ثم انصرف القهوجي باشي، وجاء الخبر بأن المائدة معدة للفطور، فنهض عبد الحميد إليها وتناول فطورا خفيفا من البيض واللبن، وهو يتوقع دخول الحاجب بمجيء البريد أو السر خفية.
وما عتم أن سمع رنين جرس الباب الخارجي، فعلم أنه الحاجب جاء بخبر جديد، فنهض ومشى إلى غرفة الاستقبال التي يطالع فيها التقارير، فلقيه الحاجب وألقى التحية المعتادة وقال: «إن الباشكاتب بالباب.»
فعلم عبد الحميد أن الباشكاتب لا يبكر على هذه الصورة من عند نفسه إلا لخبر مهم، فخفق قلبه تطلعا إلى ما عساه أن يكون وأشار إلى الحاجب أن يأذن للباشكاتب بالدخول.
وبعد هنيهة دخل الباشكاتب والسلطان قد جلس إلى المنضدة التي يقرأ عليها التقارير، فحيا وهو يبتسم دلالة على طيب الأخبار التي جاء بها فاستبشر السلطان، وإذا بالباشكاتب يقدم له ظرفا عرف من شكله أنه تلغراف فتناوله بلهفة وفضه وقرأه، فبانت الدهشة في وجهه وأغرق في الضحك وفي عينيه ملامح الشماتة والاستهزاء، ثم انتبه لوقوف الباشكاتب فأومأ إليه أن يقعد فقعد.
فأعاد عبد الحميد نظره في التلغراف كأنه يتفهم معناه، ثم قال: «عفارم ... عفارم ناظم!» والتفت إلى الباشكاتب وقال: «متى جاءك هذا التلغراف؟»
قال: «في هذه الساعة يا مولاي.»
فدفعه إليه وقال: «اقرأ».
فقرأ ما ترجمته: «قد تمكنا ببركة الذات الشاهانية المقدسة وهمة الجاسوس صائب بك من القبض على رامز أحد أعضاء الجمعية الجهنمية ومعه أوراق مهمة تكشف عن خيانات كثيرة، وننتظر الأمر بما يلزم، والأمر لصاحب الأمر (ناظم).»
فقال السلطان: «من هو صائب هذا؟»
قال: «هو من الجواسيس الذين أرسلهم السر خفية إلى سلانيك، وقد سمعته يثني على إخلاصه واجتهاده.»
Page inconnue