13

جلست طوال فترة ما بعد الظهيرة بجوار سرير زوجها الغائب عن الوعي الذي يتنفس بصعوبة بالغة. كانت معركته الطويلة مع الموت قد غيرت بشدة ملامح وجهه. استأذنت الممرضة لمغادرة الغرفة لدقائق قليلة، فوافقت في صمت الزوجة التي كانت تنتظر هذا الطلب. وعندما انصرفت الممرضة، قبلت السيدة فوردر زوجها والدموع تسيل من عينيها.

همست: «جون، أنت تعرف الوضع، وستتفهم الأمر.» ثم ضمت وجه زوجها إلى صدرها، وعندما عاد رأسه إلى الوسادة، كان قد اختنق.

استدعت السيدة فوردر الممرضة وأرسلت في طلب الطبيبين اللذين كانا يتوقعان ما حدث. •••

نزل خبر موت فوردر على الرجل القابع في سجن المدينة كالصاعقة. وأدرك كل من كانوا في قاعة المحكمة أن الرجل هالك لا محالة فور أن فرغ القاضي برنت من مواجهة القاتل بتهمته الشنيعة. ولم يلبث المحلفون أكثر من عشر دقائق في المداولة، وأسهم إعدام والتر رادنور أكثر من أي حدث آخر وقع في الولاية في جعل الحياة في هذا الكومونولث أكثر أمنا من ذي قبل.

انفجار الديناميت

جلس دوبريه إلى إحدى الطاولات المستديرة في مقهى فيرنون، وأمامه كأس من مشروب الأفسنتين الذي كان يرتشف منه بين الفينة والأخرى. ونظر إلى الجادة من الباب المفتوح فرأى شرطيا يرتدي زيه الرسمي ويمشي ذهابا وإيابا بانتظام كالبندول. انطلقت منه ضحكة خفيفة لمرأى ذلك المظهر من مظاهر القانون والنظام. كان هذا المقهى مشمولا بحماية الحكومة. وكان دوبريه ينتمي إلى فئة من الأشخاص أقسمت على إخفاء هذا المقهى من الوجود؛ لذا كان الشرطي الذي يشبه الضباط العسكريين يذهب ويئوب على الرصيف لمنع حدوث هذا، بحيث يرى كل المواطنين الشرفاء أن الحكومة تحمي رعاياها. من وقت لآخر كان بعض الأشخاص يعتقلون لإطالة تسكعهم حول المقهى؛ كان هؤلاء أبرياء بالطبع، وكانت الحكومة لا تلبث أن تدرك ذلك فتطلق سراحهم. من النادر أن يتصرف أي مجرم حقيقي على نحو يلفت النظر. وكان معظم المعتقلين ممن جذبهم الفضول إلى المكان. وكان يقول أحدهم للآخر: «هناك ألقي القبض على هيرتسوج الشهير.»

المجرم الحقيقي يدلف إلى المقهى في هدوء، ويطلب مشروب الأفسنتين، كما فعل دوبريه. ويظل الشرطي يمشي ذهابا وإيابا يراقب الأبرياء. وهكذا يكون الحال.

كان في المقهى القليل من الزبائن؛ إذ كان الناس يخشون انتقام أصدقاء هيرتسوج. وتوقعوا أن يفجر المقهى في أحد الأيام العادية، ففضلوا أن يحتسوا القهوة أو الكونياك الخاص بهم في مكان آخر عندما يأتي اليوم المنتظر. وكان من الواضح أن إم سون، مالك المقهى، قد جلب على نفسه وعمله المتاعب عندما أدلى للشرطة بمعلومات حول مكان هيرتسوج، رغم أن المقهى أصبح أشهر مقاهي المدينة فجأة، وأنه بات الآن يتمتع بحماية الحكومة.

قلما نظر دوبريه إلى مالك المقهى الجالس إلى مكتبه، وهكذا الحال بالنسبة إلى النادل الذي ساعد في إخضاع هيرتسوج منذ أسبوع. وبدا أكثر اهتماما بمراقبة الشرطي الذي ظل يذرع المكان أمام الباب، ومع ذلك فقد ألقى نظرة خاطفة ذات مرة على الشرطي الآخر الذي كان يجلس في مؤخرة المقهى حيث لا يكاد أحد يراه، يدقق في كل من يدخلون، خاصة إذا كانوا يحملون طرودا من أي نوع. كان المقهى محميا جيدا، وبدا السيد إم سون الجالس إلى مكتبه راضيا عن الحماية التي يحظى بها.

عندما كان الزبائن يفدون إلى المقهى كان من النادر أن يجلسوا إلى الطاولات المعدنية المستديرة، بل كانوا يقصدون البار المغطى بالزنك مباشرة، ويطلبون مشروباتهم ويشربونها وهم واقفون، ويبدون متعجلين للانصراف. وكانوا يحيون السيد إم سون بالإيماء برءوسهم، وكانوا على ما يبدو من قدامى المترددين على المقهى الذين يخشون أن يظنهم قد تخلوا عنه في محنته، ومع ذلك، كان الجميع مرتبطين بمهام ترغمهم على سرعة المغادرة. ابتسم دوبريه ابتسامة فاترة وهو يراقب ذلك كله. كان هو الرجل الوحيد الجالس إلى طاولة. ولم يخش الانفجار. لقد كان يعلم أن رفاقه معتادون على كثرة الكلام وقلة الفعل. إنه لم يحضر الاجتماع الأخير، فقد كانت لديه أسباب قوية للشك في أن الشرطة دست عملاء لها بين ظهرانيهم، كما أن صديقه وقائده هيرتسوج لم يحضر اجتماعات قط هو الآخر. لذا صعب على الشرطة الإيقاع به. كان هيرتسوج رجل أفعال لا أقوال. قال لدوبريه ذات مرة إن رجلا واحدا ثابت العزم كتوما يمكنه أن يفعل بالمجتمع أكثر مما يمكن لكل الجمعيات السرية التي سبق أن تكونت، وكانت مسيرته الحافلة دليلا حيا على صحة هذا القول. لكنه الآن في السجن، ولم ينته به المطاف فيه إلا بغدر إم سون. دارت بذهن دوبريه هذه الأفكار، فرمق مالك المقهى وصر أسنانه.

Page inconnue