يؤمن ما يتجدد منه في محبسه، فأمر صمصام الدولة بقتله، فقتل سنة ٣٧٥.
وكان لابن سعدان ناحية أخرى علمية أدبية يصورها أبو حيان في كتبه، فهو واسع الاطلاع، له مشاركة جيدة في كثير من فروع العلم من أدب وفلسفة وطبيعة وإلهيات وأخلاق، يدل على ذلك حواره الذي يحكيه أبو حيان في كتابه الإمتاع والمؤانسة والمقابسات، فهو يسأل أسئلة عميقة، وينقد الإجابة عنها نقدا قيما.
وفوق ذلك كان له في وزارته منتدى يجمع كثيرا من جلة العلماء والأدباء منهم ابن زرعة الفيلسوف النصراني، وابن مسكويه صاحب (تهذيب الأخلاق) (وتجارب الأمم)، وأبو الوفاء المهندس الذي سنتحدث عنه، وأبو سعد بهرام بن أردشير، ومن الشعراء ابن حجاج الشاعر الماجن المشهور، ومن الكتّاب أبو عبيد الخطيب الكاتب، وأبو حيان صاحبنا.
وكان له مجلس شراب يجلس إليه بعض هؤلاء فيتفاكهون ويتنادرون ويذهبون في فنون الحديث كل مذهب، ومجلس جد يتحاورون فيه ويتناقشون في الفلسفة والأخلاق والأدب.
وكان يباهي بمجلسه ويفخر به على مجالس الأمراء المعاصرين له، مثل المهلبي وابن العميد والصاحب بن عباد. فيقول في أصحابه هؤلاء: «ما لهذه الجماعة بالعراق شكل ولا نظير، ... وأن جميع ندماء المهلبي لا يفون بواحد من هؤلاء، وأن جميع أصحاب ابن العميد يشتهون أقل من فيهم، وأن ابن عباد ليس عنده إلا أصحاب الجدل الذين يشغبون ويحمقون ويتصايحون» . فلا عجب- إذن- أن يكون من نتاج ابن سعدان الوزير العالم هذا الكتاب الذي نحن بصدده، كتاب «الإمتاع والمؤانسة» .
وأما أبو الوفاء الذي وصل أبا حيان بابن سعدان والذي ألف أبو حيان له «الإمتاع والمؤانسة» ودوّن له فيه كل ما دار بينه وبين الوزير في سبع وثلاثين ليلة، فهو محمد بن محمد بن يحيى البوزجاني. ترجم له ابن النديم في (الفهرست) وابن خلكان في (وفيات الأعيان)، وقال فيه هذا الأخير: «إنه أحد الأئمة المشاهير في علم الهندسة، وله فيه استخراجات غريبة لم يسبق بها، وكان شيخنا العلامة كمال الدين أبو الفتح موسى بن يونس- وهو القيم بهذا الفن- يبالغ في وصف كتبه، ويعتمد عليها في أكثر مطالعاته ويحتج بما يقوله وكان عنده من تآليفه عدة كتب ... وكانت ولادته سنة ٣٢٨ بمدينة بوزجان، وقدم العراق سنة ٣٤٨، وتوفي سنة ٣٧٦» . وقد ذكر ابن خلكان أنه نقل تاريخ الوفاة هذا من شيخه ابن الأثير. ولكن الذي في ابن الأثير أنه عدّ وفاته في حوادث سنة ٣٨٧، فإما أن ابن خلكان أخطأ في النقل أو أن الناسخ أخطأ في الكتابة.
وكان أبو الوفاء هذا من ندماء ابن سعدان كما تقدم، وقد وصفه ابن سعدان في
1 / 27