والمرأة مادية في رغباتها ومقاصدها؛ فقد يتسلى الرجل عن حاله بالفلسفة كما يقولون. وتأبى هي أن تتجاوز ببصرها الواقع الملموس. وقد يجل الرجل عظيما زريا ولا ترى المرأة فيه إلا ما يضحك منه ويتنادر عليه. •••
وهناك رجل من زمرة أسميها قرود النساء، لا هو بالغني الوسيم ولا بالغني الكريم. ولكنه ذو حظوة عند المرأة. ذلك رجل سبر طباعها، وخبر تقلبات أهوائها. فعرف ما يضحكها ويعجبها، وما يسرها ويحببها، فيتلاعب بعواطفها، يأتيها من جانب غرورها اليوم، ومن جانب غيرتها غدا، ومن جانب مشتهياتها وهواجسها مرة أخرى، فتستملح عشرته، وتستطيب حديثه. وما أقرب ما بين الحب والاستحسان في قلوب النساء.
وإنا لنسمع عن نفور زوجات العلماء والعقلاء من أزواجهن وتبرمهن بعشرتهم. وما لذلك من سبب إلا أنهم لا يتنزلون إلى إرضاء صغائر المرأة، ولا يحسنون ما يحسنه هؤلاء القرود. •••
فليس أحظى عند المرأة من هؤلاء الثلاثة: فتى ذو جمال، أو صاحب مال ونوال، أو خلب نساء ختال. تتخيرهم وتقدهم على سواهم، وما هم بأطيب الأزواج ولا بأحسن الآباء ولا بخير الرجال.
وما شر الثلاثة أم عمرو
بصاحبك الذي لا تصبحينا
الخاتمة
لئن كانت المرأة ضعيفة الحول، قاصرة العقل، ضئيلة الأخلاق والصفات، فليس معنى ذلك أنها لن تصلح لشيء من الأشياء، أو أن العالم في غنى عنها اليوم، أو سيكون غنيا عنها في يوم من الأيام. بل معناه أنها إذا خرجت عما يناسب طورها هذا إلى الطور الذي نراها فيه الآن، كان ذلك خروجا منها عن حدها، وكانت قد حلت في غير الموضع الذي ينبغي لها.
ولقد عنيت بكل ما تقدم أن أبين أن هذه المكانة التي أحرزتها المرأة بيننا مكانة مفتعلة. وأن هذا الاحترام الذي تلقاه من الحضارة الحديثة - إن صح أن يدعى احتراما - إنما هو احترام باطل. لا تبصر له أثرا إلا في غرف الأندية وقاعات الرقص وحفلات السباق، فإذا فتشت عنه في المجتمع لم تجد إلا قسوة على المرأة واستهانة بها. ورأيت كيف تهلك هذه المعبودة غرثى، أو تعيش بثمن حيائها وهنائها باكية ولهى.
وليس الغرض أن لا نحترم المرأة فنهينها أو نرى أن ضعفها يستوجب قهرها والحجر عليها. بل نحن لا ننسى أنها في كل حالاتها إما أم لنا أو أخت أو بنت أو زوج أو ذات قربى. فالمروءة بل الضرورة تقضي علينا أن نرأف بها كما نرأف برفيق لا غنى لنا عنه. وإذا كان لا يحق لها أن تكون «سيدة» كما هي اليوم، فليس ذلك بمرجعها أمة كما كانت أمس، ولا شيء فيه من العدوان على حريتها أو اهتضام حقوقها.
Page inconnue