Insurance Contracts: Their Reality and Ruling
عقود التأمين حقيقتها وحكمها
Maison d'édition
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Numéro d'édition
السنة السابعه عشر -العدد الخامس والستين
Année de publication
السادس والستين - محرم -جماد الأخرة ١٤٠٥هـ
Genres
مقدمة
...
عقود التأمين حَقِيقَتُهَاوحُكْمُهَا
للدكتور حمد حماد عبد العزيز الحماد
الأستاذ المشارك بالدراسات العليا
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فإن موضوع التأمين قد طرق كثيرًا وكتبت فيه عدة كتب وأبحاث ونوقش في أكثر من مؤتمر وقد لاحظت أن الباحثين فيه قسموه إلى نوعين تجاري وتعاوني وأٍن كثيرًا منهم قد انتهوا إلى القول بجواز التعاوني دون أن يقدموا له تكييفا فقهيًا واضحا أو فارقًا معتبرًا بينه وبين ما يسمونه تجاريًا لذا أحببت المشاركة في هذا المجال مبينًا رأيي في حقيقة عقود التأمين وحكمها في الشرع وفق الأدلة الشرعية والقواعد المرعية والله المسئول أن يوفق للصواب ويهدى للرشاد وأن يجعله خالصًا لوجهه وذخرا ليوم المعاد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مبدأ التأمين وأصلها ... مبدأ عقود التأمين وأصلها: إن أصل عقود التأمين ينبع من عقود ربوية مبنية على الغرر والمقامرة ويذكر الباحثون في التأمين أن فكرته موجودة في كثير من النظم القديمة تمتد إلى ألفي عام قبل الميلاد وربما أكثر من ذلك إلا أن أول وثيقة تأمين بحري عرفت كانت سنة ١٣٤٧م وهى المعروفة بالوثيقة الإيطالية ومنذ ذلك الوقت بدأ تنظيم التأمين في أوربا إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في عصرنا١. وإثر حريق هائل شب في لندن سنة١٦٦٦م نشأ التأمين البري حيث بدأ التأمين من خطر الحريق٢. _________ ١ انظر كتاب الخطر في التامين البحري تأليف محمود الشرقاوي ص ٣١ الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة ١٣٨٥هـ. ٢ انظر الوسيط لعبد الرزاق السنهوري ٧/١٩٠٦ دار النهضة العربية بالقاهرة ١٩٦٨م.
مبدأ التأمين وأصلها ... مبدأ عقود التأمين وأصلها: إن أصل عقود التأمين ينبع من عقود ربوية مبنية على الغرر والمقامرة ويذكر الباحثون في التأمين أن فكرته موجودة في كثير من النظم القديمة تمتد إلى ألفي عام قبل الميلاد وربما أكثر من ذلك إلا أن أول وثيقة تأمين بحري عرفت كانت سنة ١٣٤٧م وهى المعروفة بالوثيقة الإيطالية ومنذ ذلك الوقت بدأ تنظيم التأمين في أوربا إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في عصرنا١. وإثر حريق هائل شب في لندن سنة١٦٦٦م نشأ التأمين البري حيث بدأ التأمين من خطر الحريق٢. _________ ١ انظر كتاب الخطر في التامين البحري تأليف محمود الشرقاوي ص ٣١ الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة ١٣٨٥هـ. ٢ انظر الوسيط لعبد الرزاق السنهوري ٧/١٩٠٦ دار النهضة العربية بالقاهرة ١٩٦٨م.
1 / 71
ثم توالت بعد ذلك صور التأمين المختلفة مثل: التأمين من حوادث العمل، والتأمين من المسئولية، والتأمين على الحياة، والتأمين من تلف المزروعات، والتأمين من موت المواشي، والتأمين من السرقة والتبديد، والتأمين من حوادث النقل الجوى ... إلى غير ذلك من الصور المختلفة١.
_________
١ راجع السابقين.
تعريف عقد التأمين: ويعرف عقد التأمين بأنه عقد يلتزم المُؤَمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المُؤَمن له مبلغًا من المال أو مرتبًا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين في العقد وذلك نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المُؤَمن له للمُؤَمن٢. ويعتبر ابن عابدين (ت١٢٥٢ هـ) من أول من تكلم عن التأمين وحكمه في الشريعة الإسلامية وأطلق عليه اسم (سوكرة) وانتهى إلى أنه عقد لا يحل حيث قال: "مطلب مهم فيما يفعله التجار من دفع ما يسمى سوكرة وتضمين الحربي ما هلك في المركب وبما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضًا مالًا معلومًا لرجل حربي مقيم في بلاده يسمى ذلك المال سوكرة على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم ... والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم "٣. وفي العصر الحديث انتشرت شركات التأمين في بعض بلدان المسلمين واجتهد المروجون لها في سبيل استصدار فتوى شرعية بجوازه من بعض المحسوبين على الفقه والفقهاء من ذلك ما جاء في جواب محمد عبده لسؤال أحد مدراء شركات التأمين عن رجل اتفق مع جماعة على أن يعطيهم مبلغًا معلومًا في مدة معينة على أقساط معينة للاتجار به فيما يبدو لهم فيه الحظ والمصلحة وأنه إذا مضت المدة المذكورة وكان حيًا يأخذ هذا المبلغ منهم مع ما ربحه من التجارة في تلك المدة وإن مات في خلالها تأخذ ورثته ... المبلغ المذكور مع الربح الذي نتج مما دفعه. _________ ٢ انظر الوسيط ٧/١٠٨٥. ٣حاشية ابن عابدين (رد المحتار ٤/١٧٠) الطبعة الثانية ١٣٨٦ هـ طبعة مصطفى الحلبي.
تعريف عقد التأمين: ويعرف عقد التأمين بأنه عقد يلتزم المُؤَمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المُؤَمن له مبلغًا من المال أو مرتبًا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين في العقد وذلك نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المُؤَمن له للمُؤَمن٢. ويعتبر ابن عابدين (ت١٢٥٢ هـ) من أول من تكلم عن التأمين وحكمه في الشريعة الإسلامية وأطلق عليه اسم (سوكرة) وانتهى إلى أنه عقد لا يحل حيث قال: "مطلب مهم فيما يفعله التجار من دفع ما يسمى سوكرة وتضمين الحربي ما هلك في المركب وبما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضًا مالًا معلومًا لرجل حربي مقيم في بلاده يسمى ذلك المال سوكرة على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم ... والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم "٣. وفي العصر الحديث انتشرت شركات التأمين في بعض بلدان المسلمين واجتهد المروجون لها في سبيل استصدار فتوى شرعية بجوازه من بعض المحسوبين على الفقه والفقهاء من ذلك ما جاء في جواب محمد عبده لسؤال أحد مدراء شركات التأمين عن رجل اتفق مع جماعة على أن يعطيهم مبلغًا معلومًا في مدة معينة على أقساط معينة للاتجار به فيما يبدو لهم فيه الحظ والمصلحة وأنه إذا مضت المدة المذكورة وكان حيًا يأخذ هذا المبلغ منهم مع ما ربحه من التجارة في تلك المدة وإن مات في خلالها تأخذ ورثته ... المبلغ المذكور مع الربح الذي نتج مما دفعه. _________ ٢ انظر الوسيط ٧/١٠٨٥. ٣حاشية ابن عابدين (رد المحتار ٤/١٧٠) الطبعة الثانية ١٣٨٦ هـ طبعة مصطفى الحلبي.
1 / 72
فأجاب بأن ما ذكر يكون من قبيل شركة المضاربة وهي جائزة ١ ...
وواضح من السؤال أن المسئول عنه عقد تأمين ليس من باب المضاربة في شيء فهو يدفع أقساطا معينة هي أقساط التأمين وقول السائل للاتجار به إنما هو للتمويه والتضليل، وقولهم: "إذا مضت المدة المذكورة وكان حيًا يأخذ هذا المبلغ منهم مع ما ربحه من التجارة في تلك المدة "هذا هو مبلغ التأمين وهو هنا لا يذكر إلا الربح فقط٢، ومن المعلوم أن المال في المضاربة خاضع لمبدأ الربح والخسارة.
وقولهم: "وإن مات في خلالها تأخذ ورثته ... المبلغ المذكور" ظاهره أنه يأخذ الوارث أومن يقوم مقامه المبلغ كاملا مع أن الرجل قد مات في خلال المدة قبل أن يوفي جميع الأقساط وهذه حقيقة التأمين المبني على الغرر والمقامرة حيث يأخذ الورثة مالا لم يدفعه مورثهم.
وقد علق الدكتور عيسى عبده على السؤال ببيان المكر في صياغته حيث أنه لم يعرض للعناصر الأساسية للتأمين التي منها أنه في التأمين على الحياة تلتزم الشركة المُؤَمنة بدفع رأس مال العقد كاملا إن حصلت الوفاة أثناء سريان العقد وإن كان المستأمن قد دفع قسطا واحدًا من عشرات أو مئات الأقساط التي كان سيدفعها لو امتد به الأجل، وأيضًا لم يعرض السؤال لنوع الربح الذي يعوِد على المستأمن أهو جزء من الربح الذي تحققه الشركة بتشغيل أمواله أو هو قدر محدد سلفًا ... والواقع أن جميع شركات التأمين تحسب الربح على جملة الأقساط وجملة الفترات الزمنية ... أما السؤال ففيه إبهام مقصود وتلويح بما يشبه المضاربة الشرعية ٣.
