«من فَصَلَ في سبيل الله، فمات، أو قتل؛ فهو شهيد» .
فمن سلك هذا المسلك، وبخاصة في باب الإسهام من الغنيمة، فإن ذلك يستحقُّه من قاتل من الجيش ومن لم يقاتل، والكثيرُ الغَنَاء، ومن لا كبير غَنَاء عنده، والقويُّ والضعيف على حدٍّ سواء، وفَهِمَ بذلك من الشرع سقوطَ المُشاحة في هذا الباب؛ رأى أن هذه الأعذار
المانعةَ عن الإتمام بعد وجود العَزمِ والشروع لا تُحبط حظهم من السهمان، ومن لم ير ذلك فحجته أن العمل لا يُعَادَلُ بمجرد النيّة على الإطلاق، وهو وإن جعل الشرعُ النيةَ حكمًا، فقد جعل لوجود العمل مزيةً وفضلًا؛ كما ثبت في الفرق بين مقدار ما يكتب لمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها، وما كُتب لمن همَّ بذلك فَعَمِل (١)؛ ولقوله ﷺ للمهاجرين -وقد اجتهدوا في إدراك ما فاتهم به الأنصار من أجر الصدقة، حين لم يجدوا مالًا فيتصدَّقوا كما يتصدَّقون-: «ذلك
= والتعديل» (٣/٢/٣٠١) ولم يَحْكِ فيه جرحًا ولا تعديلًا. وأشار الذهبي في «الميزان» (٣/٥٩٥) بأنه لا يُعرف، فقال: «عن أبيه، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي وحده» .
وفي الإسناد علَّةٌ أخرى، وهي عنعنة ابن إسحاق، وهو معروف بالتدليس.
وبه أعلَّه البوصيري في «إتحاف الخيرة» (٢/ق ٥٧/ب) أو (٦/٢٦٤) . ولكنه صرَّح بالتحديث عند أبي نعيم في «المعرفة» فزالت شبهة تدليسه.
وللحديث شاهدٌ آخر، من حديث أبي هريرة ﵁؛ مرفوعًا بلفظ: «ما تعدون الشهيد فيكم»؟ قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: «إن شهداء أمتي إذًا لقليل»، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد» .
أخرجه مسلم في «صحيحه» في كتاب الإمارة (٣/١٥٢١-ط. عبد الباقي) وغيره.
(١) أخرج البخاري في «صحيحه» في كتاب الرقاق (باب من همَّ بحسنةٍ أو بسيئةٍ) (رقم ٦٤٩١)، ومسلم في «صحيحه» في كتاب الإيمان (باب إذا همَّ العبد بحسنة ...) (رقم ١٣١) من حديث ابن عباس ﵄، عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربِّه ﷿ قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسناتٍ إلى سبع مئة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها؛ كتبها الله عنده حسنةً كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها؛ كتبها الله له سيئة واحدة» .