قال الغلام: «جئت لأكلم الببغاء!» وضحك بسذاجة وأشار إلى الببغاء في يد المربية الواقفة في الخارج، وكان قلبها يختلج خوفا من غضب السلطان لئلا يظن بها سوءا فيقتلها، وقد عرفت كثيرا من أمثال هذه الفظائع في يلدز: يقتل فيها الرجل أو المرأة بطلق ناري من يد عبد الحميد لمجرد التوهم أنه جاء بدسيسة. فظلت واقفة في الخارج وودت لو أن الأرض تبتلعها وتخفيها، ولولا علمها بأن عبد الحميد يكون في مثل ذلك الوقت منزويا في مكتبه يقرأ التقارير ما رافقت الغلام إلى الحديقة.
فلما أشار الغلام إلى الببغاء التفت أبوه إلى المربية وأومأ إليها أن تعيد الطير إلى قفصه، وكان قفصه معلقا بشجرة من الدلب قريبة من الكشك، فما صدقت أنه أمرها بذلك حتى مشت إلى أحد البستانيين فأعانها على إدخال الببغاء إلى القفص، وانزوت في بعض جوانب الحديقة.
وأخذ عبد الحميد في مداعبة ابنه فقال له: «أتحب الببغاء كثيرا يا نور الدين؟»
قال: «نعم يا بابا.»
فقال السلطان: «تحبه أكثر مني؟»
فاهتم الغلام بذلك السؤال رغم طفولته، لأن تعظيم شخص عبد الحميد كان قاعدة متبعة يتدارسها الكبار والصغار، ولعله آنس في عيني أبيه ما بعثه على الاهتمام، فقال: «العفو أفندم، لا ينبغي أن نحب أحدا في الدنيا أكثر من الذات الشاهانية.»
فأدرك عبد الحميد أن مثل هذه العبارة لا يقولها الغلام من عند نفسه، فقال له: «ومن علمك ذلك؟»
فخاف الغلام أن يكون قد أخطأ فبدا الخوف في وجهه مع التردد ولم يدر بماذا يجيب، فضحك أبوه تشجيعا له على الكلام، فقال الغلام: «علمتني إياه قادين ج الوصيفة.»
فبدا الغضب في وجه عبد الحميد عند سماع ذلك الاسم، وتمتم قائلا: «إنها تحتال في استرضائي، يا لها من خائنة! وتظن هذه الحيلة تنطلي علي.» ثم تجاهل وعاد إلى مداعبة ابنه، فأخرج من جيب عباءته سبحة دفعها إليه وجعل يلاعبه بها ويداعبه، والغلام يضحك وأبوه يتضاحك ويتلاهى. فتحرك الغلام حركة أوقعت التقرير من حجر السلطان، فحاول أن يلتقطه فاضطر لذلك أن ينهض من مقعده فتحول وجهه نحو الببغاء في القفص، فرأى أن يعود إلى مداعبة ابنه فقال: «هل تعطيني الببغاء وتأخذ هذه السجادة الجميلة؟»
قال: «إن الببغاء لك أيضا، ألسنا جميعا ملكا لك تفعل بنا ما تشاء؟»
Page inconnue