L'homme dans le Coran
الإنسان في القرآن
Genres
وقد آثر الأستاذ حوراني أن يؤخر رأيه حتى يسوق بين يديه آراء علماء الطبيعة المخالفين لدارون في القول بتحول الإنسان عن غيره من الحيوان، قال: «إن العلماء لم يثبتوا مذهب دارون، وكذلك نفوه وطعنوا فيه مع علمهم أنه بحث فيه عشرين سنة، ومنهم العلامة «ونشل»، مع أنه من أشد الناس ميلا إلى القول بالارتقاء بفعل الله، ومنهم العلامة ولاس قال ما خلاصته: إن الارتقاء بالانتخاب الطبيعي لا يصدق على الإنسان، ولا بد من القول بخلقه رأسا.
ومنهم الأستاذ فرخو قال: إنه يتبين لنا من الواقع أن بين الإنسان والقرد فرقا بعيدا، فلا يمكننا أن نحكم بأن الإنسان سلالة قرد أو غيره من البهائم، ولا يحسن أن نتفوه بذلك، ومنهم «ميفرت» قال بعد أن نظر في حقائق كثير من الأحياء: إن مذهب دارون لا يمكن تأييده، وأنه رأي من آراء الصبيان، ومنهم العلامة فون بسكوف، قال بعد أن درس هو وفرخو تشريح المقابلة بين الإنسان والقرد: إن الفرق بين البشر والقرود أصلي وبعيد جدا.
ومنهم العلامة أغاسيز، قال في رسالة في أصل الإنسان تليت في ندوة العلم الفكتورية ما خلاصته: إن مذهب دارون خطأ علمي باطل في الواقع، وأسلوبه ليس من أساليب العلم بشيء، ولا طائل تحته، ومنهم العلامة هكسلي، وهو من اللاأدرية وصديق لدارون، قال: إنه بموجب ما لنا من البينات، لم يتبرهن قط أن نوعا من النبات أو الحيوان نشأ بالانتخاب الطبيعي أو بالانتخاب الصناعي، ومنهم العلامة تندل، وهو كهكسلي، قال: إنه لا ريب في أن الذين يعتقدون الارتقاء يجهلون أنه نتيجة مقدمات لم يسلم بها، ومن المحقق عندي أنه لا بد من تغيير مذهب دارون.»
ويقسم الأستاذ حوراني أنصار مذهب النشوء إلى ثلاث فرق: معطلة ولاأدرية وإلهية، «أما المعطلة فهي التي نفت الخالق سبحانه وقالت بقدم المادة، وأما اللاأدرية فهي التي لم تتعرض لنفي الخالق ولا لإثباته، وأما الإلهية فهي التي اعترفت بواجب الوجود تعالى، وقالت بأنه خالق المادة والحياة، وانقسمت هذه الفرقة إلى اثنتين، ظنت إحداهما الإنسان ابن القرد أو صنوه، ومنها دارون، وقالت الأخرى بأن الله خلق الإنسان من البدء إنسانا، ومنها العلامة ولاس، وعلماء هذه الفرقة أصحاب النشوء الإلهي التي قالت بإمكانه، وصرحت بعدم البرهان على وقوعه، وبأن عليه اعتراضات لم تدفع دفعا مقنعا.»
ثم أورد الأستاذ حوراني إحصاء بعض علماء الحفريات عن الأنواع التي وجدت في باطن الأرض، فقال: إن ثمانية وعشرين في المائة منها أنواع لم تتغير، وسبعة في المائة أنواع مهاجرة، وخمسة وستين في المائة لا سلف لها. وأما الأنواع التي نشأت بالتغير أو الأنواع الجديدة فلا وجود لها في شيء من بقايا الحفريات.
ويرد الأستاذ حوراني على استدلال النشوئيين بتشابه الأجنة بين الإنسان وبعض الحيوان، فيقول: إن علة هذا التشابه «بساطة التكوين وقصر النظر؛ بدليل أن التباين يعظم على توالي اقترابها من كمال التكوين، فلا ينشأ من بيوض الإنسان أو أجنته سوى أناس، ولا ينشأ من بذرة اللوزة إلا لوزة».
ويحيل النشوئيين إلى بحث التيرانولوجيا - أي المشوهات - لتفسير الأعضاء الأثرية التي تثبت بعد ولادة الجنين، ومن أمثلتها «الأعنش»، أي من له ست أصابع، وهو من أبسط الأمثلة، والأشوه المزدوج؛ كهيلين وجوديث، وهما الأختان الهنغاريتان المشهورتان، كانتا ملتصقتين بالمتنين والأفخاذ والأحقاء، ولدتا سنة 1701 وعاشتا اثنتين وعشرين سنة، وكانتا مختلفتي السجايا والأخلاق.
وقال عن الانتخاب الطبيعي: إنه لا يمكن أن يكون أس الارتقاء الداروني؛ لأن الطبيعة إنما تؤثر في الموجود، وليس لها أن توجد المعدوم، فيمكنها أن تعمي العيون، ولكنها لا تستطيع أن توجد البصر «ويقتضي مذهب دارون أن لا تجمع الأنواع الدنيا والعليا، بل تتعاقب وتسبق الأولى الثانية أبدا، ولكن ذلك الاجتماع ثبت في المنقرضات والأحياء».
وأضعف ما في ردود الأستاذ حوراني قوله عن قدم الإنسان؛ إذ يقتضي مذهب دارون أن يكون الإنسان قديما جدا: «ولكنه تبين لأشهر العلماء وأكابرهم من النشوئيين وغيرهم أنه أحدث الأحياء، وأنه كان منذ بضعة آلاف سنة، وأثبت العلامة دوسون أنه كان في ثاني العصر الجليدي، وهو المعروف بالأكثر أحدثية، وفصل ذلك في خطبة له في الإنسان قبل زمن التاريخ، وقال الدكتور هويدن: نظرت أربع فرق مستقلة من الجيولوجيين في زمن نشوء الإنسان، فاتفقت على أنه نشأ منذ ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف سنة.» •••
وفي إبان احتدام المناقشة بين منكري المذهب ومؤيديه، أصدر الأب جرجس فرج صفير الماروني، مدرس الفلسفة بالمدرسة اللبنانية في قرية شهوان، (1890) كتابا نهج فيه منهج الحوار بين خصمين، سمى أحدهما بالإنسان القردي، وسمى الآخر بالإنسان الآدمي، وأدار الحجاج بينهما على هذا المثال، مع اختصار بعض التفصيلات:
Page inconnue