La régression des musulmans vers le paganisme : le diagnostic avant la réforme
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
وبعد حوالي ثلاثة قرون احتاج الزمن المزيد من التنبيه إلى ضرورة التغير والتجديد والتحديث فظهر الإمام «الشاطبي» وما أدراك ما الشاطبي؟! في جمل سريعة لا تعرض من هو الشاطبي الذي سبق زمنه وتجاوز فقهاء أزهرنا مجتمعين، هو الذي أقام اجتهاده الفلسفي عودا إلى فكرة المقاصد الكلية للشريعة، فقام يستخرج من الشريعة مقاصدها بنودا واضحات، التي هي مصالح العباد دنيا وآخرة، وأخضع هذا الاستخراج لمقدرات ولعادات واقع زمانه طالبا التبديل والتعديل وفق متغيرات الزمان وتقاليده وبشروط زمانه ومكانه؛ لذلك اشترط الشاطبي على الفقيه في الزمن الآتي أن يكون عارفا بعلوم عصره ومتصلا بواقعه (ترى كم من فقهاء اليوم يدري شيئا ولو يسيرا عن علوم عصرنا؟) حتى ينزل مصلحة العباد أي المقاصد الكلية للشريعة على هذا الواقع، ليحثه نحو مزيد من المصلحة. وارتأى أن الفقه بحاله حتى زمانه هو لون من الإجابات المعدة سلفا لكل مسألة حدثت أو قابلة للحدوث أو متخيلة، والفقه بهذه الإجابات المسبقة لا يقف بهذا المعنى ندا للزمان الذي جاء بأسئلة جديدة لم تخطر على خيال فقهائنا القدامى، وليس لديهم إجابة عنها لأنها لم تكن قد وجدت بعد؛ لذلك لا بد أن يختلف الحكم بحسب ظروف الواقع، مع مراعاة أن الأصل في الأشياء هو الإباحة وليس التحريم. وهو ما يعني تفسيرا دقيقا لمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالمعروف هو ما تعارفت عليه قيم وعادات زمانه، والمنكر هو ما أنكره العرف الاجتماعي وقيم زمانه. ومن ثم لم يعد المعروف أبدا من أصول الشريعة بحسبانه يعني الدعوة إلى الإسلام وشريعته، أو هو إقامة دولة الله على الأرض كما يزعمون.
ومع «الطوفي» وكسره الجريء لقاعدة لا اجتهاد مع النص، و«الباقلاني» وبراحه العقلاني، و«الجويني» ومساحته الحرة المنطقية العقلانية الصرف، و«الشاطبي» وطلاقته المصلحية، وأن الأصل في الشرع كله هو الإباحة تيسيرا على العباد الذين تشكل مصالحهم الهم الأول للفقيه، سنكمل مشوارنا الآتي مع خريطة التشخيص والإصلاح.
يلخص الدكتور قرضاوي الملقب بالفقيه المعتدل موقف فريقه المتأسلم من الفريق العلماني، في قوله: «نوع من المفاهيم خطر على المجتمع، زحفت على مجتمعاتنا مع زحف الاستعمار، واتخذت الغرب لها قبلة وإماما، إنها المفاهيم المتعلقة بالدين والدنيا، الرجل والمرأة، الفضيلة والرذيلة، التحرر والجمود، التقدم والرجعية، بالحلال والحرام. المفاهيم المتعلقة بالحدود الفاصلة بين حرية الفكر وحرية الكفر، بين حرية الحقوق وحرية الفسوق، بين العلمية والعلمانية، بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية. إنها مفاهيم الغزو الفكري التي تعتبر الإيمان بالغيب تخلفا والتمسك بالسلوك الديني تزمتا، والدعوة إلى تحكيم الشريعة تطرفا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلا في شئون الآخرين، واختلاط الرجل بالمرأة بلا قيود تحررا، وعودة المرأة المسلمة إلى الحجاب الشرعي رجعية، والانتفاع بالتراث تعصبا له، واعتبار علماء الدين حراسا للتخلف، ودعاة التغريب أعلاما للتنوير» (كتاب ملامح المجتمع المسلم، ص77).
وهذا كلام خلاصته إدانة للعلمانيين الوطنيين بالعمالة للأجنبي، بل إدانة لهم بحرية الفسوق والكفر فهم ليسوا مرتدين فقط، ولا خونة فقط، بل هم لا يمارسون مبادئ الأخلاق الكريمة، وهم عملاء ناشطون لأعداء الإسلام؛ ومن ثم وضع الشيخ نفسه وجماعته في موضع القاضي، الذي يملك من النزاهة ما يجعله يحاكم الآخرين ويحكم عليه، وهو أمر لا تفصح سيرة الشيخ عنه بالمرة وبالقطع واليقين المعلوم؛ فهو شخصية عامة تعرف الناس سيرتها، وهي سيرة لا تضعه أبدا فوق المسلمين ليحاكم ويصدر أحكامه، هذا بينما العلمانيون يضعون هذا الشيخ وأمثاله في أسوأ موضع من الدين ومن الناس، فأزعم محتملا وحدي مسئولية هذا الزعم حتى أثبته في السطور التوالي أن هذا الرجل متاجر بدين الله ضد مصالح عباد الله، يفتي بالمطلوب مأجورا في الدنيا وفراديسها وقصورها الغناء الفوارة، قبل الآخرة ونعيمها.
