La régression des musulmans vers le paganisme : le diagnostic avant la réforme
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
والتاريخ يحتشد بهذه الأمثلة، هتلر، هولاكو، القذافي، موسوليني، الترابي والبشير، ابن لادن، الزرقاوي، ميلوسوفيتش، محمد بن عبد الوهاب وآل سعود، عبد الناصر، عائلة الأسد، ستالين، صدام حسين ... إلخ ... إلخ، فما أكثرهم في التاريخ الإنساني؛ وهو ما يعني أن المجتمع المحكوم بسلطة الفرد لا بسلطة الناس، والمحكوم بالواحدية المصمتة، هو مجتمع لا ينتج قيما تمثل روح الإنسان الحر وفكره وعقله، وغياب حرية الرأي والفكر والاعتقاد هي ديكتاتورية تحول الأفراد إلى قطيع متوحش لا يضبطه إلا الراعي الديكتاتور؛ لذلك يقولون في المثل: «كل شعب يستحق حكامه»، والراعي ليس الديكتاتور كشخص إنما كمنهج، بمعنى فكر واحد واتجاه واحد ومذهب واحد، ومن يخالفه يقع تحت العقوبة؛ ومن ثم لا يكون هناك أي مجال للحديث عن تعددية؛ لأن التعددية مساواة ومشاركة لكل المختلفين. تفسح في المجال ليقول الجميع ويفكر الجميع ويؤثر الجميع فنصل إلى محصلة تمثل الجميع بلا تسلط، ويسقط الراعي المفرد.
لنتابع الشيخ قرضاوي ونتساءل: إذا كانت القيم الأخلاقية للمدنية الحديثة بهذا السوء، فما هي القيم الأخلاقية التي يجب أن نتمسك بها حتى نكون بشرا أسوياء؟
يقول الشيخ قرضاوي في كتابه «ملامح المجتمع المسلم»: «إن القرآن سور مكية، ومدنية، مليء بالآيات واللوحات التي تقدم لنا نماذج خلقية كريمة، تجمع المثالية والواقعية، لم تعرفها من قبل ولا من بعد شريعة ولا نظام» (ص94)، وإن آداب المجتمع المسلم وتقاليده تنطق بهذه النماذج الخلقية العليا؛ فالمجتمع المسلم «لا يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، ولا يشرب الخمر والمسكرات ولا يقدم ذلك على موائده، وهو يأكل ويشرب باليمين ويبدأ طعامه باسم الله، ويختمه بحمد الله، ولا يأكل ولا يشرب في إناء ذهب أو فضة ... ومن آداب المجتمع المسلم الإحسان على الجار وإكرام الضيف وتشميت العاطس وعيادة المريض وتشييع جنازة الميت وتعزية المصاب» (ص102، مكتبة وهبة، القاهرة).
بين هذا الحشد من الصفات الحميدة لا تجد شيئا يتعلق بالقيم الأخلاقية، لا الأكل باليمين ولا بالشمال ولا تشميت العاطس ب «يرحمكم الله» ولا «شفيتم»، هو من القيم الأخلاقية، بقدر ما هو من العادات والتقاليد، إنما تلمح بين السطور حالة شعور بفخر بالنوادر كالإحسان للجار وإكرام الضيف وهو ما لا يستحق فخرا قدر ما هو واجب طبيعي من الإنسان تجاه أخيه الإنسان، مع ملاحظة احتساب فقهائنا أن القيم الذاتية هي قيم موضوعية لذلك يخلطونها بالعادة والتقليد، فعدم شرب الخمر أو أكل الدم أو عدم أكل الخنزير أو أكل الجراد والضب أو الحمر الأهلية هي قيم ذاتية، لا قيمة لها خارج المجتمع الإسلامي، فسواء أكل الخنزير أم التمساح، وسواء شرب الخمر أم مضغ القات، فذلك كله لا علاقة له بالقيم الأخلاقية؛ لأنها مسائل ذاتية تتعلق بالاعتياد والتذوق حسب المكان والزمان.
ثم يأخذنا الشيخ إلى المنطقة التي يصعب فيها النقاش، مقدما لنا القيم البديلة لقيم المدنية من آيات القرآن الكريم، وهو بذلك يقدم لنا ما يسميه القيم الإلهية وذلك مثل الآيات:
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (البقرة: 177) (كتابه ملامح المجتمع المسلم، ص91).
