La régression des musulmans vers le paganisme : le diagnostic avant la réforme
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
صلى الله عليه وسلم
صحابته رضي الله عنهم بكل تفاصيل جنازته وكيفية الصلاة عليه ومن يدفنه، وأخبرهم بمن سيصلي عليه من ملائكة بالاسم، وأصر على بعث أسامة بن زيد على رأس الجيش لغزو الروم، ورفض رأي صحابته في حداثة سنه على غزوة كتلك وعدم خبرته، فكان ابن سبعة عشر عاما على رأس جيش يضم بأمر من النبي أبا بكر وعمر وكبار الصحابة رضي الله عنهم، ورغم ذلك لم يصدع الصحابة بالأمر؛ لأن خروج هذا الجيش مع موت النبي قد يضع الأمر بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه والهاشميين، إذ أمر النبي ببقاء علي إلى جواره وعدم خروجه مع الجيش.
وينشغل النبي بالأمة في موته حتى في منامه، ويرى أعداءه من متنبئين في هيئة سوارين نفخهما فطارا، لكنه لم يتحدث لحظة عن كيفية إدارة الأمور من بعده، وينشغل بإمارة أسامة بشدة وإصرار على خروج الجيش، ولا ينشغل بإمارة الدولة، ولم ير أحداث سقيفة بني ساعدة في منامه حتى يدلي لأصحابه بالنصح المانع الحاسم للفتن. ولم يتطرق بأي معنى للدولة ولا لنظام الحكم من بعده ولا تحدث في خلافته حسب المصادر السنية، ولا قال لمن يكون الأمر من بعده. أم نقول قول إبليس إنه كان لا يتوقع الموت الأكيد فخشي إن وصى لأحد بعده وعادت إليه العافية، أن ينازعه الأمر والسلطة، إذن لا حل سوى الاعتراف أن الإسلام دين فقط، دين كريم، لم ينشغل كدين بالسياسة ولا بنظام الحكم.
الواضح في تلك الساعات الحاسمة الأخيرة، أن نبي الإسلام كان يرى أمور الدولة والسياسة خارج صلاحياته كنبي، وأنها خارج نطاق مسئولياته وتكليفاته؛ لذلك لم يتطرق إليها حتى يكرس القناعة أن رسالته هي دين فقط وليس أبعد من ذلك.
وتفعيلا لهذا لم يتدخل الإسلام في أمور الدنيا من نظم حكم وإدارة باعتبارها مما يخص المجتمع المتغير المتطور الذي لا يقبل ثباتا، وأن الدين جاء للثابت ثباتا بدوره لا يتغير ولا يقبل تطويرا كما في العبارات وقواعد الإيمان وفروضها وترك التحرك لنا ولظروفنا ولتحول الأزمات وتداول الأيام، لقد جاء محمد نبيا يدعو للتوحيد ويعد الناس لدخول جنات الرب في الآخرة، ولا شأن له بأمور الدنيا والسياسة. بل إن ذلك هو ما كان يعلمه الصحابة جميعا عن قناعة؛ لذلك لم يسأله أحدهم أن يدلي برأيه في تلك الشئون، كان هناك إجماع من كلا الطرفين النبي والصحابة، على أن ما يلي ذلك هو شأن دنيا لا شأن دين يموت صاحب الدين دون أن يوصي بخلافته. وليس أدل على هذا أن الأنصار جميعا لم ينتظروا حضور ساعة وفاة نبيهم، بل انصرفوا مباشرة لسقيفة بني ساعدة لبدء العمل في شئون الدنيا، ولم يدعوا أحدا من المهاجرين لحضور هذا الاجتماع اعتقادا منهم أنهم الأحق بوراثة الأمر من بعد النبي. بداهة وربما كان عدم خروج جيش المدينة بقيادة أسامة داعما لموقف المهاجرين بعد ذلك في النقاش الذي دار بالسقيفة وانتهى لمصلحة قريش.