هذا وقد تبع محمد عبده في فتواه عدد من المحْدثين فقالوا بجواز التأمين ومن هؤلاء
_________
١ انظر عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي لمحمد بلتاجي ص ٢٦ و٢٧ الناشر دار العروبة الكويت١٤٠٢ هـ والتأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه لمحمد الدسوقي ص ٧٥ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة ١٣٨٧ هـ.
٢ لم يأت ذكر للخسارة مع احتمال حصولها والذي يظهر أنه ربح محدد عند التعاقد بنسبة معينة ويزيد الأمر وضوحًا رأى محمد عبده في أن ربا النسيئة لا يكون إلا في الديون ولا يكون في العقود عند إنشائها فقد جاء في تفسير المنار ٣/٩٧ طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب أنه لا يدخل في الربا الجلي المحرم بنص القرآن من يعطى آخر مالا يستغله ويجعل له من كسبه حظًا معينًا.
وهذا وإن كان من صياغة تلميذه رشيد رضا إلا أنه أقره كما جاء في مقدمة التفسيرِ المذكور ١/١٥ أن أستاذه الشيخ كان يقرأ ما يكتبه عمه ويقره.
وقد تبعه في هذا الرأي تلميذه رشيد رضا انظر كتابه الربا والمعاملات في الإسلام ومحمود شلتوت انظر مجلة لواء الإسلام العددان ١١و١٢ وعبد الكريم الخطيب انظر مجلة البنوك الإسلامية عدد ١١ وغيرهم.
ومقتضى ما تقدم أن محمد عبده يحلل القرض بفائدة ولذا لم يتوقف بالإجابة بالجواز فيما سئل عنه في شأن العقد المذكور.
٣ انظر التأمين لعيسى عبده ص ٣١ دار البحوث العلمية بالكويت.
1 / 73
الدكتور محمد يوسف موسى١ والشيخ على الخفيف٢ والدكتور محمد البهى٣ ومصطفى الزرقا ومحمد سلام مذكور وعبد الرحمن عيسى.. وغيرهم٤.
وقد أبدى بعضهم تحفظات على شيء من فروع التأمين وجزئيا ته فاشترط محمد يوسف موسى أن تخلو المعاملة فيه من الربا ورد عبد الرحمن عيسى على بعض صور التأمين على الحياة كما رد محمد سلام مذكور بعض الشروط التعسفية٥.. إلا أن هذا لا ينافي أن الرأي عندهم حل التأمين في الجملة..
ويستدلون لقولهم بجوازه بقياسه على بعض العقود الجائزة ولو عند بعض الفقهاء وسنعرض لذكرها والرد عليها في المباحث التالية:
_________
١ انظر الإسلام والحياة ص ٢١٦ وهو من تأليف المذكور.
٢ انظر بحث التَأمين له المقدم لندوة التشريع الإسلامي بالجامعة الليبية عام ١٣٩٢ هـ.
٣ انظر له رأى الدين بين السائل والمجيب ص ١٨٦ وما بعدها- دار الفكر- ١٣٩٢ هـ.
٤ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٣٨٢ وما بعدها طبع بواسطة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالقاهرة عام ١٣٨٢ هـ وهو مجموعة البحوث المقدمة للمؤتمر الذي عقد بدمشق ١٦ ـ٢١شوال ١٣٨٠هـ. ومجلة العربي العددان ١٩٢، ١٩٥ والمعاملات الحديثة لعبد الرحمن عيسى.
٥ انظر المراجع المتقدمة.
حكم عقود التأمين الغرر ... حكم عقود التأمين. عقود التأمين تشتمل في جوهرها على أمور تجعلها عقودًا محرمة من هذه الأمور ما يلي: أولا: الغرر: والنهي عن الغرر أصل عظيم من أصول البيوع يدخل تحته مسائل كثيرة مثل بيع المعدوم وبيع المجهول وبيع ما لا يقدر البائع على تسليمه وبيع ما لم يتم ملك البائع له والأصل في هذا حديث أبي هريرة ﵁ قال: "نهى رسول الله ﷺ عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"رواه مسلم٦. الغرر: الخطر. والغرر مناط البطلان عند جميع العلماء٧. وهو متحقق في عقود التأمين بشكلٍ ظاهر لا يجادل فيه عاقل، فكل واحد من المتعاقدين لا يدرى كم يعطي ولا كم يأخذ فهو إذا عقد على مجهول فيه مخاطرة عظيمة. _________ ٦ صحيح مسلم٣/١١٥٣ كتاب البيوع رقم ٤ بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء الكتب العربية- بمصر. ٧ انظر النووي على مسلم ١٠/١٥٦-١٥٧ طبعة -المطبعة المصرية- والمقدمات الممهدات لأبى الوليد بن رشد ٢/ ٢٢٢ طبعه- مطبعة السعادة - بمصر وبداية المجتهد ٢/١٥٣ الناشر- مكتبة الكليات الأزهرية-.
حكم عقود التأمين الغرر ... حكم عقود التأمين. عقود التأمين تشتمل في جوهرها على أمور تجعلها عقودًا محرمة من هذه الأمور ما يلي: أولا: الغرر: والنهي عن الغرر أصل عظيم من أصول البيوع يدخل تحته مسائل كثيرة مثل بيع المعدوم وبيع المجهول وبيع ما لا يقدر البائع على تسليمه وبيع ما لم يتم ملك البائع له والأصل في هذا حديث أبي هريرة ﵁ قال: "نهى رسول الله ﷺ عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"رواه مسلم٦. الغرر: الخطر. والغرر مناط البطلان عند جميع العلماء٧. وهو متحقق في عقود التأمين بشكلٍ ظاهر لا يجادل فيه عاقل، فكل واحد من المتعاقدين لا يدرى كم يعطي ولا كم يأخذ فهو إذا عقد على مجهول فيه مخاطرة عظيمة. _________ ٦ صحيح مسلم٣/١١٥٣ كتاب البيوع رقم ٤ بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء الكتب العربية- بمصر. ٧ انظر النووي على مسلم ١٠/١٥٦-١٥٧ طبعة -المطبعة المصرية- والمقدمات الممهدات لأبى الوليد بن رشد ٢/ ٢٢٢ طبعه- مطبعة السعادة - بمصر وبداية المجتهد ٢/١٥٣ الناشر- مكتبة الكليات الأزهرية-.
1 / 74
وقد أورد التقنين المدني عقد التأمين ضمن العقود الاحتمالية أو عقود الغرر وبيان ذلك أن المُؤَمن والمُؤَمن له لا يعرفان وقت إبرام العقد مقدار ما يأخذ كل منهما ولا مقدار ما يعطي كل منهما إذ أن ذلك متوقف على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها١.
من هنا نعلم أن وجود الغرر والمخاطرة في عقود التأمين من الأمور الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار بل إن الغرر والمخاطرة فيها أبين وأظهر من مثل صورة بيع الحصاة٢وبيع المنابذة٣ وبيع الملامسة٤ وغيرها مما ورد فيه النهى الصريح لما فيها من الغرر الظاهر.
ومن الغرر أيضًا في عقد التأمين الجهل بأجل العقد وذلك أن الخطر وهو محل عقد التأمين لا يعلم هل يقع أم لا؟ وإن وقع فلا يعلم متى يقع؟ وعدم العلم بوقوعه ووقت وقوعه من شروط العقد الواجبة في التأمين وهو أن يكون الخطر غير محقق الوقوع وهذا هو العنصر الجوهري في عقد التأمين٥.. فأي غرر أكثر وأشد مما في هذا العقد..
ومن العجيب أن يغالط بعض المنتسبين إلى الفقه فينازع في أن التأمين من العقود الاحتمالية كما فعل مصطفى الزرقا٦ مع وضوحه كما تقدم.
شبه المخالفين في الغرر في عقد التأمين والرد عليها:
١- قال بعضهم أنه ليس من عقود الغرر المحرمة بدعوى أن ما ألفه الناس وتعارفوا عليه دون ترتب نزاع يكون غير منهي عنه٧
وهذه دعوى باطلة فإن التراضي بين المتعاقدين لا يصير العقود المحرمة حلالًا وقد كانت كثير من صور عقود الغرر مألوفة في عهد الجاهلية ومع ذلك نهى الشرع عنها لأنها من أكل أموال الناس بالباطل كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
_________
١ انظر الوسيط ٧/ ١١٤٠ وأصول الفقه الإسلامي ٤٦١.
٢ انظر من فقه السنة ص ٣٦- ٣٧ الطبعة الأولى عام١٤٠٥ هـ.
٣ انظر من فقه السنة ص ٣٦- ٣٧ الطبعة الأولى عام١٤٠٥ هـ.
