Humanisme : Une très brève introduction
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ربما تسأل عن سبب افتراضي وجود مثل هذا الجبل. وإن لم أقدم لك أسبابا وجيهة، فستتشكك في كلامي، ومعك الحق في ذلك. لكن في الواقع، ألا توجد مشكلة أكثر جوهرية في زعمي بوجود مثل هذا الجبل؟ ألا يمكننا أن نعلم، حتى قبل أن نلتفت إلى مسألة إن كان يوجد «دليل» يؤيد وجود مثل هذا الجبل أو ينفيه، أنه لا يمكن أن يوجد مثل هذا الشيء؟ إذ إن فكرة الجبل الذي لا يشغل حيزا من الفراغ في حد ذاتها غير منطقية، ولجبلي الافتراضي قمة وتحفه وديان ومنحدرات، لكن كلها مظاهر تستلزم امتدادا مكانيا؛ فالقمة تستلزم أن يكون جزء من الجبل أعلى من جزء آخر، والوادي يجب أن يكون منخفضا عن الأرض المحيطة به. فمفاهيم الجبل والقمة وغيرها لا تنطبق على نحو محسوس إلا في سياق مكاني. أخرج هذا السياق من المسألة وستجد أننا في النهاية نتحدث عن هراء.
لكن عندما ننتقل الآن إلى مفهوم المصمم المتجاوز للوجود المادي، هل يبدو الأمر منطقيا أكثر بأي شكل من الأشكال؟ لمفهوم الفاعل أصله في إطار زماني؛ فمفهوم الفاعل هو مفهوم لشخص أو لشيء له «معتقدات» و«رغبات» قد «يتصرف» على أساسها على نحو عقلاني إلى حد ما. إلا أن التصرفات هي أحداث تحدث في لحظات معينة من الزمن، والمعتقدات والرغبات حالات نفسية لها مدة زمنية.
والآن عندما نفترض أن الكون الزمكاني من خلق الإله، فإننا نفترض أنه من خلق فاعل لا زماني؛ أي فاعل لا يوجد في حيز الزمان (أو على الأقل لم يكن موجودا حينها)؛ لأنه حينها لم يكن هناك بالطبع أي زمن كي يوجد فيه الفاعل. لكن إن كانت الرغبات حالات نفسية ذات مدة زمنية، فكيف يمكن لهذا الفاعل أن يمتلك رغبة خلق الكون؟ وكيف أقدم على فعل الخلق إن لم يكن هناك أي زمن تؤدى فيه الأفعال؟ من الصعب أن ترى الحديث عن فاعل لا زماني أكثر منطقية بأي صورة من الحديث عن جبل لا وجود له في حيز مكاني.
ربما تتفادى هذه الألغاز بافتراض أن الإله موجود، وطالما كان موجودا، في الزمن؛ فهذا يوفر للإله الإطار الزمني الضروري الذي قد يمتلك من خلاله الرغبة في صنع الكون ووضع تصميم له والقيام بعملية الخلق. لكن هذا يطرح مجموعة كبيرة من الأسئلة المحيرة الأخرى؛ مثل: «لم استغرق الأمر من الإله طيلة هذه المدة كي يجد الوقت لخلق الكون (ومن المفترض أنها فترة طويلة جدا لا يمكن قياسها)؟ هل كان يمتلك دوما الرغبة في خلق مثل هذا الكون؟» إن كانت الإجابة بنعم، فلم انتظر طيلة هذه المدة قبل الشروع في الخلق (وماذا كان يفعل في تلك الفترة)؟ أو إن كانت تلك رغبة جديدة تولدت لديه، فلم تولدت تلك الرغبة تلقائيا لديه؟ (بل كيف يمكن أن تتولد رغبة جديدة إن كان من المفترض أن الإله «غير قابل للتغير»؛ «لأني أنا الرب لا أتغير» [ملاخي، 3: 6].)
ومن جانبنا ربما نصر، مثلما يفعل كثير من التأليهيين، على أن الحديث عن وجود مصمم ذكي ينبغي ألا يفهم «حرفيا»؛ فنحن لا نفترض وجود فاعل ذكي بالمعنى الحرفي، بل شيء «شبيه» بمثل هذا الفاعل.
هل ينجح هذا الاحتكام إلى التشابه في إنقاذ التفسير بالمعنى الوارد في التصميم الذكي؟ هب أنني أحاول تفسير ظاهرة طبيعية ما بالاحتكام إلى وجود جبل لا مكاني، فيشير منتقدي إلى أن فكرة مثل هذا الجبل غير منطقية، فترتسم على وجهي أمارات الضجر وأصر على أنهم يؤولون كلامي على نحو مبالغ جدا في الحرفية والتبسيط؛ فأنا لا أتحدث عن جبل بالمعنى «الحرفي»، بل عن شيء «شبيه» بالجبل؛ هل ينقذ هذا تفسيري؟
هب أن التشابه الذي أطرحه كالتالي: الشعور بالذنب الذي يشعر به بلد من البلدان حيال عمل فظيع أقدم عليه هو مثل جبل شاهق يطأ بوزنه على النفس الجمعية لمواطني هذا البلد، وهذا بالتأكيد تشابه حسن قد نسوقه بمختلف الطرق. والآن هب أن البلد الذي نتحدث عنه ضربه زلزال شديد. سأحاول تفسير الزلزال بالاحتكام إلى هذا الشيء الشبيه بالجبل، بالتأكيد لن يفسر هذا الزلزال؛ فشيء «شبيه» فحسب بالجبل لن يتمتع بالقوى السببية والتفسيرية نفسها التي يتمتع بها جبل حقيقي؛ فالشعور الجمعي بالذنب لا يسبب الزلازل.
ويمكنك الآن أن ترى لم كان من يحاولون تفسير سمات العالم بالاحتكام إلى شيء شبيه وحسب بفاعل ذكي يحملون على عاتقهم الكثير (على أقل القليل) من الأمور التي عليهم تفسيرها! فعليهم مهمة تفسير؛ أولا: ما التشبيه المقصود تحديدا؟ وثانيا: كيف يفترض بالتشبيه الذي يسوقونه أن يتجنب تهمة الهراء الموجهة إلى النسخة المفهومة حرفيا من الزعم؟ وثالثا: كيف يفترض بهذا الشيء الشبيه وحسب بالفاعل الذكي أن تكون لديه القدرات التفسيرية المناسبة التي يتمتع بها الفاعل الذكي الحقيقي؟
هل يمكن لمن يحتكمون إلى شيء «شبيه» وحسب بفاعل ذكي أن يقدموا هذه التفسيرات؟ لا يتضح لي أن بإمكانهم ذلك (وغالبا لا يكلفون أنفسهم عناء المحاولة). وهذه الاحتكامات إلى التشابه تبدو لكثير من المعلقين، وأنا من بينهم، أنها تسحب الجدل حول التصميم الذكي، لا إلى أعلى إلى مستوى التعقيد والعمق العظيم، بل إلى أدنى إلى مستوى المراوغة والإبهام. (7) لم يوجد إله؟ ولم هذا الإله بالتحديد؟
إن طرحنا جميع هذه الاعتراضات جانبا، فيتبقى ما قد يكون أكثر الاعتراضات إسقاطا للحجة على الإطلاق؛ وهو أنه ستكون قفزة ضخمة وغير مبررة، في هذه الحالة، أن نخلص من النتيجة القائلة بأن الكون صنيعة ذكاء إلى نتيجة أخرى تقول بأن هذا الذكاء هو إله المحبة الكلي القدرة المنان بلا حدود، الذي يعبده المسيحيون والمسلمون واليهود.
Page inconnue