Humanisme : Une très brève introduction
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
إن رفضنا الإيمان بالإله، فكيف إذن نرد على سؤال من الأسئلة التي استهللنا بها الفصل الثاني، وهو: ما سبب وجود الكون؟ فماذا سيكون جوابنا؟ على المستوى الشخصي، لست متأكدا تماما من كيفية الإجابة عن هذا السؤال. إنها معضلة عميقة ومحيرة لا أثق في أنني أملك حلا مرضيا لها.
يعتبر بعض التوحيديين هذا اعترافا مدهشا: «إن لم تكن لديك إجابة على هذا السؤال، فأنت لا تعلم إن كانت إجابتنا غير صحيحة! فرأيك لا يعدو كونه موقفا إيمانيا مثل رأينا.»
لكن اعتراف المرء أنه لا يملك إجابة على سؤال لا يعني أنه لا يمكن إنكار إجابات معينة على نحو معقول. هب أن شيرلوك هولمز يمر بيوم عصيب؛ فقد وقعت جريمة قتل شنيعة، وثمة مئات من المشتبه بهم، وشيرلوك هولمز لا يستطيع اكتشاف من ارتكبها، إلا أنه في حين لا يستطيع هولمز تحديد هوية الجاني، فإنه متأكد أن أناسا بعينهم أبرياء؛ فكبير الخدم، على سبيل المثال، لديه حجة تغيب قوية عن موقع الجريمة؛ ومن ثم فهولمز واثق على نحو مبرر أن كبير الخدم لم يرتكب الجريمة، رغم أنه لا يعرف من ارتكبها.
وبالطريقة نفسها، يمكن أن يقر الملحدون بوجود غموض يكتنف سبب وجود الكون، وبأنهم بالغو الحيرة بشأن هذا الأمر، إلا أنهم في الوقت نفسه يؤكدون على وجود أدلة دامغة، أيا كانت الصورة التي عليها هذه الأدلة، على أن الكون لم يخلقه الإله الكلي القدرة، الكلي العلم الواسع الخير حسب المعتقد اللاهوتي المسيحي. ربما يكونون واثقين بذلك على نحو مبرر قدر ثقتهم بأن الكون ليس من خلق إله كلي القدرة، مستطير الشر، وهو الأمر الذي كلنا تقريبا واثقون بشأنه لأسباب وجيهة. (13) هل يتبنى الملحدون معتقدات غير مبررة؟
ألا نضطر «جميعا» إلى تبني «معتقدات غير مبررة»؛ أي دون أن يكون لدينا دليل عليها في مرحلة ما؛ وفي ذلك الملحدون؟ فالملحدون، فوق كل شيء، يعتقدون أنهم يسكنون عالما ماديا حافلا بالأشجار والمنازل والجبال والبشر، لكنهم لا يعتقدون ذلك إلا بسبب أن هذا هو العالم الذي تكشفه لهم حواسهم؛ فكيف إذن يمكنهم معرفة أن حواسهم مرشد يمكن الاعتماد عليه إلى الحقيقة؟ كيف يمكنهم أن يعرفوا أن خبراتهم نتاج عالم حقيقي، لا كمبيوتر فائق، على سبيل المثال، يولد واقعا افتراضيا معقدا، كما في فيلم «ذا ماتريكس»؟ في كلتا الحالتين، سيبدو كل شيء في النهاية بالطريقة نفسها تماما؛ من ثم، لا يستطيع الملحدون تبرير اعتقادهم بأن حواسهم يمكن الاعتماد عليها إلى حد كبير؛ فاعتقادهم بأن العالم الذي يبدو أنهم يخبرونه هو عالم حقيقي اعتقاد ينطوي على معتقد غير مبرر تماما.
والآن يبدو لكثير من التوحيديين أنهم يتواصلون مع الإله في تجارب دينية على نحو مباشر؛ ولذا، لم لا يثقون في تلك التجارب الإلهية على النحو نفسه الذي يثق به الملحدون في تجاربهم الإدراكية؟ لكن يبدو أن كلا منهما لا يستطيع تبرير معتقداته بناء على خبراته. إلا أننا عادة لا نعتبر ثقة الملحد في موثوقية حواسه غير عقلانية، لكن لم ينبغي إذن أن نعتبر ثقة التوحيدي في موثوقية تجاربه الدينية أقل عقلانية على أي نحو؟
علاوة على ذلك، قد يزعم التوحيدي، بسبب أنه على وجه التحديد يثق في تجاربه الدينية التي يتواصل فيها مع الإله، أنه غير مضطر إلى الوثوق أكثر في تجاربه الإدراكية الطبيعية. إذا كان الإله خيرا بالصورة التي يراه بها الشخص الموحد له، فإنه لن يسمح لحواس الموحد له بأن تخدعه بانتظام؛ ومن ثم، فإن ثقته في حواسه لا تقتضي تبني معتقد آخر غير مبرر.
وعليه قد يخلص الموحد، على الأقل بالنسبة إلى شخص مر بمثل هذه التجارب الدينية، إلى أن الإيمان بالإله وإيمان الملحد بالعالم الخارجي كليهما يمثلان موقفا إيمانيا.
وهذه حجة بارعة، ربما تنطوي على «بعض» الحقيقة. قد تكون حقيقية من منطلق أن الإلحاد موقف إيماني؛ لأن «أي» معتقد يؤمن به المرء حيال الكيفية التي توجد بها الأشياء خارج عقله هو في نهاية المطاف موقف إيماني (رغم أن لدي شكوك حيال هذا الأمر؛ فعلى سبيل المثال، يذهب بعض الفلاسفة إلى أن الرأي القائل بوجود الأجسام المادية والأشخاص الآخرين وما إلى ذلك خارج عقلي هو «أفضل تفسير متاح» لدي لمختلف الخبرات الإدراكية التي أمر بها؛ ومن ثم فهو ليس موقفا إيمانيا على الإطلاق، بل فرضية مؤكدة).
إلا أنه حتى إن كان أي اعتقاد حول الكيفية التي تبدو عليها الأشياء خارج عقل المرء يستلزم تبني معتقد غير مبرر، فلا يستتبع ذلك أنه من العقلاني أن يثق التوحيديون في تجاربهم مع الإله كما يثق الملحدون في تجاربهم الإدراكية الطبيعية.
Page inconnue