٤ انظر من فقه السنة ص ٣٦-٣٧ الطبعة الأولى عام١٤٠٥ هـ.
٥ انظر الوسيط ٧/ ١٢١٨.
٦ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤٠١.
٧ انظر بحث التأمين للشيخ علي الخفيف ص ٦ وعقود التأمين لمحمد سلام مدكور مجلة العربي العدد ١٩٥.
1 / 75
تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم﴾ ١. والمعنى تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار وهذا أمر متفق عليه عند أهل العلم ٢..
ومن المعلوم أن اتفاق المتعاقدين على المعاملات الربوية وتراضيهما عليها وكون ذلك لا يؤدى إلى نزاع بينهما لا يجعل هذه المعاملات مشروعة فكذا هنا.
٢- دعوى أن عقود التأمين من قبيل التعاون بين مجموعة من الناس وفي التعاون والتبرع يغتفر الغرر الكثير استنادا لقول مالك ﵀ في تصرفات الإحسان الذي لا يقصد به تنمية المال كالصدقة والهبة والإبراء٣. وبناء على ذلك حاولوا أن يجعلوا عقد التأمين من هذا الباب كما فعل السنهوري حيث ذكر أن التأمين لا يفهم على الوجه الصحيح إلا إذا نظر إلى الجانب الآخر وهو جانب العلاقة بين المُؤَمن ومجموع المُؤَمن لهم حيث يكون المُؤَمن وسيطًا بينهم ينظم تعاونهم جميعًا على مواجهة الخسارة التي قد تصيب بعضهم ٤. يقول السنهوري عن الجانب الآخر من عقد التأمين - على حد تعبيره- "إنه يبر ز التأمين في ثوبه الحقيقي ويبين أنه ليس إلا تعاونًا منظما تنظيمًا دقيقًا بين عدد كبير من الناس معرضين جميعًا لخطر واحد حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضرارًا جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به منهم لولا هذا التعاون، وشركة التأمين ليست في الواقع من الأمر إلا الوسيط الذي ينظم هذا التعاون على أسس فنية صحيحة ... فالتأمين إذًا هو تعاون محمود، تعاون على البر والتقوى يبر به المتعاونون بعضهم بعضًا ويتقون به جميعًا شر المخاطر التي تهددهم فكيف يجوز القول بأنه غير مشروع؟ "٥.
وقد استند على قول السنهوري هذا كل المشاغبين على مسألة وجود الغرر في عقود التأمين.
_________
١ سورة النساء آية ٢٩
٢ انظر الأم ٣/ ٢-٣ للإمام الشافعي وبهامشه مختصر المزني - طبعة دار الشعب - والمقدمات الممهدات٢/ ٢٢٢.
٣ انظر الفروق للقرافي ١/١٥٠ بهامشه تهذيب الفروق - دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت وبداية المجتهد ٢/٣٢٧ والمغنى لابن قدامة ٥/٦٥٧ الناشر- مكتبة الجمهورية العربية- بمصر ومكتبة الرياض الحديثة-.
ويجب أن يعلم أن مذهب مالك فيما يستباح فيه الغرر يشترط أن يكون من باب الإحسان المحض حاليًا من أي صفات المعاوضة أي تكون الرغبة محضة لتصد الهبة والتبرع وليس عقد التأمين هكذا.
٤ انظر مصادر الحق في الفقه الإسلامي ٣/ ٣٢-٣٣ والوسيط ٧/ ٠٨٩ ١ وكلاهما للمذكور.
٥ ١لوسيط ٧/١٠٨٧.
1 / 76
فهذا مثلًا علي الخفيف يقرر نفس المعنى في بحثه عن التأمين١. وكذا محمد سلام مدكور حيث يقول: "إن شركات التأمين تقوم بدور الوسيط بين الأفراد المتعاونين"٢. والزرقا حيث يقول: "إن التأمين قائم على فكرة التعاون على جبر المصائب والأضرار الناشئة من مفاجآت الأخطار"٣.
ولو سلمنا القول بما ذهب إليه الإمام مالك ﵀ فلا يصلح مستندًا لما ذهبوا إليه البتة لأنها لا تصح أبدًا دعواهم أن عقد التأمين من قبيل التبرعات بل هو عقد معاوضة محضة ويتضح ذلك من التعريف القانوني لعقد التأمين٤.فليس هناك شك أن عقد التأمين عقد معاوضة بين متعاقدين يلتزم بمقتضاه كل منهما بعوض مقابل ما يلتزم به الآخر وإذا كان كذلك فلا يجوز في مذهب من المذاهب الفقهية ما في عقد التأمين من غرر كثير وكبير ولا تعدو هذه الدعوى أن تكون مغالطة بعيدة عن الواقع الحقيقي لعقد التأمين.
ولا يجادل عاقل في أن مقصد شركات التأمين إنما هو تحقيق الربح الوفير لها من جراء اتجارها بدعوى توفير الأمن للمتعاقدين معها فلا يصح بحال دعوى أن هذه الشركات ليست إلا الوسيط الذي ينظم التعاون ... إنها مغالطة للواقع.
٣- حاول الزرقا دفع الغرر عن عقد التأمين بدعوى أن في عقد التأمين معاوضة محققة النتيجة فور عقده.. وأن الاحتمال فيه بالنسبة للمُؤَمن إنما هو بالنظر إلى كل عقد على حدة وأما بالنظر إلى مجموع العقود فإن التأمين يعتمد على أساس إحصائية تنفي عنه الاحتمال عادة.. وأما بالنسبة إلى المستأمن فإن الاحتمال معدوم؛ ذلك لأن المعاوضة الحقيقة في التأمين بأقساط إنما هي بين القسط الذي يدفعه المستأمن وبين الأمان الذي يحصل عليه وهو حاصل بمجرد العقد لأنه بهذا الأمان لم يبق بالنسبة إليه فرق بين وقوع الخطر وعدم وقوعه٥.
وهذه المحاولة غير صحيحة أما بالنسبة للمُؤَمن فكل عقد يجريه فيه غرر كبير يوجب بطلانه والتحايل بلفت النظر إلى مجموع العقود لا يصح فإنه ليس له وجود في الخارج وإنما الذي له وجود هو العقد الغرر وهو يتضمن غررًا كبيرًا من الجانبين.
_________
١ ص ٥٩ وما بعدها.
٢ انظر مجلة العربي العدد ١٩٢.
٣ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤٠١ وما بعدها.
٤ تقدم في أول البحث.
٥ انظر أصول الفقه الإسلامي صر ٤٠٢ وما بعدها.
1 / 77
ومقتضى قوله بالصحة بالنظر إلى مجموع العقود يلزم منه أن العقد الباطل في ذاته إذا انضم إليه غيره مما يشبه في البطلان صار بهذا الانضمام صحيحًا وهو لازم باطل لا وجه له عند أحد من فقهاء المسلمين.
على أن دعوى زوال احتمال الغرر من مجموع العقود مغالطة ظاهرة فشركات التأمين لا يمكن أن تعرف مجموع ما سوف تأخذ وما تعطى وإنما تستعين بالإحصائيات لمعرفة صورة تقريبية وهذا لا ينفي عنها عنصر الاحتمالية ... هذا وهناك أحداث وأخطار غير متوقعة تقلب كل توقعات المُؤَمنين فكيف يقال إنه يعتمد على أسس إحصائية تنفي عنه الاحتمال؟ وحاصل ما تقدم أن الغرر الكبير في عقود التأمين موجود رغم كل ما قالوه حتى بالنسبة لمجموع العقود وهذا يقتضي بطلانها على أية حال.
وأما بالنسبة للمُؤَمن له فالغرر متحقق لديه وقت العقد في أنه لا يدرى ماذا سيعطى وماذا سيأخذ وهذا كاف للحكم ببطلانه.. ودعوى أن القسط في مقابل الأمان دعوى غير صحيحة ذلك أن عقد التأمين مذكور فيه أن القسط في مقابل مبلغ والتأمين هكذا يقول شراح القانون١.
وأما الأمان فلا يقدر عليه إلا الله وشركات التأمين لا تستطيع أن تضمن عدم وقوع الخطر وإنما تعوض عن بعض آثاره بعد وقوعه.
وقول الزرقا: "لم يبق بالنسبة إليه- أي المُؤَمن له- فرق بين وقوع الخطر وعدمه...الخ " مغالطة ظاهرة وهل يعقل ذلك فيمن يُؤَمن على حياته أو على أعضائه؟ أيستوي عنده أن يفقد حياته وأعضاءه أو أن يبقى حيًا معافى؟ لا يستويان فكل هذا إنما هو تحايل ومغالطة لنفي الغرر من عقود التأمين وهو متحقق فيها على أية حال.
ومن خلال النظر إلى أركان هذا العقد وشروطه كما تقدم تصويره لا يراودنا أدنى شك في بطلانه.. ولا اعتبار بعد ذلك لأي دعاوى تتعلق في أمر خارج عن هذه الأركان والشروط لأن العبرة في الحكم على العقود إنما هو بالنظر إلى ما تضمنته من أركان وشروط.
