Humanisme : Une très brève introduction
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وإليكم مشكلة جلية تتمثل في الاقتراح القائل بأن الثقة في التجارب الدينية المفترضة لا تتضمن تبني معتقد غير مبرر أكثر من الثقة فيما تقدمه لك حواسك الأخرى.
تكشف الملاحظة أن الناس يمرون بنطاق شديد الاختلاف من التجارب الدينية؛ فمن خلال تلك التجارب، يؤمن البعض بأن هناك آلهة كثيرة، في حين يؤمن البعض الآخر بأن هناك إلها واحدا، ويرى آخرون أنه لا توجد آلهة على الإطلاق (مثل بعض البوذيين). فالبعض يؤمن بالإله حسب المعتقد اليهودي والمسيحي، وآخرون يؤمنون بالإله ثور، والبعض الآخر يؤمن بالإله زيوس، وغيرهم يؤمنون بالإله ميثرا ... وما إلى ذلك. لقد آمن الناس في واقع الأمر بآلاف الآلهة وغيرها من الكيانات فوق الطبيعية (مثل القديسين ، والملائكة، والأسلاف)، وهي كيانات ذات نطاق كبير ومتنوع من الخصائص. ووجود أي من هذه الآلهة عادة ما يستبعد وجود كثير من الآلهة الأخرى، وفي بعض الحالات كلها. ومن ثم، نحن نعلم أنه على الأقل «كثير» من هذه التجارب يجب أن تكون خيالية «في أغلبها» على الأقل. لكن أليس ذلك الشخص، الذي بوضعه كل هذا في الاعتبار ورغم ذلك يصر على أن خبراته الدينية مؤشر للحقيقة يمكن التعويل عليه، شخصا ساذجا؛ بل أكثر سذاجة بكثير من الشخص الذي يعتبر تجاربه الحسية الطبيعية يمكن التعويل عليها إلى حد كبير (لأن حواسنا الطبيعية على الأقل لا تقدم لنا دليلا وجيها على أنها هي نفسها لا يمكن التعويل عليها على نحو كبير)؟
ثمة مشكلة أخرى في الاقتراح السابق؛ وهي أنه على الرغم من أن افتراض التوحيديين بأنهم يمرون بتجارب دينية قد يقودهم إلى الثقة فيما تنقله لهم حواسهم الأخرى، فإن حواسهم الأخرى سرعان ما تقدم لهم الكثير جدا من الأدلة على عدم وجود مثل هذا الكيان المعطاء (انظر إشكالية الشر التي عرضنا لها فيما سبق). وهكذا، على عكس الافتراض القائل بأن حواسنا الطبيعية يمكن التعويل عليها على نحو كبير، فإن الافتراض التوحيدي السابق ينتهي به الحال في الواقع داحضا لنفسه. (14) اللاهوت السلبي
لن يلتفت بعض التوحيديين للحجج التي ناقشتها في هذا الفصل والفصل الذي سبقه، وربما يقولون شيئا من قبيل:
الإله الذي لا تؤمن به، أنا لا أومن به كذلك، فأنت تتعامل مع مفهوم عتيق وساذج عن الإله، فلفظ «الإله» هو الاسم الذي أطلقه على أي إجابة عن السؤال: «لم توجد أشياء من الأساس؟» فهذا الأمر لا سبيل إلى معرفته ولا تحديده، وهو يتجاوز فهمنا. يمكننا أن نحدد الصورة التي ليس عليها الإله؛ فالإله ليس على سبيل المثال «شيئا» ولا «شخصا»، لكننا لا نستطيع أن نحدد الصورة التي هو عليها.
الرأي القائل بأننا لا نستطيع أن نحدد الصورة التي عليها الإله، بل الصورة التي ليس عليها فقط، أحيانا ما يطلق عليه «اللاهوت السلبي». وللتأليه السلبي مزاياه، ربما أوضحها أنك إن لم تحدد أبدا الصورة التي عليها الإله، فلن يستطيع أحد إثبات خطأ رأيك أو مخالفتك.
للوهلة الأولى، التأليه السلبي يجعل الإلحاد غير ممكن؛ فعلى سبيل المثال، إن قلت: «لا وجود لشيء يسمى الإله»، فسيوافقك التأليهي السلبي الرأي قائلا: «نعم، لا وجود في الواقع لمثل هذا «الشيء»!»
عالم اللاهوت دينيس تيرنر من أشد مناصري هذا الشكل من التأليه؛ ففي محاضرته الأولى بوصفه أستاذا للاهوت بجامعة كامبريدج (التي حملت عنوان «كيف تكون ملحدا؟»)، خاطب الملحد قائلا:
لا داعي أن تفترض اختلافك معي إن قلت: «لا وجود لشيء يسمى الإله»؛ لأنني وصلت لهذه النتيجة قبلك بكثير. فما أقول سوى أن العالم خلق من العدم، وهذه هي الطريقة التي يفهم بها الإله. أنكر هذا، وستكون ملحدا جديرا حقا بالاحترام. لكن لاحظ الخلاف الذي بيننا: إنه حول مشروعية ضرب بعينه شديد الغرابة من الفضول الفكري، حول الحق في طرح ضرب بعينه من الأسئلة.
لاحظ أن اقتراح تيرنر الأخير بأن الخلاف بين الملحد والتأليهي مثله هو إن كان الفضول العميق حيال أسئلة على غرار «لم توجد أشياء بدلا من العدم؟» فضولا مشروعا. ويصف تيرنر الملحد بأنه شخص لا يلتفت إلى مثل هذه الأسئلة، شخص لا يشعر بالرهبة أو الحيرة مطلقا إزاء حقيقة وجود أشياء من الأساس.
Page inconnue