L'homme, l'animal et la machine : redéfinition continue de la nature humaine
الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية
Genres
على غرار تطور الكائنات الحية، يمر التطور التقني بعمليتين متكاملتين، ألا وهما التجاور والتكامل. ففي البداية تنتج مجموعة جديدة عبر المزج بين عناصر تقنية أولية. وفي هذا الترتيب يضطلع كل عنصر تقني بمهام مكملة لمهام العناصر المجاورة، ولكن النظام الكامل يظل غير متكامل بصورة كبيرة. وفي البداية تكون العناصر التقنية المجمعة والناتجة عن عمليات تطور مستقلة متجاورة فقط. ثم تخضع التقنية الجديدة والمتكونة بهذه الطريقة لمسارها التطوري بالتحسن التدريجي عبر التكامل. ويكثف كل عنصر تفاعلاته مع العناصر الأخرى بغية تشكيل كل متماسك وموحد. ومن أجل وصف هذه العملية، يستخدم جيلبرت سيموندون مصطلح «الإتقان» بمعناه الأصلي (أي، ما ينمو بصورة متناسقة).
3
يمثل التطور في صناعة هياكل السيارات مثالا جيدا على عمليات التجاور والتكامل. فعلى مر أجيال السيارات، قامت الهياكل على التوالي «بإدخال» الأجنحة والمصابيح والمرايا ومؤخرا الواقي من الصدمات لكي تتحول إلى الأشكال «البيضوية» للسيارات الحديثة.
4
إن التجاور والتكامل ليسا فقط مرحلتين مختلفتين بل اتجاهان لا يزالان مستخدمين في عملية تطور الأشياء. ويمكننا أن نعتبر أن هاتين القوتين تنطبقان على التوازي على المكونات التقنية الأولية (صمام دائرة إلكترونية، أو محرك سيارة، إلخ ...) وينطبقان أيضا على مستوى الأشياء الضخمة، ألا وهي البيئات التقنية. وثمة اتجاه الآن لدى البيئة الشاملة لتكنولوجيا المعلومات إلى التكامل، مما يجعل كل تقنية تشارك في هذه العملية (كمبيوتر، مشغل موسيقى، البنى التحتية للشبكات) تميل إلى تكثيف التفاعلات مع الأشياء الأخرى؛ ومن ثم تحدد إطارها.
وحتى لو تميل التقنية إلى التكامل إلا أنها لا تتكامل أبدا بصورة كلية، وهذا ما يتضح عبر بقاء أجهزة متنوعة لا تزال تحتفظ بدرجة من درجات الاستقلالية. فيمكننا إذن أن نتحدث بكل وجاهة عن «الفسيفساء» التقنية. (2-2) التقنيات تتطور في شكل سلالات
تتطور التقنيات في شكل سلالات وتخضع لعمليات اصطفاء وأنظمة تكاثر مختلفة. وتنطبق عمليات الاصطفاء على التوازي على مستويات عدة بداية من المكونات الأولية حتى الأنظمة البيئية نفسها. وتتسم معايير اصطفاء التقنيات وانتشارها بالتعقيد، وبالإضافة إلى ذلك فهي لا تزال غير معروفة. ويبدو أن انتشار معظم الابتكارات التقنية يمر عبر ثلاث مراحل متتالية.
خلال الفترة الأولى وهي فترة التكون، تشكل مجموعة تقنية جديدة عبر تجاور عناصر تقنية قائمة بالفعل أو في طور النمو، وتتسم هذه المجموعة بدرجة منخفضة من التكامل. وتعد العناصر التقنية المستخدمة ناتجة عن سلالات تقنية مستقلة بعضها عن بعض، وربما تكون شديدة القدم. وبصورة عامة، ظهر تاريخيا في ذلك التوقيت «مخترع»، وهو يستحق هذا اللقب حتى لو لم يكن سوى حلقة صغيرة من حلقات سلسلة طويلة من المبتكرين. فعلى سبيل المثال صنع فانفر بوش في عام 1930 أول جهاز كمبيوتر على هيئة آلة عملاقة تضم مكونات كهربية وميكانيكية مختلفة. وفي الفترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، لم يكف هذا النوع من الكمبيوتر عن النمو عبر التجاور حتى ضم 2000 أنبوب كاثودي و150 محركا كهربيا. وتطورت عملية تكامل على التوازي مما أدى إلى إحلال الترانزستور والدوائر المتكاملة بدلا من العناصر الكهروميكانيكية. وبداية من عام 1958 كان الكمبيوتر جاهزا للانتشار في بيئات أكثر انفتاحا من بيئة مختبر البحث.
وخلال الفترة الثانية وهي فترة النضوج، يمكن إذن للتقنية أن تنتشر مستمرة في تحولها عبر التجاور والتكامل، وعند بلوغها درجة معينة من الانتشار، تصل إلى نقطة انفصال، ويتم تبني هذه التقنية من خلالها بفضل ديناميكية التعزيز الذاتي؛ فيؤدي كل شيء جديد ومنتشر إلى زيادة في الطلب عليه (فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يحملون هاتفا كان من المفيد الحصول على واحد منه). وتقود هذه السرعة في الانتشار من جهة إلى تكامل أقوى للتقنية، ومن جهة أخرى إلى بزوغ أنظمة بيئية جديدة تتمحور حول التقنية المنتشرة أو حول أحد أجزائها. ومنذ بداية الستينيات بدأت أجهزة الكمبيوتر في الانتشار بعدد متنام من المكاتب. وفي عام 1971، نجحت شركة إنتل للمرة الأولى في وضع كل أجهزة الترانزستور لإحدى وحدات المعالجة المركزية على دائرة واحدة متكاملة؛ مما أدى إلى اختراع المعالج الدقيق. وأتاح هذا التصغير زيادة استخدام الكمبيوتر (حيث قلت المسافة بين المكونات)، وخفض التكاليف وصناعة أجهزة كمبيوتر أصغر حجما: أجهزة الكمبيوتر الصغيرة، وهو ما أدى إلى ميلاد أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي تسللت من بيئة الشركات إلى العالم المنزلي. وعبر ربط أجهزة الكمبيوتر فيما بينها على المستوى المحلي في بادئ الأمر ثم في شكل شبكات عالمية، أدى ذلك إلى نشأة بيئة جديدة تتضمن بنى تحتية للتواصل وبرامج من شأنها هي الأخرى أن تمثل سلالات تقنية جديدة.
وفي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التشبع، تشهد بعض السلالات التقنية استقرارا أو تراجعا. وثمة سببان من شأنهما أن يقودا إلى هذا التشبع. فقد تقترب التقنية المتكاملة من الحدود الفيزيائية التي لا يمكن تجاوزها، مثل قانون الديناميكا الحرارية للحد الأقصى من الطاقة المنتجة للمحركات . ومع ذلك، غالبا ما يستبدل به سلالة تقنية أخرى أكثر تكيفا مع بيئة معينة. وشهدت دقة الساعات الميكانيكية زيادة مطردة خلال ستة قرون. إلا أنه في العشرينيات وبعد ظهور ساعات الكوارتز صارت هذه السلالة التقنية غير مستعملة، على الأقل فيما يتعلق بقياسات الدقة.
Page inconnue