_________
١ انظر الوسيط ٧/ ١١٣٩.
ثانيا: الربا: عقد التأمين يتضمن الربا بنوعيه أما النسيئة فدائمًا وأما الفضل فغالبًا وذلك أنه عندما يضع الخطر المُؤَمن منه وتسلم شركة التأمين مبلغ التأمين المتعاقد عليه فإنه لا يخلو في الغالب
ثانيا: الربا: عقد التأمين يتضمن الربا بنوعيه أما النسيئة فدائمًا وأما الفضل فغالبًا وذلك أنه عندما يضع الخطر المُؤَمن منه وتسلم شركة التأمين مبلغ التأمين المتعاقد عليه فإنه لا يخلو في الغالب
1 / 78
من أن يكون أقل أو أكثر مما دفعه المُؤَمن له وفي هذه الحالة يتحقق ربا الفضل بسبب عدم تساوى البد لين وكذا ربا النسيئة لتأخر أحد البد لين وإن كان المبلغ مساويًا- وهذا نادر- تحقق ربا النسيئة لتأخر أحد البد لين لأن عقود التأمين لا تخرج عن الصرف إذ هي نقد بنقد وهذا واضح من تعريفه حيث أن المُؤَمن يلتزم بدفع مبلغ من المال في نظير قسط مالي وعقد الصرف يشترط فيه التقابض مطلقًا سواء اتحد الجنس أو اختلف ويشترط أيضًا التماثل عند اتحاد الجنس وهذا كله متحقق بين مبلغ التأمين وقسطه وبهذا يتبين أن عقود التأمين تشتمل على نوعي الربا.
والنصوص الواردة في طلب التماثل والتقابض في مبادلة المال الربوي بجنسه متواترة وقد أجمع المسلمون على مدلولها١.
شبه المخالفين في تضمن التأمين للربا والرد عليها:
ا- كما ادعوا في باب الغرر أن عقود التأمين من قبيل التعاون الذي يغتفر فيه الغرر ادعوا هنا أيضًا أن التأمين من أساسه قائم على فكرة التعاون على جبر المصائب فيغتفر ما فيه من ربا أو شبهة ربا ٢. وهي دعوى مردودة كما تقدم فعقود التأمين ليست من قبيل التعاون وإنما هي عقود معاوضة وتجارة فلا يمكن حملها على تصرفات التبرع والإرفاق التي يغتفر فيها ما لا يغتفر في عقود المماكسة التي يقصد منها الربح.
٢- حاول بعضهم أن يحصر شبهة الربا في بعض صور التأمين وهو ما يحصل في التأمين على الحياة حيث يشترط فائدة ربوية علاوة على مبلغ الأقساط التي يستفيدها إذا ظل حيًا بعد مدة العقد ومن ثم يحكم على هذا الشرط وحده دون الحكم على نظام التأمين في ذاته ولذا يقترح الزرقا إلغاء شرط الفائدة في هذه الصورة من التأمين بحيث يرد مبلغ الأقساط بعينه دون فائدة٣.
والجواب عن هذا أن جوهر عقد التأمين لا يخلو من شبهة الربا حتى لو خلا من مثل هذا الشرط فإنه وإن انتفى التفاضل فإن النَسَاء متحقق على أية حال.
_________
١ انظر طرفا من ذلك من فقه السنة ص ١٠٠ وما بعدها.
٢ انظر نظام التأمين لمصطفى الزرقا ص ٢٥ وأصول الفقه الإسلامي ص ٤٠٤ وما بعدها.
٣ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤٠٦.
1 / 79
ثالثا: القمار:
عقد التأمين يتضمن شبهة القمار وذلك أنه معلق على خطر قد يقع وقد لا يقع فهو يشبه في معناه معنى ميسر القمار وهو ما يتخاطر الناس عليه. قال ابن عباس: "كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قامر صاحبه ذهب بماله وأهله فنزلت الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ ١ وأي مخاطرة ومقامرة أشد من دفع مبلغ التأمين كاملًا مقابل قسط واحد فيما إذا وقع الخطر المُؤَمن عليه ففي مقابل ماذا دفع المُؤَمن هذا المبلغ الكبير؟ وكيف تكون المخاطرة والمقامرة إذا لم تكن هذه مخاطرة ومقامرة؟
والحقيقة أننا لو نظرنا إلى عناصر عقد المقامرة عند شراح القانون لوجدناها متوفرة في عقود التأمين ولذا قال السنهوري إنه إذا نظرنا إلى عقد تأمين بمفرده لم يعدُ أن يكون عقد مقامرة ٢.
شبه المخالفين في تضمن عقد التأمين للمقامرة والرد عليها:
وقد حاول الزرقا ومن على شاكلته إيجاد فروق بين عقد التأمين وبين القمار سوف أذكرها حسب ورودها في بحثه وأجيب عليها.
أ- يقول: "إن القمار لعب بالحظوظ ومقتلة للأخلاق ... فأين القمار الذي هو من أعظم الآفات ... من نظام يقوم على أساس ترميم الكوارث الواقعة على الإنسان في نفسه أو ماله ... " ٣.
والجواب عن هذا أن وجه الشبه بين عقد التأمين وبين القمار هو عنصر المخاطرة في كل منهما حيث أن عقد التأمين يكون على شيء غير محقق الوقوع وهو عنصر أساسي فيه وفي القمار أيضًا وهذا هو مناط التحريم وأما ما يقر بسبب القمار من العداوة والبغضاء والصد عن
_________
١ سورة المائدة الآية ٩٠ -٩١ وانظر تفسير الطبري٢/٣٥٧ -٣٥٩ و٧/٣٢-٣٥ جامع بيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري الطبعة الثالثة طبعه-مصطفى الحلبي - بمصر، وتفسير القرطبي ٣/٥٢ الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي الطبعة الثالثة عن - طبعة دار الكتب المصرية-.
٢ انظر الوسيط ٧/١٠٨٧.
٣ أصول الفقه الإسلامي ص ٣٩٨ وانظر بحث الخفيف ص ١٧.
1 / 80
ذكر الله وعن الصلاة فهذا من حكمة التحريم فإن القمار حرام حتى ولو قدر خلوه من ذلك فكذا عقد التأمين حرام لتضمنه مناط التحريم وهو المخاطرة على أن نظام التأمين يقع فيه شيء من العداوة والبغضاء حين يأخذ أحد الطرفين في عقد التأمين مبلغًا كبيرًا دون مقابل. وحتى لو سلمنا بأن القمار يؤدي إلى العداوة والبغضاء وعقود التأمين لا تؤدى إلى ذلك فإن معنى المخاطرة والمقامرة متحقق فيها على أية حال.
٢- يقول: "إن عقد التأمين يعطى المستأمن طمأنينة وأمانًا من نتائج الأخطار ... فأين هذا الأمان والاطمئنان لأحد المقامرين في ألعاب القمار التي هي بذاتها الكارثة الحالقة؟ "١..
والجواب عن هذا أنه لو سلمنا جدلا أن في التأمين أمانًا وطمأنينة لا توجد في المقامرة فإن هذا ليس له أثر في الحكم إذ أن العنصر الذي له أثر في الحكم هو عنصر المخاطرة في إجراء العقد على واقعة غير محققة في كل من التأمين والقمار وهذا لا صلة له بما يصحب العقد من خوف أو أمان فالمقامرة في عقد التأمين متحققة حتى لو سلمنا بهذا الفارق المزعوم.
٣- يقول: "ومن جهة ثالثة عقد التأمين من قبيل المعاوضة وهذه المعاوضة مفيدة فائدة محققة للطرفين ففيها ... ربح اكتسابي للمُؤَمن وفيها أمان للمستأمن ... فأين هذه المعاوضة في القمار؟ وما هي الفائدة التي عادت على الخاسر فيه من ربح الفائز "٢..
والجواب عن هذا أن كونه عقد معاوضة لا يمنع أن يكون فيه معنى القمار وأيضًا فإن مثل هذا الفارق لو سلم بوجوده لا أثر له في الحكم فعنصر المخاطرة الذي هو مناط التحريم متوفر على أية حال فلا يفيد بعد ذلك ما قاله الزرقا من أن التأمين معاوضة مفيدة للطرفين فسواء كانت مفيدة أو غير مفيدة فحكمها لا يتغير طالما اشتملت على عنصر يقتضي تحريمها.
وأخيرًا فإن شراح القانون قد قرروا أنه بالنظر إلى عقد التأمين من جهة العلاقة بين المُؤَمن وأي من المستأمنين لا يعد أن يكون عقد مقامرة كما في قول السنهوري المتقدم وإذا تقرر ذلك فهو كاف في الحكم عليه بالتحريم ولا تأثير بعد ذلك للفروق التي ادعوها حتى ولو سلم بشيء منها.
_________
١ أصول الفقه الإسلامي ص ٣٩٩.