واللهم نعم حسدا ونقا وقرا على الشيخ غير القابل للقر ولا للحسد ولا للنق.
ويرى التيار العلماني أن التيار الذي يمثله هذا الشيخ كان نكبة على البلاد والعباد، تحالف منذ صحوته مع كل الديكتاتوريات السياسية، وما خالف هذا التيار الحكومات أو تصارع معها إلا على حجم الأنصبة المطلوب هبشها، وفي صياغة تقريرية فإن ما أرساه الشيخ هو وجماعته في العقل المسلم كان تدميرا حقيقيا لهذا العقل، بتأكيده أن الله قد سبق ومنح المسلمين كل العلوم، وكل القيم، وكل النظم، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وكل فلسفة السياسة والمجتمع، كل هذا دفعة، وعلى يد رسول واحد، تحققت على يديه تمامية المعرفة في أي شأن في شئون الكوكب الأرضي أو ما بعد الموت.
كل هذا طفح في شوارعنا شبابا، تخرجوا من الجامعات لا يؤمنون بالعلم كحل لمشكلات الناس والوطن، شبابا إما جهلة جهلا حقيقيا، وإما لم يتعلموا علما حقيقيا بقدر ما حفظوا شأنا لا علاقة لهم به، كانت كل مهمته أن يصل إلى النجاح الامتحان إن غشا أو تدليسا أو حفظا ومصمتا لا يعني أي دلالة أو معنى، وغضت الحكومات البصر بالمرة عن وسائل الحصول على شهادات ترضي غرور الذات، فوصل عدد الحاصلين على الدكتوراه في مصر إلى أكثر من مثيله في أمريكا، لكنهم عندنا غثاء كزبد البحر أو هم كالعهن المنفوش ليس أكثر، ربنا يقلل منهم لأنهم كالهم عالقلب، فلا قيمة عندنا للمعرفة ولا قدسية للعلماء وإنما للمشايخ الدكاترة، فلا نسمع عن بحوث تطرح إلا حول الحجاب والنقاب وفلسطين والعراق والحكام الطواغيت وأمريكا وإسرائيل والبوسنة وكشمير والشيشان، ولا قيمة للوقت الذي إن لم تقطعه فرمك، ولا قيمة لقيمة القيم «العمل» التي إن لم تحترمها انتهيت إلى الحيوانية فما يميز الإنسان عن الحيوان هو العمل المنتج. ثم على المستوى الأخلاقي يقرر المذهب السني «لا يدخل ابن آدم الجنة بعمله» بل بأدائه أوامر ونواهي ربه، وبعد هذا يجب ألا يكون شديد الاطمئنان، بل عليه أن يرجو رحمة الجبار المكار!
طفحت الصحوة لا بارك الله فيها (أم هي أيضا مقدسة لا يصح همزها أو لمزها؟!) طفحت في شوارعنا شبابا كانوا حلم الوطن وأمله المرتجى، فهم كل ما كان يملك، فلا بترول لدينا ولا معادن نفيسة ولا حتى سياحة بالمعنى السليم لعلم اقتصاد السياحة، كل ما لدينا كان ثروة مصر من شبابها، فإذا بهم يسمرون الليالي حول العلم والإيمان والانقطاع في المساجد دون المختبرات، تكاسلا وركونا لما بيدهم من كمال مطلق، ومع رؤيتهم كيف تجاوزهم الزمن والواقع، يلومون الزمن ويكفرون الواقع، بينما الإحباط داخل النفوس يجعلها مشوهة ممرورة كارهة حاقدة، فاقدة لأي أمل ممكن؛ لأن السعي والتفكير لن يأتينا بأي جديد زيادة على ما بأيدينا سماويا كاملا بذاته، فلماذا يسعى شبابنا ولماذا ينتج دكاترتنا أي علم نافع؟
وبما أن الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به، فقد اتكل النصف الآخر على عدم شركهم بالله ثم توكلوا على الله، وانغمسوا في كل الرذائل الممكنة، للغياب عن الواقع بكل الوسائل مشروعة أو غير مشروعة. وتحول الشارع في البلاد الإسلامية إلى مملكة للشيطان بدلا من الرحمن؛ فالمسلم كما يحرص على الصيام وأداء الصلاة في مواقيتها؛ فإنه أيضا وبدون الشعور بأي خلل أخلاقي أو ديني يرتشي ويهرب بأموال الناس أو بأموال البنوك وهي بدورها أموال الناس، ويستولي على أراضي الدولة ويغش في منتجه، ويخسر الميزان، ويعتدي قولا أو عملا على غير المسلمين، ولا تأمن غير المحجبة من غير المسلمين على نفسها في شوارع تمتلئ بالمآذن المفترض أنها رمز عفة اليد واللسان والفعل، وتغطي فضاءها ميكروفونات تقصف الآذان بالوعظ والأمر بالأخلاق. ثم يحج البيت كل سنة ليعود كما ولدته أمه ليرتكب آثاما من نوع جديد، حتى يحين موعد ولادته المتجددة كجلد الثعبان في السنة المقبلة.
هناك حديث يتفق الرواة على صحته، وأراه أشد الأحاديث بطلانا، حتى إني أعتقد أن الانهيار الأخلاقي الواضح في شارعنا الملتحي والمحجب، يعود إلى هذا الحديث بالذات، رواه البخاري في كتاب الجنائز، قال: «حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا ابن ميمون حدثنا واصل الأحدب عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله
Page inconnue