإسعاف. وكان إم سون يتنفس عندما وجدوه، لكنه مات في الطريق إلى المستشفى. أما النادل فقد مزقه الانفجار إلى أشلاء.
شكر رئيس الشرطة دوبريه على مساعدته.
اعتقل كثيرون، لكن مفجر مقهى فيرنون لم يعرف قط، ورجح في النهاية أن أحد الأوغاد ترك حقيبة مملوءة بمادة متفجرة مع النادل أو المالك.
خطأ في الإرسال
انتصر الرأي العام وثبتت وجاهته. لقد تهافتت حجة الجنون، وحكم على ألبرت بريور بالإعدام شنقا حتى الموت، وليتغمده الرب برحمته. اتفق الجميع على أن الحكم كان عادلا، ومع ذلك فقد صار الجميع يذكرونه بعد الحكم عليه ويقولون: «يا له من مسكين!»
كان ألبرت بريور شابا انساق بشدة وراء نزواته حتى أهلكته. كانت أسرته بالكامل - أبوه وأمه وأخوه وأختاه - قد تركته يفعل ما يحلو له حتى ظن أن العالم كله سيكون على المنوال نفسه. بيد أن العالم كان له رأي آخر. ولسوء الحظ كان أول من عارض إرادته العنيدة امرأة؛ بل فتاة. لقد رفضت أن يكون بينها وبينه أي صلة، وأخبرته بذلك. فثارت ثائرته بالطبع، ولكن لم يأخذ رفضها له على محمل الجد. فما من فتاة عاقلة يمكنها الإصرار على رفض شاب مثله بكل ما يحمل المستقبل له. لكنه عندما سمع بخطبتها لعامل التلغراف الشاب بوين، تخطت ثورته كل الحدود. وقرر أن يهدد بوين حتى يجعله يترك المكان، وذهب إلى مكتب التلغراف لهذا الغرض، غير أن بوين كان يعمل في المناوبة الليلية، فلم يكن موجودا. ابتسم عامل المناوبة النهارية وقال - دون أن يعرف تبعات قوله - إن بوين على الأرجح سيكون موجودا في باركر بليس، حيث تعيش الآنسة جونسون مع عمتها؛ إذ كان والداها متوفيين.
صر بريور أسنانه وانصرف. ووجد الآنسة جونسون في المنزل، لكنها كانت بمفردها. كان المشهد كله عاصفا، وانتهى بمأساة. أطلق عليها النار أربع مرات، وترك الرصاصتين المتبقيتين لنفسه. لكنه كان جبانا ووغدا، وعندما حان الوقت لإطلاق الرصاصتين على نفسه، تراجع وآثر الهرب. وعندئذ وجهت إليه الكهرباء ضربتها الأولى. لقد ساعدت في إرسال أوصافه إلى أرجاء البلاد، فألقي القبض عليه على بعد خمسة وعشرين ميلا من منزله. واقتيد إلى بلدته في المقاطعة، ثم ألقي به في السجن.
حزم الرأي العام أمره، ودائما ما يثبت رجحانه ووجاهته. وكان أول مظهر واضح من مظاهره تجمعا مخيفا من المواطنين الساخطين خارج السجن. تهامس المحتشدون مصرين على موقفهم بدلا من رفع عقيرتهم بالعبارات الغاضبة، ولكن هذا بالتحديد ما جعلهم أكثر خطورة. رفع رجل من بين الحشد قبضته نحو السماء، وتدلى منها حبل. ولما رآه المحتشدون أصدروا صيحة متزامنة تشبه عويل قطيع من الذئاب، وانقضوا على بوابات السجن يطرقون عليها بقوة. وأخذوا يصيحون: «أعدموه! أعطنا المفاتيح يا مدير السجن!»
كان رئيس الشرطة المهتاج يعرف واجبه، لكنه تردد في أدائه. فمن الناحية النظرية، كان قوام الحشد مجموعة من الغوغاء الخارجين عن القانون، لكن الواقع العملي كان يقول إنهم كانوا من أهل بلدته وجيرانه وأصدقائه، وقد أثار ارتكاب جريمة نكراء سخطهم. كان يمكنه أن يأمر بإطلاق النار عليهم، وأغلب الظن أن الأمر كان سيطاع. كان من الممكن أن يقتل واحد أو اثنان أو دزينة منهم، وكانوا يستحقون هذا المصير من الناحية النظرية، لكن من أجل ماذا كانت مذبحة قانونية تماما كهذه ستقع؟ لإنقاذ، لبعض الوقت فقط، حياة لا قيمة لها لبائس يستحق أي مصير قد يحمله له المستقبل. لذا، كف رئيس الشرطة يديه، وتأسف لوقوع أزمة كهذه خلال مدة توليه لمنصبه، ولم يفعل شيئا؛ بينما تعالى الطرق الصاخب الذي أحدثه المحتشدون بشدة حتى سمعه السجين المرتجف في زنزانته، وتفصد منه عرق بارد عندما أدرك مطلب المحتشدين. كانت جرعة من القصاص في صورته الخام.
Page inconnue