٢ المصدر السابق ص ٣٩٩
1 / 81
رابعا: بيع الدين بالدين:
يقول الدكتور محمد بلتاجي: "ويكون قسط التأمين عادة مبلغًا سنويًا والمستأمن لا يدفعه في مجلس العقد إنما يدفعه بعد ذلك على أقساط فهو دين في ذمة المستأمن يلزمه أداؤه حسبما نص على ذلك في العقد والذي يقابله يبلغ التأمين الذي تلتزم الشركة بدفعه إذا حدث الخطر المُؤَمن منه فهو الآخر دين في الذمة معلق على وقوع الخطر ومن ثم فعقد التأمين يتضمن بيع دين بدين"١.
وما ذكره بلتاجي متحقق حقيقة في عقد التأمين وقد أجمع المسلمون على تحريم بيع الدين بالدين٢..
والخلاصة أنه اجتمع في عقد التأمين الغرر والربا والقمار وبيع الدين بالدين وواحد من هذه الأمور يكفي للحكم بتحريمه فكيف وقد اجتمعت كلها على نحو ما تقدم؟..
_________
١ عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي ص ١١٧.
٢ انظر بداية المجتهد ٢/١٢٣ ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ٥/١٦٦ لمحمد بن علي الشوكاني الطبعة الثالثة- ملتزم الطبع والنشر مصطفى الحلبي-.
احتجاج المجوزين للتأمين والرد عليهم عقد التأمين عقد جديد ... احتجاج المجوزين للتأمين والرد عليهم حاول المخالفون في تحريم عقد التأمين أن يطبقوا عليه بعض القواعد العامة أو أن يقيسوه على بعض الصور في الفقه الإسلامي بشكل عام وهذا ما سأتناوله في النقاط التالية: ١- أن عقد التأمين عقد جديد فهو جائز بناء على أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه٣ وأن الشريعة تركت الباب مفتوحًا للناس أن يحدثوا أنواعًا جديدة من العقود إذا دعت الحاجة لها بشرط أن تتوفر فيها الأركان والشروط العامة المعتبرة في العقود وفي هذا الصدد يمثل الزرقا بعقد بيع الوفاء وأنه أشبه بواقعة عقد التأمين فعقد بيع الوفاء "عقد جديد ذو خصائص وموضوع وغاية يختلف فيها عن كل عقد من العقود المسماة المعروفة قبله لدى فقهاء الشريعة وهو ينطوي على غاية يراها الفقهاء محرمة لأنه يخفي وراءه أنواعا من الربا المستور وهو الحصول على منفعة من وراء القرض حيث يدفع فيه الشخص مبلغًا من _________ ٣ في هذا خلاف أصولي لا مجال لذكره هنا راجع إن شئت الإحكام في أصول الأحكام لا بن حزم ١/٥٢ وما بعدها - منشورات دار الآفاق الجديدة - بيروت. والقواعد النورانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص١٨٤ وما بعدها تحقيق الفقي - مطبعة السنة المحمدية -.
احتجاج المجوزين للتأمين والرد عليهم عقد التأمين عقد جديد ... احتجاج المجوزين للتأمين والرد عليهم حاول المخالفون في تحريم عقد التأمين أن يطبقوا عليه بعض القواعد العامة أو أن يقيسوه على بعض الصور في الفقه الإسلامي بشكل عام وهذا ما سأتناوله في النقاط التالية: ١- أن عقد التأمين عقد جديد فهو جائز بناء على أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه٣ وأن الشريعة تركت الباب مفتوحًا للناس أن يحدثوا أنواعًا جديدة من العقود إذا دعت الحاجة لها بشرط أن تتوفر فيها الأركان والشروط العامة المعتبرة في العقود وفي هذا الصدد يمثل الزرقا بعقد بيع الوفاء وأنه أشبه بواقعة عقد التأمين فعقد بيع الوفاء "عقد جديد ذو خصائص وموضوع وغاية يختلف فيها عن كل عقد من العقود المسماة المعروفة قبله لدى فقهاء الشريعة وهو ينطوي على غاية يراها الفقهاء محرمة لأنه يخفي وراءه أنواعا من الربا المستور وهو الحصول على منفعة من وراء القرض حيث يدفع فيه الشخص مبلغًا من _________ ٣ في هذا خلاف أصولي لا مجال لذكره هنا راجع إن شئت الإحكام في أصول الأحكام لا بن حزم ١/٥٢ وما بعدها - منشورات دار الآفاق الجديدة - بيروت. والقواعد النورانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص١٨٤ وما بعدها تحقيق الفقي - مطبعة السنة المحمدية -.
1 / 82
النقود ويسميه ثمنًا لعقار يسلمه صاحبه إلى دافع المبلغ الذي يسميه مشتريًا للعقار لينتفع به بالسكنى أو الإيجار بمقتضى الشراء بشرط أن صاحب العقار متى وفى المبلغ المأخوذ على سبيل الثمنية استرد العقار... ولكل منهما الرجوع عن هذا العقد أي فسخه وطلب التراد ولو حددت له المدة"١.
وقد اختلف الفقهاء فيه وقت ظهوره فمنهم من أعتبره بيعًا فاسدا لاقترانه بشرط مفسد للعقد. ومنهم من أعتبره بيعًا صحيحًا وأبطل الشرط وحده واعتبره لغوا. ومنهم من نظر إلى الهدف من هذا العقد والشرط فاعتبره في معنى الرهن الذي يشترط فيه المرتهن الانتفاع بالشيء المرهون فأبطل شرط الانتفاع بالمرهون وأبقاه رهنًا لأن العبرة في التصرفات للمقاصد. إلا أنه استقرت الفتوى في المذهب الحنفي بعد ذلك على أنه عقد جديد ذو خصائص مختلفة عن هذه العقود الثلاثة لذا قرروا له أحكامًا مستمدة منها جميعًا.
والمقصود من هذا أن قضية عقد التأمين تشبه بيع الوفاء من ناحية أن بيع الوفاء شاهد تاريخي واقعي في الفقه على جواز إحداث عقود جديدة وإن تعرض في أول نشأته لمثل ما تعرض له اليوم عقد التأمين من اختلاف٢ ...
والرد على ذلك أن وجه الحرمة في عقد التأمين ليس لأنه عقد جديد يختلف عن العقود المعروفة لدى فقهاء الشريعة الإسلامية بل وجه الحرمة فيه ما يتضمنه من غرر وربا وقمار وبيع دين بدين كما تقرر، وبناء على هذا فهذا العقد الجديد غير جائز لا لأنه جديد بل لأنه تضمن أمورا تقتضي بطلانه.
وليعلم أنه من المتفق عليه عند القائلين إن الأصل في العقود الإباحة تقييد ذلك بأن لا يرد الشرع بتحريمه وعليه فقد اشتمل عقد التأمين على عدة أمور ورد الشرع بتحريمها فلا يندرج عقد التأمين تحت هذا الأصل القائل بأن الأصل في العقود الإباحة حتى على تقدير رجحانه على القول بأن الأصل فيها الحظر إلا ما ورد الشرع بإباحته. وغنى عن البيان القول بأن عقد الوفاء مختلف عن عقد التأمين في موضوعه وهذا ما سلم به الزرقا نفسه٣.
على أن الصواب في بيع الوفاء أنه لا يخرج عن أن يكون بيعًا أو رهنا اقترن به شرط فاسد والحكم فيه هو إبطال العقد بسبب هذا الشرط أو إبطال الشرط وحده على الخلاف
_________
١ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٣٨٧.
٢ انظر المصدر السابق ص ٣٨٨.
٣ انظر المصدر السابق ص٥١٥.
1 / 83
المذكور آنفًا وعلى هذا فليس هنا عقد جديد أصلًا وإنما هو عقد قديم- بيع أو رهن- اقترن بشرط.
والحقيقة أن جر الكلام إلى موضوع إيجاد عقود جديدة إبعاد للمسألة عن مناط الحكم فيها فليس المحذور في عقد التأمين كونه عقدًا جديدًا- كما تقدم - وإنما لأنه تضمن الغرر والربا والقمار وبيع الدين بالدين وكل هذه الأمور قد اعتبرها الشارع مبطلة للعقود.
- عقد الحراسة: يقول الزرقا إن المستأجر للحراسة ليس لعمله نتيجة سوى تحقيق الأمان لمن استأجره باطمئنانه على سلامة الشيء المحروس ... وهكذا الحال في عقد التأمين يبذل المستأمن فيه جزءًا من ماله في سبيل الحصول على الأمان من نتائج الأخطار١. ويرد عليه بأن عقد الحراسة ليس محل العقد فيه هو الأمان وإنما الأجير يستحق الأجرة في مقابل القرار في مكان معين للقيام بالحراسة وهذا هو محل العقد وهو المتحقق في الواقع وأما الأمان فهو الهدف من العقد والباعث عليه وهذا الهدف قد يتحقق وقد لا يتحقق والأجير يستحق الأجرة بمجرد قيامه بالحراسة سواء حصل الأمان أولم يحصل وليس عليه شيء إذا لم يفرط. فالأمان إذًا ليس محلًا للعقد وإنما هو أمر معنوي نفسي لا يمكن أن يباع ويشترى بل قد يأتي بلا ثمن وقد يدفع في طلبه الثمن الكثير ولا يتحقق. والحقيقة أن عقد الحراسة معاوضة معلومة من الطرفين فصاحب الشيء المحروس يدفع أجرة معلومة والأجير يقوم بعمل معين فليس هناك غرر أو جهالة في هذا العقد. وأما عقد التأمين ففيه جهالة العوضين وجهالة مدة العقد فلا وجه لإلحاقه بعقد الحراسة المعلوم المحدد. وهذه المقايسة لا تعد أن تكون وسوسة شيطانية الهدف منها التضليل والمغالطة. ودعوى أن الأمان هو محل العقد في عقد الحراسة وعقد التأمين دعوى باطلة يكذبها العقل والواقع فليس في مقدور أحد من البشر توفير ذلك وإنما هو حقيقة بيد الله ﷾. _________ ١ انظر المصدر السابق ص ٤٠٤.
