سأل: أأنت أيضا فصلوك؟
سألت: وهل فصل أحد؟
قال: فصل أربعة وأنا خامسهم.
قالت: وأنا فصلت، ولكن بسلطة أخرى.
ضحكت: تعددت السلطات والفصل واحد.
سألت: والدكتور فوزي؟
قال: كما هو في المستشفى.
اجتازت الكوبري الصغير بين المستشفى القديم والجديد، رأت من خلال قضبان الكوبري القارب المزركش والفتى والفتاة يجدفان ويلوحان للمرأة الواقفة في شرفة القصر، مرت من جوارها سيارة سوداء طويلة كسيارات البوليس، تبعتها سيارة إسعاف، شقت ببوقها الحاد الزحام الواقف أمام باب المستشفى، وطوابير من رجال بوجوه شاحبة، ونساء بجلاليب سوداء، وأطفال بعيون جاحظة، وتجار البرتقال بعرباتهم الكارو، وقطط وكلاب تجري هنا وهناك بين أكوام القمامة.
دخلت فناء المستشفى الجديد الواسع، اصطفت فيه عربات أساتذة الكلية والأطباء، كالسفن الطويلة الراسية في الميناء، أو الطيارات القابعة فوق أرض المطار، ظهرها المقوس يلمع تحت أشعة الشمس كالفولاذ، ورأسها مدبب حاد كبوز المدفع، ومؤخرتها طويلة ناعمة كذيل ثعبان، داست بقدمها بقوة فوق الأرض، كأنما تدوس على كل الذيول الناعمة، وكل الرءوس المدببة الحادة، وكل الأساتذة والأطباء بسياراتهم اللامعة الطويلة، وبطونهم البارزة من الأمام، وأردافهم المترهلة من الخلف، ومقاعدهم الجلدية الوثيرة، وأسمائهم المعلقة فوق اليفط في الشوارع والميادين، والشهادات التي رشقوها بالدبابيس فوق ظهورهم، ورائحة الدم وعرق المرضى تفوح من الأوراق المالية المكومة في جيوبهم المنتفخة.
اتجهت نحو العيادة الخارجية، ولمحت رأس الدكتور فوزي يطل من وراء طابور الأجساد الضامرة كالهياكل، يتساند الجسد فوق الجسد، وبمشقة تنتصب الساقان الرفيعتان المعوجتان، وبمشقة أشد ينتصب الرأس فوق العنق، والعيون غائرة والأفواه مفتوحة تلهث، والرائحة العفنة كرائحة الجسد الميت.
Page inconnue