L'homme dans le Coran
الإنسان في القرآن
Genres
ولهذا كانت نهاية الحرب العالمية الثانية دورا من أهم أدوار البحث في مذهب النشوء بما دعت إليه من بحوث متشعبة في تنازع البقاء وإرادة القوة، وفي تفسير التاريخ بالعوامل الاقتصادية أو العوامل الفكرية والروحية، وفي هذه السنة - سنة 1945 - تدفقت الكتب التي تعرض لهذه المباحث بأقلام علماء الطبيعة وعلماء اللاهوت، ولكن مؤلفات اللاهوتيين في هذه الفترة لم تكن دون مؤلفات العلماء الطبيعيين في حجج العلم، وشواهد التجربة، وصدق النظر في أقوال الأنصار والخصوم.
ولعل أجمعها فيما اطلعنا عليه كتاب «الله والإنسان والكون»،
2
الذي توفر على تأليفه نخبة من الباحثين الدينيين يعرضون وجهات النظر «الكاثوليكية» في تحقيق كل فلسفة تبحث في الأصول، ومنها: أصل المادة، وأصل العقيدة، وأصل الإنسان، وأصل النظام الاجتماعي، وما يتشعب عن هذه الأصول من البحث في مشكلة الشر، وتاريخ الكنيسة، ورأس المال، والمادية الماركسية، وغيرها من مشكلات الإنسان التي تتوالى في كل زمان بأسلوب وعنوان. •••
وقد استفاد مؤلفو هذه المجموعة من جميع المعارك العلمية التي انتشرت بعد الحرب العالمية الأولى، ولم تكن متداولة بين الكتاب اللاهوتيين في الربع الأول من القرن العشرين، وأمعنوا في التفصيلات التشريحية التي كانت مجملة في الفوارق الواسعة بين تركيب القرد وتركيب الإنسان، ولا سيما الفارق المميز للإنسان الناطق، وهو قوام الفصل بين النوع الآدمي وعامة الأنواع العليا.
فهذا الفارق الواسع في الملكات العقلية يقابله فارق دقيق في تكوين الدماغ يبين استحالة النطق بغير هذا التركيب الإنساني الخاص بدماغ الإنسان دون سواه؛ فالرأس الإنساني يحتوي جميع المناطق التي وضعناها في رءوس القردة، ولكنها تتخصص بمناطق أخرى تسمى بالمناطق الثانوية، أبرزها تلك المنطقة الخاصة بمراكز الألفاظ الكلامية، وهي مستحيلة بغير الاتصال الوثيق بأجهزة الكلام من عضلات الوجه والفم والبلعوم مع جهاز التنفس، سواء من جانب حركات الحس ومراكز اللمس والسمع، بل البصر كذلك.
فهناك مركز للنطق في مقدمة مراكز الحركة في الوجه، ومراكز بصرية للكلام في المنطقة الجدارية، ومراكز سمعية في الفص الصدغي، وفقدان مراكز الحركة يستتبع العجز عن الحركات المتقابلة الضرورية للنطق بغير تعطيل عمل اللسان والشفتين، كذلك تستتبع آفات البصر عجزا عن قراءة الكلمة المكتوبة، كما تستتبع آفات السمع عجزا عن فهم الكلمة الملفوظة وإن تيسر سماعها، ويضاف إلى هذه المراكز مراكز أخرى خلفية يرى بعضهم أنها مقر لأدق الوظائف السيكولوجية. ولا يوجد غير الشمبانزي بين القردة المعاصرة حيوان له مناطق ثانوية ذات امتداد جد ضعيف. •••
وعلى هذه الوتيرة المطردة يؤدي هؤلاء العلماء اللاهوتيون أمانة «العلم الطبيعي» لإبراز مواضع الشبهة في أدلة مذهب النشوء وقرائنه التي ترتفع إلى قوة الدليل، فهم يوسعون الفارق غاية التوسع المحتمل في حدود المقررات العلمية، ولا يدعون فارقا خفيا منها؛ وضحوه وكبروه وبلغوا به غاية الشك، وباعدوا غاية البعد بينه وبين مرجحات اليقين، ولم يقصروا ذلك على الأدلة أو القرائن التي يستند إليها النشوئيون للقول بتحول النوع الإنساني من الأنواع الدنيا، بل شملوا به كل دليل وكل قرينة تدعم فروض التحول بين نوع ونوع من الحشرات والأسماك والزواحف والطيور والفقاريات، ومنها المتسلقات وغير المتسلقات. •••
وقوبل مذهب النشوء باعتراض شديد بين علماء الطبيعة الذين ناقشوه بالأدلة العلمية، وطلبوا من دعاته دليلا محسوسا على فعل الانتخاب الطبيعي في تحول الأنواع، ولا سيما نوع الإنسان؛ فالمعترضون عليه - طلبا للأدلة الطبيعية - لا يقلون عددا ولا اعتراضا عن المعترضين اللاهوتيين.
وقد أيده أناس من كبار علماء الطبيعة وتحمسوا لتأييده، فكان تحمسهم له باسم حرية الرأي أشد من تحمسهم له إيمانا بحقيقته، واعترافا بكفاية براهينه، فمن هؤلاء العلماء، بل من أشدهم حماسة له توماس هكسلي، صديق دارون وصهره ومدره
Page inconnue