٣- ضمان خطر الطريق: ضمان خطر الطريق هو فيما إذا قال شخص لآخر أسلك هذه الطريق فإنها آمنة وإن
- عقد الحراسة: يقول الزرقا إن المستأجر للحراسة ليس لعمله نتيجة سوى تحقيق الأمان لمن استأجره باطمئنانه على سلامة الشيء المحروس ... وهكذا الحال في عقد التأمين يبذل المستأمن فيه جزءًا من ماله في سبيل الحصول على الأمان من نتائج الأخطار١. ويرد عليه بأن عقد الحراسة ليس محل العقد فيه هو الأمان وإنما الأجير يستحق الأجرة في مقابل القرار في مكان معين للقيام بالحراسة وهذا هو محل العقد وهو المتحقق في الواقع وأما الأمان فهو الهدف من العقد والباعث عليه وهذا الهدف قد يتحقق وقد لا يتحقق والأجير يستحق الأجرة بمجرد قيامه بالحراسة سواء حصل الأمان أولم يحصل وليس عليه شيء إذا لم يفرط. فالأمان إذًا ليس محلًا للعقد وإنما هو أمر معنوي نفسي لا يمكن أن يباع ويشترى بل قد يأتي بلا ثمن وقد يدفع في طلبه الثمن الكثير ولا يتحقق. والحقيقة أن عقد الحراسة معاوضة معلومة من الطرفين فصاحب الشيء المحروس يدفع أجرة معلومة والأجير يقوم بعمل معين فليس هناك غرر أو جهالة في هذا العقد. وأما عقد التأمين ففيه جهالة العوضين وجهالة مدة العقد فلا وجه لإلحاقه بعقد الحراسة المعلوم المحدد. وهذه المقايسة لا تعد أن تكون وسوسة شيطانية الهدف منها التضليل والمغالطة. ودعوى أن الأمان هو محل العقد في عقد الحراسة وعقد التأمين دعوى باطلة يكذبها العقل والواقع فليس في مقدور أحد من البشر توفير ذلك وإنما هو حقيقة بيد الله ﷾. _________ ١ انظر المصدر السابق ص ٤٠٤.
٣- ضمان خطر الطريق: ضمان خطر الطريق هو فيما إذا قال شخص لآخر أسلك هذه الطريق فإنها آمنة وإن
1 / 84
أصابك شيء فأنا ضامن حيث يضمن القائل عند بعض الفقهاء.
يقول الزرقا: "فإني أجد فيه فكرة فقهية تصلح أن تكون نصًا استثنائيًا قويًا في تجويز التأمين على الأموال من الأخطار"١..
والرد على هذا أن الأصل في ضمان خطر الطريق عند من قال به أن المغرور إنما يرجع على الغار إذا حصل الغرور في ضمن المعاوضة أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور٢..
والتنظير بين هذا وبين التأمين غير صحيح فشركات التأمين لا تغر الناس ولا تضمن صفة السلامة لمن يتعاقد معها فليس هنا تغرير يشبه التغرير في مسألة ضمان خطر الطريق عند من يقول به وعليه فلا يمكن قياس عقد التأمين على ضمان خطر الطريق.
وهنا فارق جوهري آخر وهو أن ضمان خطر الطريق التزام من طرف واحد فلا يمكن أن يقاس عليه عقد التأمين وهو عقد معاوضة والتزام من الطرفين.
وأخيرًا فإن السلامة شأنها شأن الأمان ليست شيئًا يباع ويشترى لأنها ليست في مقدور البشر فالتلويح بها مغالطة ظاهرة.
وأما قول الزرقا: "إن فقهاءنا الذين قرروا هذا الحكم في الكفالة... لو أنهم عاشوا في عصرنا اليوم... لما ترددوا لحظة في إقرار التأمين نظامًا شرعيًا "٣. فلا يستطيع أن يقنعنا بصدق قوله إلا أن يعيد أولئك الفقهاء فيصدقوه فيما زعم وليس بقادر، ومن جانبنا لا نظن في أولئك الفقهاء أن يقروا التأمين نظامًا شرعيًا وقد تضمن ما يقتضي بطلانه من الغرر والربا.
_________
١ انظر المصدر السابق ص ٤١٠.
٢ انظر حاشية ابن عابدين ٤/ ٧٠ ا- ا ١٧.
٣ أصول الفقه الإسلامي ص ٤١٠.
- إلحاق عقود التأمين بولاء الموالاة عند الحنفية: وصفة هذا الولاء أن الرجل يوالى رجلا آخر على أن يعقل عنه إذا جنى ويرثه إن مات وليس له وارث ويمكن أن يشترطا الإرث من الجانبين وهو عند الحنفية خاصة والإرث به عندهم مؤخر عن أرث ذوى الأرحام ومن شرط هذا العقد عندهم أن يكون المعقول عنه حرًا مجهول النسب وأن لا يكون عربيًا وليس عليه ولاء عتاقة ولا ولاء مولاة مع أحد قد عقل عنه.
- إلحاق عقود التأمين بولاء الموالاة عند الحنفية: وصفة هذا الولاء أن الرجل يوالى رجلا آخر على أن يعقل عنه إذا جنى ويرثه إن مات وليس له وارث ويمكن أن يشترطا الإرث من الجانبين وهو عند الحنفية خاصة والإرث به عندهم مؤخر عن أرث ذوى الأرحام ومن شرط هذا العقد عندهم أن يكون المعقول عنه حرًا مجهول النسب وأن لا يكون عربيًا وليس عليه ولاء عتاقة ولا ولاء مولاة مع أحد قد عقل عنه.
1 / 85
وأن لا يكون عقل عنه بيت المال وأن يشترط العقل والإرث في العقد١.
وفي صدد القول بجواز عقود التأمين ينتهي أحد الباحثين إلى أن أركان عقد ولاء الموالاة تتفق إلى حد كبير مع أركان عقد التأمين من المسئولية لأن ولاء المولاة رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يتعاقدان على أن يعقل أولهما عن الآخر إذا جنى فيدفع عنه الدية في مقابل أن يرثه مولى الموالاة إذا توفي غير مخلف وارثًا قط وهو في هذا يناظر عقد التأمين من المسئولية٢.
والأصل في عقد ولاء الموالاة قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ ٣.
والجمهور على القول بعدم صحة هذا العقد فلا يحصل به توارث ولا عقل.. والحق في هذا مع الجمهور لقول الرسول ﷺ في الحديث المتفق عليه: "إنما الولاء لمن أعتق " ٤. حيث أفاد حصر الولاء في نوع واحد هو العتق لشخص واحد هو المعتق وأما الآية فهذا كان في صدر الإسلام ثم نسخ بآية المواريث.
وقول الحنفية في ولاء الموالاة على تقدير التسليم بصحته جدلًا لا يشبه عقد التأمين من المسئولية ذلك أن الهدف الذي بني عليه ولاء الموالاة ليس هو هدف الذي بني عليه عقد التأمين.. فولاء الموالاة بني على النصرة والحماية ولجوء الضعيف الغريب إلى القوى النسيب ولذا فهولا يعتبر من عقود المعاوضة عند الحنفية القائلين به وإنما هو من عقود التبرع التي يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها.. أما عقد التأمين فهو عقد معاوضة ظاهرة لا يقصد منه عند إنشائه إلا الربح والاستغلال فلا يصح أن يقاس على ولاء الموالاة مع وجود هذا الفارق الجوهري.. على أن قول الحنفية بمشروعية عقد ولاء الموالاة قول ضعيف مرجوح كما تقدم.
_________
١ انظر شرح الدر المختار بحاشية ابن عابدين ٦/ ٢٥ ا-١٢٧.
٢ انظر بحث الأحمد السنوسي في مجلة االأزهر ٢٥/٢٣٢-٣٠٣.
٣ سورة النساء آية ٣٣.
٤ صحيح البخاري بشرح فتح الباري٥/.١٩ و٣٢٦ رقم ٢٥٦٣ بترقيم محمد فؤاد عد الباقي- المطبعة السلفية – وصحيح مسلم ٢/١١٤١ و١١٤٢ و١١٤٣ حديث رقم٦و٧.