إن سكان جزيرة العرب قبل الإسلام لم يستشعروا الحاجة لقيام دولة وحكومة؛ لأن طبيعة بيئة الرعي لا تستلزم وجود دولة، ولم يبدأ التفكير في حكومة إلا بعد تحول طرق التجارة العالمية عبر الحجاز وتشابك مصالح احتاجت إلى الحماية في شكل بدائي لحكومة بدائية هي حكومة الملأ برئاسة قصي بن كلاب جد النبي البعيد، فأنشأ الملأ مجلس قريش القبلي وهو نظام شبه جمهوري شبه ملكي شبه ديمقراطي كله في آن، والأغرب أن يظل هذا النظام «الشبه» هو الحاكم على دولة الخلافة حتى سقوط آل عثمان الأتراك.
ولعدم وجود نظام حكم أو دستور أو قانون أو إدارة واضحة، بدأ الصراع بين الصحابة على الجاه والسلطان وليس لسبب ديني، ودخلوا الفتنة الكبرى ولم يستفيدوا من التجربة، ولم ينشئوا أي مؤسسات تراقب الحكام وترعى الحقوق بين الحاكم والمحكوم، حتى لا يتكرر ما حدث في الفتنة الأولى، ولأن الدين لم يحدد كيفية تنظيم الدولة ولا إدارتها ولا محاسبتها ولا مراقبتها، فقد تلت الفتنة فتن أخرى يأخذ بعضها برقاب بعض، لم يكتشفوا خلاله من وسيلة لتبادل السلطة سوى الاغتيال أو الذبح صبرا أو السم أو الحرق.
المأساة الكاملة فيما يعرضه الإسلام السياسي ودولته أنه يصورها للمسلمين الحل الأوحد والمثالي لما هم فيه من تخلف وهوان، وأنها ستكون لمصلحة الدين والدنيا، مصلحة الله ومصلحة عبد الله، مصلحة الإيمان والسياسة، وهي كذبة شريرة يتم بها استثمار دين الله في انتهازية رخيصة في أكثر الميادين انتهازية «السياسة»، حيث لا مكان في مكائد السياسة وخبثها لطيب الدين وصراحته وسلامة سراطه المستقيم وطهارة مصدره ومقاصده، وهو أمر لا يحتاج إلى كثير فهم، فمن المفترض وأنت داخل إلى الخمارة أو إلى المجاري ألا تأخذ معك المصحف حتى لا تسيء إليه وتدنسه.
إن دمج السياسي بالديني من أجل إقامة دولة ذات مرجعية دينية لا بد أن يؤدي بالضرورة إلى توظيف كل ممكناتها عسكرية واقتصادية لأغراض الدعوة الدينية، وسيكون دعم الحكومة للدين ورجاله ودعاته بلا حدود؛ وهو ما يعني أنها ستتصدى عاجلا أو آجلا لمن هم على غير مذهبها ودينها، فلن تقف مكتوفة الأيدي إزاء غير المعترفين بها والرافضين لها وغير المؤمنين بها كنتيجة طبيعية لعدم إيمانهم بدينها أو بصدق هذا الدين؛ وهو ما يعني عدم الاعتراف بشرعيتها، فماذا سيكون الشأن مع هؤلاء؟ هل سنؤسلمهم كرها أم ننفيهم من الأرض أم نعتبرهم طابورا خامسا خائنا يستحق الحرمان من حقوق المواطنة والمشاركة في السلطة.
وعلى مستوى الخارج فإن أول واجبات هذه الدولة هو الدعوة إلى الدين ونشره خارج الحدود حتى يخضع العالم لدين الله طائعا أم راغما، وهو ما لا بد أن يؤدي إلى فتح باب الصراع الديني. وحتى يتم ذلك لا بد أولا من إقامة دولة مسلمة واحدة تكون دولة الخلافة كمرحلة أولى قبل العالمية؛ وهو ما يعني حروبا دينية أهلية بين المسلمين لتصفية الخلافات الجوهرية بين فرقهم في شئون الاعتقاد كما سبق وألمحنا.
Page inconnue