إن التوجه وجهة الكعبة، والإيمان بالله والآخرة والملائكة، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ... إلخ كلها فروض دينية يلتزم بها المسلم وليست قيما أخلاقية تسم صاحبها بأنه راقي الخلق، وللأسف الشديد فإن عكس هذا هو ما ترسخ في العقل المسلم الجمعي، الذي يرى أن الأخلاق لا تقوم إلا على تقوى دينية، ولا يصدر عمل ولا علم سليم ولا خلق كريم إلا عن الإنسان التقي دينيا بالمعنى الإسلامي وحده، وهو الأمر الذي يخلط الأمور المتنافرة بعضها ببعض فلا يبقى سوى فوضى القيم الذاتية، بلا علم وبلا أخلاق. بينما الشيخ يرى أن الإشارات للقيم الأخلاقية في هذه الآيات كالوفاء بالعهد وإيتاء المال للمحتاجين، عندما جاءت وسط قواعد إيمانية، جعلت من هذه القيم قواعد للإيمان، فالمسلم هو الذي يفي بالعهد ويكرم المحتاج كما يصلي ويحج ويصوم؛ لذلك نؤكد مرة أخرى أن القيم الأخلاقية هي تلك التي تعلو على الواجبات الإنسانية، وبدون الوفاء بالعهد وتكريم المحتاج لا يمكن أن يقوم أي مجتمع ولا أي لون من السياسة أو الاقتصاد في أي بلد مسلم أو غير مسلم؛ فهي ليست خاصية المسلم دون غيره من عباد الله، إنما هي خصائص إنسانية عامة تضمن تماسك المجتمعات في أي مكان وأي زمان. (9) التحريم بالأمر والنهي شر توقفه الحرية!
القيمة هي ناتج تفاعل الفكر الإنساني مع الأشياء المادية ومع الأفكار والمعاني، القيمة هي قدر أو رتبة أو ثمن، هي درجة تمييز تترتب تسلسليا على درجات، وأدوات قياس القيمة إنسانية نسبية ظرفية؛ لأنها مجموع معارفي وعلومي التي حصلتها في عصري. وللتبسيط غير المخل مثلا لو أخذنا لوحة «الموناليزا» لزمن الأنبياء وطلبنا تقييمها، سيتم تقييمها على الأكثر بثلاثة دراهم، درهم للخشب ودرهم للبويا ودرهم لقطعة القماش، فقيمتها تتشكل حسب مخزونه المعرفي وخبرته وعلومه. وعصا توت عنخ آمون عند البدوي البدائي عصا كأي عصا، العلم هنا يتدخل ليمنحها قيمة لم تظهر إلا بعد كشف حجر رشيد وفك رموز الهيروغليفية، فيقول لنا: «إن هذه العصا لا تقدر بثمن فقيمتها فوق التقييم»؛ لذلك يضعها في المتاحف ليراها كل الناس كحق قيمي مشاع، ويحيطونها بكل ألوان أجهزة الإنذار حرصا عليها وحماية لها. كذلك لو قارنا زمن نبي الإسلام بزماننا، فمن الجيد والجميل أن تقرأ حديث النبي عن عزل المرضى بالطاعون في رؤية ثاقبة ممتازة لزمنها، لكن زماننا قضى بالعلم البشري على الطاعون نهائيا بعد أن كانت مواجهته تتم بأدعية لا تستجاب.
والخبرة تزيد القيمة أو تنقص منها؛ وهكذا فإن الله لم يخلق القيم وإلا كانت ثابتة ثبات القرآن، أو لكان خلقها للكلاب والحمير وأرسل لها الأنبياء ليدلوها على قيمها وهو ما يعني أنه بدون حضارة إنسانية لا توجد قيم؛ لأن حكم القيمة سيصدر على منتج حضاري مادي أو فكري أو سلوكي، بينما آدم في الغابة كان يفعل وفق الغرائز ولم يكن بحاجة إلى نظام قيمي.
وإن إصرار فقهائنا المحدثين على شيء لم يرد في نص اسمه «القيم الإلهية، الدينية، الإسلامية بالطبع»؛ فهو ما يعني أن لله قيما يراها صالحة لعباده وعلى العباد التشبه بهذه القيم الربانية. هذا رغم أن آلهة جميع الأديان يفترض أنها كانت موجودة قبل وجود الإنسان، وهي بهذا المعنى ليست بحاجة لأي قيم؛ لأن الأرباب حسب العقائد الإيمانية معصومة، وليس لها بالقيم من حاجة، ليست بحاجة إلى معايير تثمن بها أفعالها؛ فهي ليست تحت الحساب، ولا هي تحاسب نفسها، والقيم والأخلاق تفترض ضميرا داخليا بالضرورة يحاسب ويقمع ويزجر، وهو أمر لا يجوز افتراضه مع الإله الذي لا ولد له ولا مأكل ولا مشرب ولا مسكن وليس بأي حاجة لأدوات تشبع حاجاته حتى يمكن تقييمها، ليس له حاجة لأنه هو الكمال المطلق، بغير حاجة لأي قيم لأنه لا يراجع نفسه ولا أحد يراجعه، والله لا ينتج إلا الصحيح من السلوك؛ لذلك هو ليس بحاجة إلى القيم التي تفاضل بين السلوك الصحيح والسلوك الخطأ، الله صواب مطلق.
Page inconnue