٥- إلحاق عقد التأمين بالوعد الملزم عند بعض المالكية: وخلاصة مسألة الوعد الملزم عندهم أن الشخص إذا وعد غيره عدة مما ليس بواجب عليه في الأصل هل يصبح بهذا الوعد ملزما بالوفاء؟
٥- إلحاق عقد التأمين بالوعد الملزم عند بعض المالكية: وخلاصة مسألة الوعد الملزم عندهم أن الشخص إذا وعد غيره عدة مما ليس بواجب عليه في الأصل هل يصبح بهذا الوعد ملزما بالوفاء؟
1 / 86
من المالكية من يقول إنه ملزم مطلقًا ومنهم من يقول إنه غير ملزم مطلقًا ومنهم من يقول يلزم إذا ذكر لها الواعد سببًا وإن لم يباشر الموعود ذلك السبب كأن يقول أريد أن أقرضك كذا لتتزوج، والراجح عندهم أنه يلزم إذا دخل الموعود في سبب ذكر في الوعد١.
يقول الزرقا: "فإنا نجد في قاعدة الالتزامات هذه متسعًا لتخريج عقد التأمين على أساس أنه التزام من المُؤَمن للمستأمنين ولو بلا مقابل على سبيل الوعد أن يتحمل عنه أضرار الحادث الخطر ... ولا يخفي أن أقل ما يمكن أن يقال في عقد التأمين إنه التزام تحمل الخسائر عن الموعود في حادث معين محتمل الوقوع بطريق الوعد الملزم نظير التزام بتحمل خسارة المبيع عن البائع مما نص عليه المالكية"٢.
وقول بعض المالكية في هذه المسألة على التسليم بصحته جدلًا لا يصح أن يقاس عليه عقد التأمين لوجود الفارق بينهما.. فالوعد الملزم عند من قال به تبرع محض لا معاوضة فيه وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى بيان حيث أن الموعود لا يلتزم بشيء مقابل وعد الواعد أما عقد التأمين فمعاوضة واضحة والتزام من الجانبين كما تقرر.. والتبرعات يغتفر فيها ما لا يغتفر في المعوضات كما تقرر أيضًا فلا يمكن أن تقاس المعاوضة من الطرفين في عقد التأمين على التبرع من طرف واحد في الوعد الملزم مع وجود هذا الفارق الجوهري.
_________
١ انظر الفروق للقرافي ٤/٢٢ وما بعدها.
٢ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤١٠.
إلحاق عفد التأمين بمسألة عقل العاقلة ... ٦- إلحاق عقد التأمين بمسألة عقل العاقلة:٣ في هذا الصدد يقول الزرقا: "إن نظام العواقل أصله عادة حسنة قائمة قبل الإسلام في توزيع المصيبة المالية ... وقد أقر الشرع الفكرة لما فيها من مصلحة ... وجعلها إلزامية في جناية القتل لأن فيها مسئولية متعدية بسبب التناصر وذلك بعد إخراج حالة العمد منها ... فما المانع من أن يفتح باب لتنظيم هذا التعاون على ترميم الكوارث بجعله ملزمًا بطريق التعاقد والإرادة الحرة كما جعله الشرع إلزاميًا دون تعاقد في نظام العواقل؟ "٤. يقول الزرقا: "يكفي في القياس التشابه بين المقيس والمقيس عليه في نقطة ارتكاز الحكم ومناطه وهي العلة وهذا ما رأيناه في نظام العواقل الإسلامي ونظام التأمين الحديث في بعض فروعه"٥. _________ ٣ عاقلة الرجل عصبته التي تعقل عنه: أي التي تؤدي عنه دية الخطأ. ٤ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤١٢. ٥ انظر المصدر السابق ص ٥١٧.
إلحاق عفد التأمين بمسألة عقل العاقلة ... ٦- إلحاق عقد التأمين بمسألة عقل العاقلة:٣ في هذا الصدد يقول الزرقا: "إن نظام العواقل أصله عادة حسنة قائمة قبل الإسلام في توزيع المصيبة المالية ... وقد أقر الشرع الفكرة لما فيها من مصلحة ... وجعلها إلزامية في جناية القتل لأن فيها مسئولية متعدية بسبب التناصر وذلك بعد إخراج حالة العمد منها ... فما المانع من أن يفتح باب لتنظيم هذا التعاون على ترميم الكوارث بجعله ملزمًا بطريق التعاقد والإرادة الحرة كما جعله الشرع إلزاميًا دون تعاقد في نظام العواقل؟ "٤. يقول الزرقا: "يكفي في القياس التشابه بين المقيس والمقيس عليه في نقطة ارتكاز الحكم ومناطه وهي العلة وهذا ما رأيناه في نظام العواقل الإسلامي ونظام التأمين الحديث في بعض فروعه"٥. _________ ٣ عاقلة الرجل عصبته التي تعقل عنه: أي التي تؤدي عنه دية الخطأ. ٤ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤١٢. ٥ انظر المصدر السابق ص ٥١٧.
1 / 87
وهذا القياس المزعوم قياس باطل من أساسه لأن نظام العقل في الإسلام إلزام من الشارع لمجموعة من الناس تربطهم رابطة معينة بتحمل ما توجبه جنايات بعضهم وليس التزام منهم باختيارهم بتحمل شيء ما مقابل عوض كما هو الحال فيعقد التأمين فأين وجه الشبه المزعوم؟.
وأيضا فإن نظام العقل في الإسلام مبنى على التناصر والبر بين أفراد عائلة واحدة وله أهداف جليلة وحكمة فأين هو من نظام التأمين المبني على التجارة وطلب الكسب والربح واستغلال الناس؟ ومن أين للزرقاء أن يزعم مع كل ذلك أن نقطة ارتكاز الحكم ومناطه وهى العلة متفقة في النظامين؟.
والخلاصة أنه لا يصح هذا القياس مع وجود هذه الفروق الأساسية في جوهر النظامين.
٧- الاحتجاج بالمصلحة: وفي هذا يقول عبد الرحمن عيسى: "إن التأمين التجاري يحقق مصالح اقتصادية كبيرة للمجتمع.." وبعد سرد شواهد تدل على اعتبار المصلحة في الشرع يقول: "وقد بينا بوضوح تام أن التأمين يحقق مصالح عامة هامة فيكون حكمه الجواز شرعًا اعتبارًا لما يحققه من المصالح"١.. وبناء الشريعة على مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد أمر معروف ومسلم به لكن المراد بالمصالح ما اعتبرها الشرع كذلك وأما المصالح الملغاة في الشرع فلا اعتبار لها ولو اعتبرها العقل البشرى مصالح. فالأمور المنهي عنها أو التي تتضمن ارتكاب نهى لا اعتبار لما يزعم فيها من مصالح فهي على تقدير وجودها مصالح ملغاة. وما يزعم في نظام التأمين من مصالح وهي- على تقدير وجودها- مصالح ملغاة لتضمن عقد التأمين أمورًا وردت النصوص القطعية بالنهي عنها والوعيد الشديد عليها من الغرر والربا والقمار وبيع الدين بالدين كما سبق فإن رأت بعض العقول البشرية في نظام التأمين مصلحة ما فهي مصلحة مهدرة ملغاة شرعا لما تقدم. وجميع ما نقل عن الصحابة وفقهاء السلف من تقرير أحكام استنادًا إلى المصلحة إنما _________ ١ انظر المصدر السابق ص ٤٧٣ وما بعدها.
٧- الاحتجاج بالمصلحة: وفي هذا يقول عبد الرحمن عيسى: "إن التأمين التجاري يحقق مصالح اقتصادية كبيرة للمجتمع.." وبعد سرد شواهد تدل على اعتبار المصلحة في الشرع يقول: "وقد بينا بوضوح تام أن التأمين يحقق مصالح عامة هامة فيكون حكمه الجواز شرعًا اعتبارًا لما يحققه من المصالح"١.. وبناء الشريعة على مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد أمر معروف ومسلم به لكن المراد بالمصالح ما اعتبرها الشرع كذلك وأما المصالح الملغاة في الشرع فلا اعتبار لها ولو اعتبرها العقل البشرى مصالح. فالأمور المنهي عنها أو التي تتضمن ارتكاب نهى لا اعتبار لما يزعم فيها من مصالح فهي على تقدير وجودها مصالح ملغاة. وما يزعم في نظام التأمين من مصالح وهي- على تقدير وجودها- مصالح ملغاة لتضمن عقد التأمين أمورًا وردت النصوص القطعية بالنهي عنها والوعيد الشديد عليها من الغرر والربا والقمار وبيع الدين بالدين كما سبق فإن رأت بعض العقول البشرية في نظام التأمين مصلحة ما فهي مصلحة مهدرة ملغاة شرعا لما تقدم. وجميع ما نقل عن الصحابة وفقهاء السلف من تقرير أحكام استنادًا إلى المصلحة إنما _________ ١ انظر المصدر السابق ص ٤٧٣ وما بعدها.
