ونكايتهم لأعداء الإسلام وأهله، وكانت رقعة محبتهم للشخص تتسع بقدر محبته لله ورسوله ﷺ، فإن من أحب رسول الله ﷺ أحبَّ خُدَّامه وأصحابه، وأحب حملة العلم والقرآن.
حكى ابن كثير في تاريخه: (أن أبا محمد البربهاري الحنبلي -العالم الزاهد الفقيه- عطس يومًا وهو يعظ، فشمته الحاضرون، ثم شمته من سمعهم، حتى شمته أهل بغداد، فانتهت الضجة إلى دار الخلافة) (١).
وقال أبو حاتم الرازيُّ: " ما رأيت أحدًا أعظم قدرًا من أبي مسهر، كنتُ أراه إذا خرج إلى المسجد، اصطفَّ الناسُ يسلمون عليه، ويقبلون يده " (٢).
وقال المروذي: (قدم رجل من طرَسُوس، فقال: كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل؛ رفعوا أصواتهم بالدعاء: " ادعوا لأبي عبد الله ") (٣)، يعني الإمام أحمد بن حنبل ﵀.
وتجلى هذا الولاء في ثناء بعضهم على بعض:
عن يحيى بن سعد قال: ذكر عمر فضل أبي بكر، فجعل يصف مناقبه، ثم قال: " وهذا سيدُنا بلال حسنةٌ من حسناته " (٤).
وهذا ابن عمر ﵄ -وهو من هو- يتواضع لمفتي مكة عطاء مع أنه تابعي:
فعن عمر بن سعيد عن أمه قالت: (قدم ابن عمر مكة، فسألوه، فقال: " أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل، وفيكم ابن أبي رباح -يعني عطاء-؟!) (٥)
(١) " البداية والنهاية " (١١/ ٢٠١).
(٢) " الجرح والتعديل " (٦/ ٢٩).
(٣) " سير أعلام النبلاء " (١١/ ٢١٠).
(٤) " الجامع " للخطيب (١/ ٣٤٠).
(٥) " صفة الصفوة " (٢/ ١٤٣)، وقد روي نحوه عن ابن عباس ﵄ كما في " سير أعلام النبلاء " (٨١/ ٥).