1 / 88
كان ذلك في أمور موافقة لمقاصد الشريعة ولم يرد فيها نص عن الشارع فالمصلحة المعتبرة عندهم ما فهموه من الشرع اعتباره في اقتضاء الأحكام ولا يستقل العقل بدركه١.. وبهذا يعلم يقينًا أنه لا اعتبار لما يزعم في عقود التأمين من مصلحة لعدم موافقتها لمقاصد الشريعة بل لورود النص بالنهى عما تضمنته هذه العقود من غرر وربا ... الخ.
_________
١ راجع إن شئت المستصفى لأبي حامد الغزالي ص٢٥٠ وما بعدها تحقيق محمد أبو العلا الناشر- مكتبة الجندي - بالقاهرة والاعتصام للشاطيى ٢/ ٦٦ وما بعدها الناشر - دار التحرير للطباعة والنثر-.
٨- الاحتجاج بأن التأمين ضرورة اقتصادية: خلاصة الاحتجاج بالضرورة أن حاجة الناس إلى التأمين قد اشتدت وعظمت وأنه يشق عليهم تركه خوفًا من الكوارث حيث أصبح التأمين ضرورة لحفظ أموالهم وإن لم يكن من ضروريات الناس فإنه من حاجياتهم التي يترتب على فقدها الضيق والمشقة حيث أنهم قد ألفوه وتغلل في جميع نواحي حياتهم فلو منعوا منه لوقعوا في حرج ومعلوم في الشريعة الإسلامية أن المشقة تجلب التيسير والضرورات تبيح المحظورات٢.. وتقريرهم للاحتجاج على النحو السابق يتضمن اعترافهم بأن عقد التأمين يشتمل على أمور محرمة. وهذا الاحتجاج يدل على جهل قائله بأصول الشريعة الإسلامية ومبادئها إذ كيف يتصور أن توجد الضرورة إلى نظام كنظام التأمين؟ قد توجد الضرورة في حالات فردية تقدر بقدرها وتقيد بشروطها مثل اضطرار الذي يخشى الهلاك إلى أكل الميتة ومثل هذه الصورة لا تتصور في نظام كهذا النظام. وإذا عرفنا أن للضرورة حدودًا يعرف بها ما يكون ضرورة في واقع الأمر وما لا يكون وعرفنا معنى الضرورة وأنها ما يرتب على تركه تلف النفس أو العضو فهل الحاجة إلى التأمين من هذا الصنف؟ كلا. وإذا وجدت ضرورة فإنما تقدر بقدرها كما تقدم وتعتبر أمرًا استثنائيا يزول بزوال الحالة التي ألجأت إليه ولا يمكن أن يجعل قاعدة عامة في صورة نظام عام فإن مثل هذا يستلزم حاجة الشريعة إلى أنظمة وعقود محرمة واعتقاد مثل هذا قد يؤدى بصاحبه إلى الكفر والعياذ _________ ٢ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤٦٤ و٤٧٦ وما بعدها.
٨- الاحتجاج بأن التأمين ضرورة اقتصادية: خلاصة الاحتجاج بالضرورة أن حاجة الناس إلى التأمين قد اشتدت وعظمت وأنه يشق عليهم تركه خوفًا من الكوارث حيث أصبح التأمين ضرورة لحفظ أموالهم وإن لم يكن من ضروريات الناس فإنه من حاجياتهم التي يترتب على فقدها الضيق والمشقة حيث أنهم قد ألفوه وتغلل في جميع نواحي حياتهم فلو منعوا منه لوقعوا في حرج ومعلوم في الشريعة الإسلامية أن المشقة تجلب التيسير والضرورات تبيح المحظورات٢.. وتقريرهم للاحتجاج على النحو السابق يتضمن اعترافهم بأن عقد التأمين يشتمل على أمور محرمة. وهذا الاحتجاج يدل على جهل قائله بأصول الشريعة الإسلامية ومبادئها إذ كيف يتصور أن توجد الضرورة إلى نظام كنظام التأمين؟ قد توجد الضرورة في حالات فردية تقدر بقدرها وتقيد بشروطها مثل اضطرار الذي يخشى الهلاك إلى أكل الميتة ومثل هذه الصورة لا تتصور في نظام كهذا النظام. وإذا عرفنا أن للضرورة حدودًا يعرف بها ما يكون ضرورة في واقع الأمر وما لا يكون وعرفنا معنى الضرورة وأنها ما يرتب على تركه تلف النفس أو العضو فهل الحاجة إلى التأمين من هذا الصنف؟ كلا. وإذا وجدت ضرورة فإنما تقدر بقدرها كما تقدم وتعتبر أمرًا استثنائيا يزول بزوال الحالة التي ألجأت إليه ولا يمكن أن يجعل قاعدة عامة في صورة نظام عام فإن مثل هذا يستلزم حاجة الشريعة إلى أنظمة وعقود محرمة واعتقاد مثل هذا قد يؤدى بصاحبه إلى الكفر والعياذ _________ ٢ انظر أصول الفقه الإسلامي ص ٤٦٤ و٤٧٦ وما بعدها.
1 / 89
بالله لأنه يستلزم الاعتقاد بنقص الشريعة الإسلامية وتكذيب الله ﷿ القائل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...﴾ ١.
وحتى الحاجة التي تُنَزّل منزلة الضرورة مشروطة بأن يكون قد شهد لها الشرع بالاعتبار فليس كل ما يسبب حرجًا للناس يستباح به المحظور وقد ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج﴾ ٢ قول العلماء: "رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع"٣.
وما من شك أن من استقام على منهاج الشرع واتقى الله ﷿ فلن يجد حرجًا حين يمتنع من عقود التأمين.
والخلاصة أن الاحتجاج بالضرورة لا يصلح دليلًا لإباحة عقود التأمين إذ ليس هناك في الحقيقة ضرورة بالمعنى الشرعي.
_________
١ سوره المائدة آية ٣
٢ سورة الحج آية ٧٨.
٣ تفسير القرطبي ١٢/ ١٠١
الاحتجاج بنظام التقاعد: يستدل الزرقا بموقف فقهاء الشريعة- كما يقول- من نظام التقاعد مع أنه نظام تأميني بكل ما في كلمة التأمين من معنى ... يقول: "فما الفرق بين هذا النظام وبين التأمين على الحياة؟ ... ويضيف بأن الغرر والجهالة في نظام التقاعد أعظم منها في التأمين على الحياة ومع هذا يقره علماء الشريعة ... فلماذا يحسن وجود هذا النظام التقاعدي بين الدولة وموظفيها ولا يجوز نظيره تعاقدًا بين الناس٤.. والرد على تساؤله هو وجود الفارق بينهما فالتأمين عقد بين طرفين مبني على الغرر والربا مراد به الربح والكسب وأما نظام التقاعد فليس فيه تعاقد وإنما هو إلزام من طرف الدولة وحدها ليس فيه اتفاق وتعاقد مع الموظف ولا يراد به الربح والتجارة.. وحقيقة أن الراتب ومعاش التقاعد كله من الدولة وكان بإمكانها أن تحسب الرواتب صافية دون الإشارة إلى حسم تقاعد وتلتزم بإعاشة الموظف بعد التقاعد وهي ملزمة برعاية رعيتها وعلى الأَخص الذين قضوا حياتهم في خدمتها.. فعلماء الشريعة لم يعلنوا النكير على نظام التقاعد لأنهم لم يروا فيه صورة العقد الذي يشترط له ما يشترط للعقود وإنما هو إجراء وإلزام من جانب _________ ٤ انظر أصول الفقه الإسلامي ص- ٤١٤ وما بعدها.
الاحتجاج بنظام التقاعد: يستدل الزرقا بموقف فقهاء الشريعة- كما يقول- من نظام التقاعد مع أنه نظام تأميني بكل ما في كلمة التأمين من معنى ... يقول: "فما الفرق بين هذا النظام وبين التأمين على الحياة؟ ... ويضيف بأن الغرر والجهالة في نظام التقاعد أعظم منها في التأمين على الحياة ومع هذا يقره علماء الشريعة ... فلماذا يحسن وجود هذا النظام التقاعدي بين الدولة وموظفيها ولا يجوز نظيره تعاقدًا بين الناس٤.. والرد على تساؤله هو وجود الفارق بينهما فالتأمين عقد بين طرفين مبني على الغرر والربا مراد به الربح والكسب وأما نظام التقاعد فليس فيه تعاقد وإنما هو إلزام من طرف الدولة وحدها ليس فيه اتفاق وتعاقد مع الموظف ولا يراد به الربح والتجارة.. وحقيقة أن الراتب ومعاش التقاعد كله من الدولة وكان بإمكانها أن تحسب الرواتب صافية دون الإشارة إلى حسم تقاعد وتلتزم بإعاشة الموظف بعد التقاعد وهي ملزمة برعاية رعيتها وعلى الأَخص الذين قضوا حياتهم في خدمتها.. فعلماء الشريعة لم يعلنوا النكير على نظام التقاعد لأنهم لم يروا فيه صورة العقد الذي يشترط له ما يشترط للعقود وإنما هو إجراء وإلزام من جانب _________ ٤ انظر أصول الفقه الإسلامي ص- ٤١٤ وما بعدها.
1 / 90